التعديل الوزاري .. ملاحظات على الهامشا

- ‎فيتقارير

الهدف من التعديل الوزاري الذي قرره الدكتاتور عبدالفتاح السيسي يوم السبت 13 أغسطس 2022م هو محاولة امتصاص الغضب الشعبي العارم بين المواطنين في ظل الغلاء المنفلت الذي طال  أسعار كل شيء في ظل ثبات المرتبات والأجور، وهو  ما أدى إلى سقوط عشرات الملايين من المصريين في براثن الفقر والاحتياج وعدم كفاية الدخول في توفير أبسط مقومات الحياة من سكن وطعام وملبس وتنقلات ورعاية صحية وخدمات تعليمية. فالحد الأدنى حاليا (2700) جنيه لا يكفي مطلقا أي أسرة تتكون من فردين (إيجار سكن + مصاريف الطعام ــ ملابس ــ تنقلات ـ رعاية صحية ــ فواتير المياه والكهرباء والغاز) فهذه الأساسيات تحتاج شهريا ما لا يقل عن  10 آلاف جنيه لفردين فقط، فماذا لو كان لدى الأسرة طفلان فقط في مراحل التعليم المختلفة؟!

الأمر الآخر أن هذا التعديل لم يشمل وزراء الملف الاقتصادي، رغم أن هذا الملف تحديدا هو الأكثر فشلا على الإطلاق؛ فالدولة لا تتنج ولا تزرع ولا تصنع شيئا له قيمة، تعتمد فقط على القروض والمساعدات الخارجية حتى أضحت الديون جبالا تنوء بحملها الأجيال القادمة لخمسين سنة قادمة! ولأول مرة في تاريخ مصر لا تكفي جميع إيرادات الدولة المتوقعة في الموازنة بندا واحدا هو خدمة الدين؛ فإلإيرادات المتوقعة حسب أرقام الموازنة نحو 1.5 تريليون جنيه، بينما بند خدمة الدين نحو 1.650 تريليون جنيه بزيادة قدرها 150 مليار جنيه عن حجم الإيرادات!

من جهة ثالثة، فإن التعديل لم يشمل وزير الأوقاف مختار جمعة؛ فهو أقدم وزير حيث كان في التشكيل لأول وزارة بعد الانقلاب العسكري والتي شكلها حازم الببلاوي وجبهة الإنقاذ العلمانية والتي أدت اليمين أم المؤقت عدلي منصور الذي عينه وزير الدفاع رئيسا للجمهورية يوم 16 يوليو 2013م. ولم يخرج من الوزارة حتى اليوم رغم تعاق الحكومات المختلفة؛ ما يبرهن على حجم الرضا الذي يحظى به مختار جمعة رغم الكراهية الشعبية العارمة والرفض الشعبي الواسع له.

لكل هذه الأسباب، قوبل التعديل الوزاري بفتور شعبي واسع؛ ذلك أن المصريين لا يؤملون خيرا في هذه التعديلات التي طالت 13 وزيرا  أبرزهم طارق شوقي وزير التعليم الذي يحظى بكراهية الغالبية الساحقة من الشعب المصري بعد حجم العبث الذي جرى في عهده في التعليم الأساسي والثانوية الجديدة (ثانوية التابلت) التي ثبت فشلها تماما في ظل علمنة المناهج على نحو واسع وغير مسبوق رغم أن الوزير مجرد «سكرتير أو بواب»، لا يتمتع بسلطة أو صلاحيات حقيقية بل أجهزة الدولة التي تسمى "سيادية" مثل الرئاسة والمخابرات والأمن الوطني هي التي تضع فعليا السياسات العليا للدولة وما الحكومة إلا مجرد سكرتارية ينفذون هذه السياسات والتعليمات والتوجيهات.

بمعنى آخر  فإن الوزير ــ أي وزيرــ في النظام الاستبدادي هو مجرد «مداس» يرتديه الزعيم الدكتاتور فترة ثم إذا شاء خلعه متى شاء، والمداس أو الوزير في هذه الحالة لا يتمتع بأي إرادة أو سلطة حقيقية؛ فهو مجرد شيء أو دمية تحركها الأجهزة بالطريقة والكيفية التي تراها مناسبة؛ وبالتالي ليس من الوعي أو الحكمة في شيء أن يوجه  البعض انتقادهم للمداس؛ بل الأولى توجيه النقد لمن يرتدي المداس (وهو الزعيم الدكتاتور وأجهزته في هذه الحالة)، فهو  واضع السياسات وهو من يصدر التوجيهات والتعليمات التي دمرت كل شيء، ومشكلة الوزير ــ أي وزير ــ  من هذه النوعية أن لديه استعدادا مدهشا لأن يكون مداسا في قدم الدكتاتور، هذه النوعية من المداسات أو الوزراء يبدون أسفا كبيرا عندما يتم خلعهم ويتمنون  العودة من جديد  كمداسات للسيد الزعيم وأجهزته  الحاكمة.

على كل حال، فإن الشعب وصل إلى مرحلة من الوعي الكبير، وكانت تجربة الثورة وما تلاها من مرحلة ديمقراطية عملت أجهزة الدولة  العميقة على إفسادها خلال المرحلة الانتقالية، ثم الانقلاب عليها في يوليو 2013م وما تلا ذلك من مذابح وتحولات هائلة طالت كل شيء. كانت هذه التجربة كافية لإدراك الجماهير أن المشكلة أساسا تكمن في السياسات الخاطئة قبل الأشخاص غير المؤهلين أساسا وغير الأكفاء والذين لا يجيدون سوى التسبيح بحمد الدكتاتور وشلته وأجهزته، فالشعب اليوم بات على وعي كامل بأن المسار الكارثي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا الذي تجر المؤسسة العسكرية البلاد إليها قهرا بالبطش والعنف والإرهاب هو الذي يجب أن يتغير لأن الإطاحة بعدد من الوزراء لن يغير من الوضع الكارثي شيئا.

البرهان على هذا الوعي أحدث نكتة أطلقها المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن الشعب فرح قليلا بإقالة طارق شوقي لكن الفرحة الكبرى ستكون يوم الإطاحة بياسر جلال!!

وكان البرلمان قد بصم على التعديل الوزاري في جلسة السبت 13 أغسطس 2022م، والذي شمل اختيار رضا حجازي، وزيرًا للتعليم بعدما كان نائب الوزير السابق، طارق شوقي، وهاني عاطف سويلم، أستاذ التنمية المستدامة بالجامعة الأمريكية، وزيرًا الري، وخالد عبد الغفار، وزيرًا الصحة والسكان بعدما شغل من قبل منصب وزير التعليم العالي، ومحمد أيمن عاشور، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس، وزيرًا للتعليم العالي، والسفيرة سها الجندي، وزيرةً الهجرة، فيما شغلت سابقًا مساعد وزير الخارجية كمدير قطاع المنظمات والتجمعات الإفريقية. وشمل التعديل أيضًا، تعيين الرئيس التنفيذي لقطاع تجارة التجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي، أحمد عيسى طه، وزيرًا للسياحة، و رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أحمد سمير محمود، وزيرًا للتجارة والصناعة، وقائد القوات الجوية، الفريق محمد عباس، وزيرًا للطيران المدني، ورئيس الاتحاد العام لنقابات مصر، حسن محمد حسن شحاتة، وزيرًا للقوى العاملة، وعميد المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، نيفين يوسف الكيلاني، وزيرةً للثقافة، وهشام آمنة، وزير للتنمية المحلية، ومحمود مصطفى عصمت، وزيرًا لقطاع الأعمال العام، ومحمد صلاح الدين وزيرًا للإنتاج الحربي.