“رابعة” في ذكراها العاشرة.. هل يمكن محاكمة القتلة؟

- ‎فيتقارير

لا يتوقف انتقاد النظام الشمولي في مصر على منظمة العدل الدولية وهيومن رايتس ووتش، وعشرات المؤسسات الحقوقية الدولية، بل امتد إلى الأمم المتحدة، حيث دعا الأمين العام  السابق للأمم المتحدة بان كي مون  السبت 13 أغسطس 2016م إلى ضرورة إجراء تحقيقات كاملة بشأن مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الشرطة والجيش المصري خلال فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة ومعظم دول العالم المهتمة بمصر دانت بشدة أحداث المذبحة وأبدت قلقها من سلوك سلطات الانقلاب من شرطة وجيش ضد المدنيين، إلا أن أحداث السنوات الماضية لم تنبئ بأي مساءلة أو محاسبة، بل إن بعض الدول التي دانت ما حدث بلهجة قاسية في حينه، كفرنسا وإيطاليا، فتحت ذراعيها في ما بعد استقبالاً لصاحب قرار الفض، وزعيم الانقلاب العسكري الجنرال عبدالفتاح السيسي، الذي نسف المسار الديمقراطي وكرس حكما عسكريا شموليا يتبنى نزعة استبدادية إقصائية غير مسبوقة.

ومنذ اليوم الأول بعد المذبحة، كان السيسي قلقا للغاية من تدويل القضية أو نجاح جماعة "الإخوان" في استصدار أوامر قضائية بحق السيسي كقائد عام للجيش المصري الذي قام بالتغطية وإدارة مداخل ومخارج الموقع، وعدلي منصور كرئيس مؤقت للجمهورية، ومحمد إبراهيم كوزير للداخلية وقائد لقوات الشرطة التي اقتحمت الموقع، وحازم الببلاوي رئيس الوزراء الذي اعترف بأن قرار الفض اتُخذ في اجتماع لمجلس الأمن الوطني.

وسارع السيسي، مدعوما بآراء عدد من مستشاريه القانونيين، إلى البحث عن طرق لتأمين موقفه أمام أي احتمالات لتدويل القضية، فتم تشكيل لجنة حكومية لتقصي حقائق الأحداث في محاولة لاصطناع استقلال التحقيقات في القضية أمام الرأي العام العالمي، ودرست الحكومة آنذاك إصدار قانون لمحاسبة المتهمين في جرائم الإبادة الجماعية والوقائع غير الإنسانية لتحصين المسؤولين المصريين من المحاكمة الدولية المحتملة. كما أعاقت الحكومة بين عامي 2015 و2016 جهود المنظمات الحقوقية الضاغطة للتصديق على معاهدة روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية، والتي وقّعت عليها مصر عام 2001 لكنها لم تصدّق عليها حتى الآن.

وجاء رفض النظام العسكري في مصر التصويت بـ«نعم» على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلسة الثلاثاء 18 مايو 2021م،  بإلزام الدول بحماية المواطنين ومنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية صادما وكاشفا، لكنه في ذات الوقت متسق تمام الاتساق مع طبيعة النظام وفلسفته باعتباره نظاما عسكريا اغتصب الحكم بانقلاب عسكري وارتكب مئات الجرائم ضد  الإنسانية سفك خلالها دماء آلاف المصريين ولا يزال حتى اليوم يمارس أبشع صور الطغيان والعنصرية والتمييز أملا في ضمان بقائه واستمراره.

وبحسب خبراء في القانون الدولي، هناك طريقان لإيصال قضية المذبحة إلى المحكمة الجنائية الدولية لمباشرة التحقيقات فيها وتحديد المسؤولين بغض النظر عن تلكؤ مصر في التصديق على معاهدة روما:

الأول من خلال مجلس الأمن الذي يمكنه إحالة أي جريمة يعترف بارتكابها إلى المدعي العام، فالسودان ليس عضواً مؤسساً في معاهدة روما، ولم يصدق عليها، لكن المدعي العام الدولي اتخذ قراراته بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بناءً على قرار إحالة مباشر من مجلس الأمن بسبب قضية دارفور"،  وهذا طريق صعب لوجود قوى دولية وإقليمية تدعم النظام العسكري في مصر في إطار معادلة المصالح وضمان حماية إسرائيل. ويمكن لعائلات ضحايا المذبحة وقيادات الجماعات والتيارات المتضررة منها ممارسة الضغوط السياسية من خلال دول حليفة لهم للضغط على مجلس الأمن في هذا الموضوع، وعلى الأقل، وحتى إذا لم يحرك مجلس الأمن أمر إحالة للمدعي العام، فسوف يكون العالم قد أحيط علماً بهذه المذبحة وبرغبة ضحاياها في تدويلها".

أما الطريق الثاني فمن خلال علم المدعي العام للمحكمة بنفسه بوقوع جرائم تدخل في اختصاص المحكمة. وذلك  بالتواصل والضغط على المدعي العام نفسه، لتصبح هذه الجريمة واقعة أمامه بكل تفاصيلها، وهذا لن يتأتى إلا بعمل إعلامي وسياسي كبير في الأوساط الأوروبية تحديداً، للتأثير على الادعاء بما يدفعه لمناقشة طرح القضية على المحكمة أو هيئتها العليا الداخلية التي تقرر مدى إمكانية المضي قدماً في نظرها، وفق المسؤول نفسه. وهو أيضا طريق محفوف بتشابكات المصالح السياسية والاقتصادية في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط تحالف الثورات المضادة بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ويعزو  خبراء ومتخصصون أسباب الفشل في تدويل القضية حتى اليوم إلى عدة أسباب:

أولها الدعم القوي الذي يحظى به نظام السيسي من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لما يقدمه لهم من مصالح وضمان حماية الكيان الصهيوني، كما يحظى بدعم واسع من جانب قوى إقليمية خليجية مؤثرة.

ثانيا، شاب المبادرات الفردية التي حركها "الإخوان" وغيرهم من معارضي النظام لتوسيع مساحة الإدانة الدولية لمذبحة رابعة، عدد من الأخطاء من حيث الشكل والمضمون،  هي عدم مركزية التحرك، وعدم وجود إدارة موحّدة تضم عدداً من السياسيين والقانونيين والدبلوماسيين المختصين والإعلاميين لأداء الرسالة المتكاملة وصولاً إلى الهدف المنشود.

ثالثا، عدم ترتيب الأولويات وفقاً لإمكانية قيد القضية في أي من المحاكم الدولية والأوروبية بشرط أن تكون مختصة ابتداءً بالواقعة، حتى تكون القرارات الصادرة عنها مؤثرة وذات مصداقية، وليست مجرد بيانات إعلامية. والاحتمال الأفضل للتجريب في الفترة المقبلة هو محاولة ممارسة الضغوط على كل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سياسياً، والمدعي العام في المحكمة الدولية، سياسياً وقانونياً، مع ترجيح إمكانية التأثير الأقوى على المدعي العام.

وتمضي الأيام والسنوات ولا يزال القتلة قابضين على مفاصل السلطة في مصر، وفرضوا على شعبها سياسات استبدادية دمرت الناس وأصابتهم باليأس والإحباط، وفي الشق الاقتصادي تبنى الانقلابيون مسار الإذعان لصندوق النقد الدولي وتوسعوا في القروض حتى أغرقوا البلاد ولأول مرة في تاريخ مصر يزيد بند خدمة الديون عن جميع إيرادات الدولة المتوقعة بنحو 150 مليار جنيه؛ في برهان ساطع على أن السيسي وعصابته دمروا مصر تدميرا لن تستطيع التحرر منه إلا بعد عشرات السنين.