مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر وتسريح ملايين العمال نتيجة إغلاق آلاف المصانع والشركات ووقف التعيينات من جانب حكومة الانقلاب وعدم قدرة أرباب الأسر على توفير احتياجات أسرهم الضرورية بالإضافة إلى القمع وانتهاكات حقوق الإنسان والقتل والتصفية في الشوارع واعتقال المعارضين لنظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي والتي لا تتوقف ميلشياته عن ملاحقتهم ومطاردتهم ، كل هذه العوامل تسببت في أزمات نفسية لدى ملايين المصريين تدفع الكثير منهم إلى الانتحار ، لأنهم فقدوا الأمل وتملكهم اليأس والاكتئاب والشعور بالانهزامية والفشل ، وبالتالي لا يجدون أمامهم من سبيل إلا الهروب من تلك الأزمات بالإقدام على إنهاء حياتهم .
حوادث متكررة
كان عامل بمنطقة بشتيل بالجيزة قد حاول التخلص من حياته، بإشعال النار في نفسه وتم نقله إلى مستشفى إمبابة العام لتلقي العلاج، وكشفت التحريات الأولية أن المصاب كان يمر مؤخرا بأزمة نفسية، كما أقدم شاب على الانتحار بشنق نفسه داخل شقة بمنطقة مصر الجديدة، بسبب مروره بأزمة نفسية .
فيما أقدمت ربة منزل تحمل جنسية عربية علي الانتحار شنقا لمعاناتها من الاكتئاب وتتناول أدوية للعلاج منه، ويوم الواقعة تفاجأ زوجها بانتحارها كما أقدمت فتاة إثيوبية الجنسية تدعى «دينا» على إنهاء حياتها بإلقاء نفسها من علو في دار السلام، وزعمت تحريات مباحث الانقلاب مرورها بأزمة نفسية ولا شبهة جنائية في الواقعة.
وفي شبرا الخيمة أقدمت طالبة في الصف الثاني الثانوي على الانتحار، بإلقاء نفسها من الطابق الثاني من منزلها، بسبب خلافات مع والدها، وجرى نقلها إلى مستشفى ناصر العام في حالة خطرة لتلقي العلاج .
وأنهى مسن بقرية كفر سرنجا مركز ميت غمر محافظة الدقهلية، حياته بـ«الحبة السامة» التي تستخدم في حفظ الغلال، وذلك بعد مروره بأزمة نفسية وجرى نقل جثمانه لمشرحة مستشفى المنصورة الدولي .
وفي منطقة التجمع بالقاهرة تملك إحساس اليأس من سيدة تحمل جنسية دولة آسيوية عقب محاولتها المستمرة لإقناع زوجها يحمل نفس الجنسية من أجل السفر والعودة إلي أصدقائها وأسرتها، لكن دون جدوى فمرت بحالة نفسية سيئة انتهت بها معلقة بحزام في الستارة داخل شقتها .
وأقدمت طالبة مواليد 2003 مصرية مقيمة بالكويت، تدرس بكلية العلوم، علي إنهاء حياتها قفزا من الطابق الرابع داخل الحرم الجامعي وقالت الطالبة في رسالة مكتوبة قبل إنهاء حياتها "الحاجات اللي في الشنطة ادوها لماما وقولوا لها إني "كنت بحبها أوي، وبابا عمره ما حسسني أني كبيرة، حتى أما مش بعمل حاجة غلط على طول موترني ويخليني أشك في نفسي، أحب أقوله شكرا .
وفى مركز أوسيم بمحافظة الجيزة حاول شاب يدعى «إسلام» إنهاء حياته علي طريقة فيلم «السيد أبوالعربي وصل»، وصعد إلى أعلي برج خشبي وهدد بالقفز لكن تمكن الأهالي من إقناعه بالعدول عن فكرة الانتحار وتم إنقاذه وإنزاله ، وكشفت تحريات مباحث الانقلاب أن الشاب يعاني من أزمات نفسية واضطرابات وأنه صعد بقصد إنهاء حياته لكن الأهالي تمكنوا من إنقاذه .
أزمات نفسية
حول أسباب ودوافع عمليات الانتحار قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن "وقائع الانتحار ترجع إلى الأزمات النفسية التي يمر بها الشخص وعدم قدرته على تحملها والمرور منها".
وأكد فرويز في تصريحات صحفية أن الحالة النفسية السيئة تجرد صاحبها من التفكير السليم وتجعله ينسى الجوانب المشرقة في حياته ويفكر في كل ما هو سيئ فقط الأمر الذي يقود صاحبه إلى الانتحار أو ارتكاب جريمة للهروب من الحياة.
صدمة
وقالت الدكتورة رحاب العوضي، أستاذ علم النفس السلوكي، إن "أسباب تلك الوقائع هو شعور المنتحر بالخُذلان من الآخرين، حيث يتعرض ذلك الشخص إلي صدمة من آخر مقرب لديه فيشعر بالخُذلان ويدخل في حالة نفسية سيئة تدفعه للتفكير في إنهاء حياته".
وأشارت رحاب العوضي في تصريحات صحفية إلى أن مثل هذه المشاعر تدفع صاحبها إلى تطوير أفكاره من أجل انتقاء طريقة للانتحار ثم التنفيذ.
المادة الإعلامية
وطالبت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، بضرورة تفعيل دور أماكن العبادة ورجال الدين في توعية الأفراد، وإبراز دور الأسرة في الحياة المجتمعية، مشيرة إلي أن المادة الإعلامية المتناولة والتي تذاع داخل البيوت تحرض على العنف والدماء ويراها الأطفال وهو ما يرسخ بداخلهم مبادئ العنف .
وقالت سامية خضر في تصريحات صحفية إن "هناك اهتمامات يجب وضعها في الحسبان من جانب المجتمع أولها الاهتمام بالفرد الذي تقوم عليه المنظومة الإنسانية".
وشددت علي ضرورة التوعية بدور المرأة، والدور الأسري وكيفية التعامل مع الزوج والأطفال والتوعية الشاملة بالدور المجتمعي للمرأة.
وأكدت ضرورة إعطاء الثقة للفرد وأنه يستطيع أن يكون أفضل، لافتة الى ضرورة التركيز على دور المثقفين في مصر والاهتمام بهم
وتوجيه العمل علي إعداد تمثيليات تثقيفية عن دور الأسرة والمرأة، وكذا تشجيع المواهب والشعراء من النشء، وبث روح الحب والتسامح بين أفراد المجتمع للوصول إلى الفضائل والبعد عن العنف ونبذه.
الروابط الأسرية
وأرجع الدكتور أحمد فخري استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بجامعة عين شمس، أسباب كثرة حالات الانتحار إلى الاكتئاب وفقدان القدرة على التوجيه وكذا حالات الفصام العقلي واضطرابات الشخصية والحالة المزاجية السيئة .
وقال «فخري» في تصريحات صحفية إن "الشخص يفقد ماهيته ويصبح كأنه شخص آخر لا يستطيع قيادة نفسه والخروج بها من براثن الضعف والانكسار وينساق وراء التفكير غير السوي ، وبالتالي الإقدام علي التخلص من نفسه أو ارتكاب جريمة".
وأضاف أن حالات الانتحار مرتبطة بالاضطرابات النفسية في غالبية الوقائع، لكن هناك أيضا وقائع تأتي فجأة أي عند حدوث الأزمة يفكر الشخص ويقرر إنهاء حياته في نفس الوقت ويقدم على الانتحار، مشيرا إلى أن الانتحار ظاهرة عالمية.
وأكد «فخري» أن شعور هؤلاء الأشخاص باليأس يعد أيضا سببً رئيسيا في حدوث تلك الوقائع، مشددا علي ضرورة إعادة الروابط الأسرية والاجتماعية بين الأفراد لانعكاس تلك الروابط علي الحالة النفسية لدى البعض الأكثر حساسية وهشاشة .
وأوضح أننا بحاجة إلى تفعيل جهاز الإرسال والاستقبال العاطفي لدينا وزيادة شعورنا بالآخرين، وكذلك منع وحجب المواد الإعلامية المحرضة علي العنف وتفعيل الدور الإعلامي في التوعية الأسرية