التنكيل بأنس في سجن بدر.. لماذا يصر السيسي على الانتقام من آل البلتاجي؟!

- ‎فيلن ننسى

كشفت السيدة سيناء عبدالجواد، زوجة الدكتور محمد البلتاجي، عضو برلمان الثورة والمعتقل حاليا في سجون النظام العسكري، ووالدة الناشط أنس البلتاجي المعتقل أيضا في سجون الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، أنهما علمت من محامي الأسرة أن نجلها محتجز بزنزانة تأديب بسجن بدر1؛ بعدما نقل إليه بدون متعلقاته الشخصية قبل أيام؛ وقالت إن إدارة السجن ترفض إدخال الطعام والملابس الثقيلة والأدوية لنجلها.

جاء ذلك في منشور على صفحة "الحرية لأنس البلتاجي" بتاريخ الخميس 24 نوفمبر 2022م، ثم مداخلة  للسيدة سناء البلتاجي مع  إحدى فضائيات الخارج؛ وتساءلت أسرة البلتاجي في منشور على صفحة "الحرية لأنس البلتاجي"، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: «لماذا! أنس لم يعاند سجانيه يوما كي لا يستفزهم.. ونحن صابرون وصامتون رغم انقطاع كافة الأخبار عنه حتى لا نزعجكم بمجرد السؤال.. لكن وردنا اتصال يفيد بمعاقبة أنس في سجن بدر 1، وليس أمامنا طريقة رسمية أو غير رسمية تطمئننا فقط أن أنس بخير». وتضيف الأسرة: «لو أن أنس أضرب عن الطعام، فقررتم معاقبته -كما وردنا من معلومات لسنا متأكدين من صحتها، أخبروا محاميه، أو فقط يردنا رد واحد من صحراء سجون بدر الواسعة». لكن الأسرة تنفي صحة أبناء إضرابه أنس عن الطعام لعدم اقتناعة بجدوى ذلك: «أنس عمره ما أضرب عن الطعام؛ لأنه مقتنع أنه لو أضرب عن الطعام فلن يكون هناك فرق في التعامل معه، بالتالي لا يوجد أي مبرر لما يحدث معه..نحن لسنا كلابا لكي يلقى بنا هكذا»!.

وفي المداخلة الهاتفية مع فضائية "الشرق"، تشكك السيدة سناء في صحة أخبار إضراب نجلها؛ لكنها لا تعرف مدى صحة الأمر، وما إذا كان دخوله التأديب عقابًا له على الإضراب أم أنه أضرب عن الطعام اعترضًا على احتجازه في عنبر التأديب، مطالبة إدارة السجن بتمكينها من التواصل مع نجلها لحثه على فك الإضراب. وأشارت عبد الجواد إلى أن نجلها سيكمل الشهر المقبل عشر سنوات في السجون بدون تهمة، قائلة: «كفاية انتقام وكفاية عشر سنين خرجوه يلملم اللي باقي من حياته»، وطالبت بتمكين أسرته ومحاميه الذي لم تذكر اسمه من زيارته خصوصًا وأن غالبية المحتجزين بسجن بدر1 يسمح لهم بالزيارة على عكس المحتجزين بسجن بدر 3 الذي انتقل إليه نجلها من سجن شديد الحراسة المعروف بـ«العقرب» بطرة قبل عدة أشهر».

 

اعتقال أثناء الزيارة

وأنس محمد البلتاجي هو نجل القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين والنائب السابق بالبرلمان الدكتور محمد البلتاجي. وقد اعتقل بطريقة غريبة للغاية؛ حيث اعتقل ووالدته أثناء زيارة والده بسجن طرة في ديسمبر 2013م، بسبب اعتراضهما على ظروف احتجازه وقتها وسؤالهما لحراس السجن عن سبب سوء المعاملة، وجرى إحالتهما إلى نيابة المعادي التي وجهت لهما تهمًا بالاعتداء على حراس سجن طرة، قبل أن تقرر إخلاء سبيلهما في اليوم التالي بكفالة. وبعد أسبوع (في 31 ديسمبر 2013) أعيد اعتقال أنس مع صديقين له وكان عمره وقتها 19 سنة وكان يستعد للامتحانات الفصلية بجامعة عين شمس. ولم يخرج من السجن حتى كتابة هذه السطور؛ ومنذ اعتقاله؛ لفقت له نيابة الانقلاب ست قضايا، وبرأته في أربع قضايا قيد الاستئناف، وحكمت عليه بالسجن لمدة عام في قضية لم يكن يعرف عنها شيئاً، ووجهت إليه تهماً في القضيتين المعلقتين ضده من خلال تجديد التهم السابقة؛ حيث اتهمت نيابة أمن الدولة العليا البلتاجي الابن بعدة تهم كيدية ملفقة أبرزها: «حيازة أسلحة وذخيرة، والانضمام إلى جماعة إرهابية، والتحريض على العنف»، وهي القضية التي قضت محكمة الإرهاب بمعاقبته فيها بالسجن خمس سنوات عام 2015، قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم في 2018 وتقضي ببراءته من التهم المنسوبة إليه، وهو ما تكرر مع نجل البلتاجي في القضية الخاصة بـ«حراس سجن طرة»، وفي قضيتين أخريين هما، القضية المعروفة إعلاميًا بـ«خلية الماريوت»، التي وجهت فيها جهات التحقيق اتهامات لعدد من صحفيي قناة الجزيرة وآخرين اتهامات بـ«الانضمام لجماعة الإخوان والمشاركة في مظاهرات ضد الجيش»، والقضية الرابعة كانت تتضمن اتهامه بـ«التظاهر واستعراض القوة في شوارع مدينة نصر»، وقد عاقبته محكمة الجنح فيها بالحبس سنتين، قبل أن تقضي محكمة الجنح المستأنفة في مارس 2018 ببراءته منها، ورغم أحكام البراءة استمر البلتاجي الابن في السجن من وقتها بسبب الاتهامات الخاصة بـ«الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها»، على ذمة قضيتين رقمي: 640 لسنة 2018، و1470 لسنة 2019. وبعد إخلاء سبيله في 13 فبراير 2020، تم تدويره للمرة الثالثة على ذمة قضية جديدة، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يوما على ذمة قضية جديدة، بعد قرار إخلاء سبيل صادر منذ أسبوع من تاريخ صدور هذا القرار في القضية رقم 640 لسنة 2018م.

كل هذه التهم الملفقة والأحكام الجائرة بهدف وحيد هو إبقاؤه مسجوناً إلى أجل غير مسمى خلال الحبس الاحتياطي، غالباً في ظروف غير إنسانية، وأخضعته للتعذيب، واحتجزته في الحبس الانفرادي، وحرمته من الزيارات مع عائلته ومحاميه، وحرمته من فرصة إكمال تعليمه الجامعي الذي يشجعه القانون.  وأغلبية التهم الموجهة إلى أنس تتعلق بجرائم سياسية على خلفية دعاوى مرفوعة ضده من قبل النيابة العامة؛ ليبدو أن اضطهاد أنس له دوافع سياسية بالكامل بسبب انتمائه العائلي باعتباره ابن محمد البلتاجي، وهو قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين محتجز أيضاً منذ عام 2013. كما قتلت قوات الأمن شقيقة أنس، أسماء البلتاجي، أثناء مذبحة اعتصام رابعة العدوية في 2013، حيث قتلت قوات الأمن المصرية أكثر من 1050 شخصاً.

 

مطالب بالإفراج عن أنس

وفي يونيو 2022م، طالبت منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" بالإفراج الفوري عن أنس البلتاجي ومحاسبة  المسئولين المتورطين في احتجازه التعسفي الطويل.  وأفادت المنظمة في تقريرها أنه بعد ما يقرب من 8 سنوات ونصف السنة على اعتقال أنس عندما كان طالبًا، لم تقدّم الحكومة المصرية أي دليل موثوق لإثبات التهم الموجهة إليه. وشددت المنظمة على أنها قضية “عقاب سياسي” ضد أسرته، وأن الحكومة حركت 6 قضايا وبرأته في 4 قيد الاستئناف، بينما حكمت عليه بالسجن لمدة عام في قضية لم يكن يعرف عنها شيئًا، ووجهت إليه تهمًا زائفة في القضيتين المعلقتين ضده، بهدف إبقائه مسجونًا إلى أجل غير مسمى.

 

يعاقب لأنه ابن البلتاجي

وفي مداخلة للسيدة سيناء عبدالجواد على برنامج المسائية بقناة "الجزيرة مباشر"، في يونيو 2022، تعجبت الأم من إعادة تدوير القضايا نفسها لتمديد حبس أنس رغم أن المحاكم المصرية هي التي تحكم له بالبراءة، وصرّحت بأنه اعتُقل في سن 19 دون تهمة محددة، وأن تهمته الحقيقية أنه “ابن أبيه.. الدكتور محمد البلتاجي”. ورأت والدة المعتقل الشاب أنه “يتم الانتقام من الأسرة ومن الوالد عن طريق أنس، الذي يدفع الثمن دون ذنب”، واستنكرت الأم كمّ “الانتقام والتمييز الذي يمارَس ضد الشاب”، قبل أن تزيد مستنكرة “في أي قانون يدفع ابن ثمن الانتماء لأبيه، خصوصًا أنه لم يتمّ دراسته في حين يكمل الشباب المصري دراستهم من داخل السجن؟”. وقالت سناء عبد الجواد إن أنس يتنقل بين السجون المصرية، وهو دائمًا في سجن انفرادي منذ 8 سنوات ونصف السنة مع منع الزيارة إليه. وتابعت الأم أنه “إذا كانت الغاية الانتقام من الدكتور البلتاجي، فهو محكوم عليه بالإعدام وصدرت في حقه أحكام تُقدَّر بعشرات السنوات”، متسائلة “ما الذي يجب أن يدفعه أكثر من ذلك؟”. ووصفت سناء عبد الجواد الظلم الذي لحق بابنها أنس بأنه “بشع”، ويزيد العبء النفسي على والده وباقي أفراد الأسرة. وختمت مداخلتها بالتأكيد على أن الأسرة أيديها بيضاء ولم تتورط في  أي قضايا مخلة بالشرف ولا اختلاس أموال، غير أن الأمر متعلق بخصومة سياسية يتم الانتقام بها من كل المعارضين!.

 

تدوير التهم بعد البراءة

وكانت ورقة بحثية صادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- منظمة مجتمع مدني مصرية- بعنوان "أسرتك تحت إيدينا"، في 26 نوفمبر 2020،  قد ضربت أنس البلتاجي كأحد نماذج الشباب الذين يعاقبون بسبب انتمائهم العائلي. وقالت إن "النظام في مصر يحاكم ويعاقب أشخاصًا لكونهم فقط أقرباء ومن أسر معارضين أو منتقدين له، للانتقام منهم عبر استهداف أقاربهم ، دونما اعتبار للدستور أو القانون، ومن دون أي احترام لقيم واتفاقيات حقوق الإنسان". ورغم أن الدستور ينص في مادته 95 على: "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، إلا أن "القانون والدستور شيء، وما يحدث على أرض الواقع في مصر شيء آخر مختلف ومتعارض معهما"، حسب الورقة التي وثقت قيام الأجهزة الأمنية بليّ ذراع القانون واستخدامه كأداة للقمع والانتقام من خصومه السياسيين أو المعارضين بشكل عام، وسواء كانوا في الداخل أو خارج مصر، وذلك من خلال القبض على ذويهم وتلفيق الاتهامات الكيدية لهم. الورقة نفسها وصفت ما يحدث مع أنس بـ"أسوأ صور الانتقام من شخص لكونه ابن أبيه، كما تقول أسرته"، ليواجه أنس بمصيره المحتوم ما دام يحمل في بطاقته اسم محمد البلتاجي. لذا "فالخروج من السجن أمر مستحيل، يواجه شبح التدوير على مدار سنوات، ليتم التحقيق معه في سبع قضايا متتالية حصل على حكمين بالبراءة من محاكم الجنايات والجنح، وفي قضايا أخرى حصل على إخلاء سبيل على ذمة القضية، وكل مرة يحصل على إخلاء سبيل يعاد تدويره مرة أخرى على ذمة قضية جديدة بنفس الاتهامات"!