محمد عايش يكتب: مونديال قطر الذي أعاد فلسطين للواجهة

- ‎فيمقالات

ما حققته قطر باستضافة مونديال كأس العالم لم يحققه العربُ مجتمعون في مئة سنة. هذه حقيقة وليست مبالغة، إذ إن جملة التحركات والأنشطة الدبلوماسية التي شهدتها الدوحة بالتزامن مع مباريات كأس العالم، وحجم الرسائل السياسية التي خرجت من هناك إلى العالم يُعادل أنشطة وجهودا ومساعي كان من المفترض أن تستغرق في الوضع الطبيعي، سنواتٍ طويلة.
من مشهد الافتتاح، إلى مشاهد الجماهير في المباريات، وأغانيهم وسلوكياتهم وأعلام فلسطين التي رفعوها، وصولاً إلى اجتماعات عُقدت على أعلى المستويات ومصالحات سياسية بين دول مهمة في المنطقة، كل هذا تم على هامش المونديال ونجحت دولة قطر في إنجازه، بينما لم يكن العالمُ بأكمله سينجح به ولو ظل لعقود طويلة يعملُ لتحقيقه.

لا تنتهي حكاية مونديال قطر 2022 عند هذا الحد، بل إن الأهم في هذا المجال هو أن الرسائل التي تتعلق بفلسطين والدعاية التي حظيت بها القضية الفلسطينية انطلاقاً من الدوحة، إلى مختلف شعوب الأرض، لم يسبق أن حظي بها الفلسطينيون من قبل، كما لم يسبق أن شهدت مناسبة عالمية ضخمة بحجم المونديال مثل هذا الكم من التعاطف والتأييد مع الشعب الفلسطيني، والاستفادة من هذا الجمع البشري الهائل للتعبير عن تأييد الحق الفلسطيني، ورفض الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته. ما حدث ويحدث في مونديال قطر يُشكل هبّة شعبية عالمية غير مسبوقة لتأييد الفلسطينيين ورفض التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، بل إن العَلَم الفلسطيني رُفع خلال المونديال أكثر من العلم القطري ذاته، أي أن فلسطين كان حضورها لا يقل عن حضور الدولة المستضيفة ذاتها، وهذا لم يسبق أن تحقق للفلسطينيين من قبل على المستوى العالمي.

 

ثمة أبعاد ودلائل كثيرة لموجة التضامن مع الفلسطينيين التي تشهدها مدرجات مونديال قطر 2022، وتُهيمن على الدوحة هذه الأيام، فالرسالة الأهم المقبلة من هناك تُفيد بأن موجة التطبيع الأخيرة مع الاحتلال فشلت، وإن التطبيع محصور في الأنظمة الرسمية التي قررت ذلك، دون شعوبها، وهذا ما قرأناه بوضوح من الجمهور المغربي، الذي رفع العلم الفلسطيني عالياً خلال المباراة مع بلجيكا، وأطلق العديد من الأغاني المؤيدة للحق الفلسطيني والمنددة بالتطبيع مع الاحتلال. وهناك أمرٌ آخر أشعل موجة التضامن مع الفلسطينيين في الدوحة، وهو أنَّ قطر تتوسط البلدين الخليجيين اللذين وقعا اتفاقات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن وجود انطباع بأن دول الخليج تتجه بشكل كامل إلى التطبيع مع الاحتلال والاعتراف باسرائيل، ليأتي مونديال قطر ويجدد التأكيد على الرفض الخليجي للتطبيع، ويعزل الداعين للاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها أكثر من أي وقتٍ مضى.

 

المؤكد أنَّ الحاضر الأبرز في مونديال قطر 2022 هو القضية الفلسطينية، ويكفي أن يُذكر لهذا المونديال أنه تحول الى استفتاء شعبي على التطبيع مع إسرائيل، وانتهى برسالة موحدة مفادها أن هذا التطبيع ينحصر في الأنظمة الرسمية دون شعوبها، والمؤكد أيضاً هو أن هذه الرسالة وصلت إلى الإسرائيليين وقرؤوها جيداً، ولذلك خرجت جريدة «يديعوت أحرونوت» بصورة على صفحتها الأولى، يظهر فيها مشجعون يحملون العلم الفلسطيني، وكتبت بوضوح: «نحن محاطون بمشاعر العدائية وعدم الرغبة بوجودنا في المونديال».

والخلاصة هو أنَّ التضامن مع القضية الفلسطينية والدعاية السياسية التي حظيت بها خلال الأيام الأولى لمونديال قطر لم يكن مسبوقاً، وهو أحد إنجازات هذا المونديال على المستوى العربي، إذ أعاد المونديال قضية فلسطين الى واجهة الصدارة والاهتمام، وهو إنجاز لو أنفق العربُ عقوداً طويلة من الزمن، مع مليارات الدولارات لشركات العلاقات العامة والدعاية والإعلان، لما تمكنوا من تحقيقه. إذ في شوارع الدوحة يرى الملايينُ من مختلف شعوب الأرض أعلام فلسطين ويسمعون الأغاني الفلسطينية، وذلك إلى جانب التعريف بالثقافة العربية والإسلامية وتعاليم الدين الإسلامي، وهي حالة ربما لن تتكرر في المدى القريب والمنظور.

……….

نقلا عن "القدس العربي"