جدوى المسار الإصلاحي الذي يتبناه العلمانيون.. هل ينجح والسيسي قابض على السلطة؟!

- ‎فيتقارير

أمام تدهور الأوضاع في مصر سياسيا واقتصاديا وتفكك المجتمع وتمزقه وتفشي الجريمة على نحو واسع؛ يقف المصريون عاجزين عن تحديد المسار الناجع للخروج من هذه المشاكل والأزمات التي تسبب فيها نظام الجيش الذي اغتصب السلطة بانقلاب عسكري في يوليو 2013م. وفي ظل انهيار الأوضاع  تكاثرت المواد الإعلامية والصحفية التي تحمل شيئا من الدعاية لضرورة إصلاح النظام من الداخل والتنفير من الثورة؛ في ظل التنبؤات التي تؤكد قرب الانفجار المجتمعي بسبب الغلاء الفاحش وتدهور المعيشة على نحو بات يصعب على معظم المصريين تحمله.

يتولى الدعاية لهذا المسار (الإصلاحي) فريق من المعارضة العلمانية والذين يرون أن إصلاح الأوضاع لن يأتي إلا بالضغط من أجل تعديل قانون الانتخابات الرئاسية والنيابية عبر الحوار مع السلطة. ويأمل أنصار هذا الفريق أن يؤدي ذلك إلى فتح المجال العام أمام القوى والأحزاب السياسية المختلفة صاحبة الأيديولوجيات المتعددة، لطرح نفسها كبديل للسلطة الحالية، وإجراء “تغيير سياسي دستوري”.

مشكلة هذا الطرح أن القوى المدنية (الديمقراطية) ليست ديمقراطية من الأساس؛ وكان موقفهم من المسار الديمقراطي بعد ثورة يناير2011م مشينا إلى أقصى درجة ممكنة؛ فقد رضوا بأن يكونوا أداة في يد الدولة العميقة لعرقلة المسار الديمقراطي ونسفه من الأساس، ولم يعرف لهم موقف شريف في الدفاع عن المؤسسات المنتخبة بإرادة الشعب الحرة لا لشيء  إلا لأن هذه الديمقراطية جاءت بخصومهم من الإسلاميين؛ الأمر الذي يعني أنهم يتعاملون مع الديمقراطية بانتقائية؛ فإذا جاءت بهم فأهلا وسهلا، أما إن جاءت بخصومهم فنسفهم أفضل للبلاد! وهذا مرض عضال لا يبرأ منه صاحبه بسهولة؛ فهو شخص عنصري يشعر بالتفوق على غيره وحقه حتى دون تفويض شعبي بأن يحظى بالسلطة ولو على ظهر دبابة؛ وهو عين ما جرى بعد انقلاب 30 يونيو؛ فقد كوفئ العلمانيون بتشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوي لموقفهم المشين وانحيازهم للدكتاتورية العسكرية على حساب الديمقراطية التي جاءت بالإسلاميين.

هذا العار سوف يلاحق القوى العلمانية إلى الأبد؛ لكن أنصار هذا الفريق (المسار الإصلاحي من داخل السلطة)، يدافعون عن موقفهم بأن هذا المسار قد يجنب البلاد الدخول في دوامة الفوضى والعنف الذي قد يحدث نتيجة انفلات الأوضاع داخلياً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. هؤلاء يراهنون على اضطرار النظام إلى الاستجابة لمطالب المعارضة المتعلقة بتعديل قانون الانتخابات وخصوصاً نظام الانتخاب عبر القوائم، بما يسمح بتوسيع قاعدة المعارضة داخل مجلس النواب، الذي يعتبر حالياً الذراع التشريعية للسلطة التنفيذية ورئيسها. ويرى هؤلاء أن استمرار الضغط السياسي على النظام، من شأنه أن يؤدي إلى إصلاحات تدريجية في بنية النظام ذاته”. وبالتالي يمكن استثمار ذلك مع الوقت للوصول إلى مناخ سياسي ملائم للتغيير السلمي، الذي يجنب البلد الدخول في حالة من الفوضى تعود بالضرر على الشعب كله، ويصعب مهمة إعادة بناء الدولة.

خلاصة موقف هؤلاء هو التنفير من الثورة وبالتالي فهم يتفقون مع النظام وأجهزته الأمنية الذين لا هم لهم سوف التحذير من الثورة؛ والضغط لتغيير قوانين الانتخابات والاستعداد لانتخابات 2024م؛  وهو السيناريو الذي دعا إليه كتاب وسياسيون منذ سنة 2017م.  قبل مسرحية الرئاسة في إبريل 2018م. وحاليا بعض القوى السياسية  المنخرطة فيما يسمى بالحوار الوطني والذي يقام بشروط النظام تتبنى هذا الطرح، وهو ما يتسق مع نظرتها للأحداث بوصفها  قوى علمانية دعمت انقلاب 03 يوليو وتصفه بالثورة على الإسلاميين الإرهابيين؛ وبالتالي فهذه القوى تتحرك من داخل مظلة النظام، لا تستطيع أن  تتبنى تصورا مغايرا؛ فهي تتحرك تحت السقف الذي وضعه النظام ولا تملك الانفلات منه. ويدفع هؤلاء  على استحياء إلى الضغط على السيسي من أجل عدم الترشح في الانتخابات المقبلة، أو الدفع بمرشح قوى يمكن أن يفوز على الجنرال. فهؤلاء على كل حال يفضلون التغيير عبر الصندوق وعبر الانتخابات تحت مظلة الدستور القائم، ويحذرون من التغيير بأي وسيلة أخرى في ظل تردي الأوضاع بعد تفشي جائحة كورونا وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وأن الوضع لم يعد يحتمل تغيير بطريقة غير سلمية.

للرد على هذا الفريق، الذي يدعي أنه يؤمن بالحل الدستوري عبر صناديق الاقتراع، يمكن أن نطرح عليه بعض الأسئلة حتى تتضح المسألة ويتحرر موضع النزاع: من بيده السلطة؟ الجيش. وهل يؤمن الجيش بالتداول السلمي للسلطة؟ لا. فالجيش ينظر إلى مصر بوصفها إقطاعية عسكرية.

هل المجتمع الدولي لديه مشكلة في غياب الديمقراطية في مصر وسيطرة الجيش؟ لا. بل يرون الجيش حليفا استراتيجيا للسيطرة على مصر والمنطقة. وهل الداعون لانتخابات رئاسية مبكرة أو في موعدها (القوى المدنية الديمقراطية العلمانية) يؤمنون أصلا بالتداول السلمي للسلطة؟ الإجابة بالطبع (لا)؛ لأنهم دعموا انقلابا عسكريا دمويا لمجرد رفضهم لنتائج الديمقراطية التي يتمسحون بها.

حأح

هل يمكن أن تفضي أي انتخابات إلى الإطاحة بنظام جاء بانقلاب عسكري؟! سيقولون: من قال إن 30 يونيو انقلاب عسكري، بل هي ثورة شعبية أطاحت بنظام الإخوان. وهل أطاحت 30يونيو بالرئيس والحكومة المنتخبة أم بيان 3 يوليو العسكري؟ قد يردون: إن بيان السيسي في 03 يوليو هو ترجمة لمطالب الشعب في 30 يونيو. وهل من صلاحية وزير الدفاع والجيش الإطاحة بالحكومة المنتخبة؟ وهل تقبلون بذلك في مستقبل البلاد وأن من حق الجيش الإطاحة بأي رئيس أو حكومة منتخبة؟! هنا سوف يتوقفون كثيرا قبل الإجابة؛ لأن التجربة برهنت على أن تدخل الجيش في السياسة هو أكبر خطيئة يمكن أن تحدث لأي دولة.

والأهم، ألا تمثل تجربة مسرحيتي 2014 و2018 على أن أي انتخابات في ظل حكم عسكري قمعي هي إجراء شكلي لا يفضي مطلقا إلى تغيير حقيقي؟ وهل يمكن أن يقبل نظام السيسي بإجراء انتخابات حرة نزيهة؟ وهل يمكن أن يسمح من الأساس بمنافس قوي وقد رأينا جميعا مهزلة 2018 عندما تم اعتقال الفريق سامي عنان وأحمد قنصوة لأنهما تجرآ وأعلنا الترشح ضد السيسي، وكيف وضع أحمد شفيق رهن الإقامة الجبرية، وكيف جيء بأراجوز؛ ليقوم بدور المنافس للسيسي في مسرحية هزلية كشفت عن حجم البؤس والانحطاط في مصر؟!

الإجابة على هذه الأسئلة قد تبرهن على أن مسار الداعين إلى انتخابات رئاسية مبكرة أو في موعدها هو مسار عبثي ما بقي السيسي على رأس السلطة، وبالتالي فالتداول السلمي للسلطة هي مجرد أوهام لا محل لها من الإعراب إلا في خيالات القوى المدنية العلمانية رغم أن هذه القوى نفسها هي من أعلنت المقاطعة في مسرحية 2018 ووصفتها بالشكلية؛ فلماذا يظنون أن المسرحية المقبلة قد تكون جادة في ظل هيمنة أجهزة السيسي الأمنية على المشهد من الألف إلى الياء؟!

من المؤسف أن السيسي لم يترك خيارا سوى الثورة الشعبية أو الانقلاب العسكري وكلاهما خطر ولكن ألا يمثل بقاء النظام خطرا داهما على الأمن القومي للبلاد؟ لذلك كل الخيارات  بالغة الخطورة وقد يكون استمرار السيسي هو الخيار الأكثر خطورة على الإطلاق، يتعين البدء من جديد بإقامة العدل لأن مصر من كثرة الظلم أصيبت بلعنة لن تنتهي إلا بوقف الظلم واسترضاء المضطهدين وترك الحرية للشعب يختار حكومته بإرادته الحرة دون وصاية أو تزوير.