المصريون يترقبون ما بعد قرار زيادة الأجور للموظفين

- ‎فيمقالات

في نهاية نيسان/ أبريل 2008، أعلن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، عن زيادة أجور العاملين في الدولة بنسبة 30 في المائة، وصرف حافز إثابة للعاملين في الإدارة المحلية بنسبة 50 في المائة وزيادة المعاشات بنسبة 20 في المائة، للتعويض عن زيادة الأسعار حينذاك وخاصة أسعار المواد الغذائية، وذلك قبل أربعة أيام من موعد إضراب عام أعلنت عنه القوى السياسية في الرابع من أيار/ مايو.

وهللت وسائل الإعلام لنسبة الزيادة غير المسبوقة في المرتبات، والتي كانت قبل ذلك تتراوح بين 10 و15 في المائة، وبتبكير صرف الزيادة في شهر أيار/ مايو أي قبل شهرين من بداية العام المالي، الذي جرى العرف أن تبدأ معه علاوات زيادات الأجور السنوية.

وفي اليوم الخامس من أيار/ مايو صدر القانون 114 لسنة 2008 متضمنا تلك الزيادات في الأجور والمعاشات، التي تتكلف 26 مليار جنيه. وتضمّن نفس القانون بنود تمويل تلك المصروفات ما بين ضرائب ورسوم وإلغاء إعفاءات ضريبية بقيمة 21.8 مليار جنيه، إلى جانب إصدار أذون وسندات خزانة حكومية بقيمة 4.2 مليار جنيه.

وتضمنت بنود إيرادات تعويض زيادات الأجور، زيادة بأسعار أنواع البنزين الأربعة حينذاك والكيروسين والسولار، وزيادة أسعار السجائر، وفرض رسوم على رخص السيارات ورخص قيادة السيارات ووسائل النقل حتى الموتوسيكلات، وفرض رسم على طفلة مصانع الأسمنت، وإلغاء الإعفاء الضريبي للمشروعات التعليمية الحكومية، ووقف مزايا العمل بنظام المناطق الحرة لعدد من الصناعات.

وتسببت تلك الإجراءات في موجة من الارتفاعات السعرية، جعلت الكثيرين يتمنون لو ألغى مبارك الزيادات في الأجور والمعاشات، وأعاد الأسعار إلى ما كانت عليه قبل إقرار تلك الزيادات.

نتوقع إجراء مشابه من قبل النظام المصري بإجراءات جباية، لتدبير نفقات زيادات الأجور التي أعلن عنها الجنرال مؤخرا، والتي ذكرت وزارة المالية أنها ستتكلف حوالي 150 مليار جنيه، حيث أنه قد سبقت زيادة الأجور والمعاشات في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بقيمة 300 جنيه شهريا بتكلفة 67 مليار جنيه

ومن هنا نتوقع إجراء مشابه من قبل النظام المصري بإجراءات جباية، لتدبير نفقات زيادات الأجور التي أعلن عنها الجنرال مؤخرا، والتي ذكرت وزارة المالية أنها ستتكلف حوالي 150 مليار جنيه، حيث أنه قد سبقت زيادة الأجور والمعاشات في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بقيمة 300 جنيه شهريا بتكلفة 67 مليار جنيه، وقال وزير المالية حينها إنه تم تدبيرها من الاحتياطي الموجود في موازنة العام المالي الحالي (2022-2023) الممتد من تموز/ يوليو الماضي وحتى نهاية حزيران/ يونيو القادم. ويبلغ هذا الاحتياطي 150 مليار جنيه، الذي ذكر الوزير أنه تم منه أيضا تدبير زيادة سعر توريد القمح إلى الحكومة.

وهذا الاحتياطي في الموازنة موزع على أبواب مصروفات الموازنة، ويبلغ نصيب الأجور منه 38 مليار جنيه فقط، وهو ما يأتي بالمرتبة الثالثة بعد الاحتياطيات المخصصة لكل من شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية والدعم، كما زادت مخصصات الدعم للبطاقات التموينية في تشرين الثاني/ نوفمبر لمدة ستة أشهر.

وهكذا فإن مخصصات الاحتياطيات في الموازنة لن تكفي لتغطية نفقات زيادات الأجور والمعاشات الجديدة، خاصة مع إعلان وزارة المالية بلوغ العجز الكلي في النصف الأول من موازنة العام المالي الحالي 367 مليار جنيه، بنسبة زيادة 32 في المائة عن تقديرات العجز لتلك الفترة عند إعلان الموازنة، وزيادة نسبة العجز إلى الناتج إلى 4 في المائة مقابل 3.6 في المائة بالفترة المقارنة، بينما يتطلب الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي ضبط الإنفاق الحكومي وتحسين مؤشرات الدين.

ويظل السؤال: متى ستعلن الحكومة عن إجراءاتها لتعويض نفقات زيادة الأجور والمعاشات؟ وهل ستنتظر حتى يمر شهر رمضان ويستمتع العاملون وأصحاب المعاشات خلاله بالزيادة، أما أنها ستعلن عنها قبل رمضان وقبيل قدوم بعثة صندوق النقد الدولي منتصف الشهر، لإعداد تقرير عن مدى التزام مصر ببنود الاتفاق لمنحها القسط الثاني من القرض البالغ أقصاه 375 مليون دولار؟
 

متى ستعلن الحكومة عن إجراءاتها لتعويض نفقات زيادة الأجور والمعاشات؟ وهل ستنتظر حتى يمر شهر رمضان ويستمتع العاملون وأصحاب المعاشات خلاله بالزيادة، أما أنها ستعلن عنها قبل رمضان وقبيل قدوم بعثة صندوق النقد الدولي منتصف الشهر، لإعداد تقرير عن مدى التزام مصر ببنود الاتفاق لمنحها القسط الثاني من القرض البالغ أقصاه 375 مليون دولار؟

وربما يقول البعض: وهل يستحق قسط أقصاه 375 مليون دولار أن يزيد النظام الحاكم من السخط الشعبي تجاهه، بالإعلان عن إجراءات جباية قبل صرف الموظفين للزيادات مثلما فعل مبارك؟ والرد أنه تردد أن الموافقة على صرف قرض آخر من صندوق الصلابة التابع لصندوق النقد الدولي مرتبط بنتائج تقرير بعثة خبراء الصندوق القادمة.

مزيد من ارتفاع التضخم بالشهور المُقبلة

وهذا إلى جانب شعور الكثيرين أن النظام الحاكم لا يُقدم على إجراء لتحسين أحوال المواطنين دون أن يكون وراءه هدف آخر، ويدللون على ذلك بزيادة أجور العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات بنحو 300 جنيه، بداية من الشهر السابق على الاتفاق مع صندوق النقد على القرض الجديد، وما ترتب عليه من خفض آخر لسعر الصرف وزيادات أخرى بالأسعار.

الأمر الثاني هو أن زيادات في الأجور في الحالة المصرية تعقبها زيادات بمستوى التضخم، ففي آذار/ مارس 2008 كان معدل التضخم الرسمي -الذي لا يلقى قبولا لدى العامة- 15.8 في المائة، لكنه زاد خلال الشهور التالية لصرف زيادات الأجور والمعاشات حتى وصل إلى 25.6 في المائة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008.

وهو ما حدث أيضا في العام الماضي حين كان معدل التضخم الرسمى في تشرين الأول/ أكتوبر 16.3 في المائة، لكنه زاد في الشهور التالية لصرف الموظفين وأصحاب المعاشات للزيادة الحكومية، حتى بلغ 26.5 في المائة في كانون الثاني/ يناير الماضي. وتصدر بيانات شباط/ فبراير الماضي في اليوم العاشر من الشهر الحالي.

ويرتبط بذلك أن زيادات الأجور للعاملين في الدولة تتعلق بنحو أقل من 5.6 مليون شخص، من بين 28 مليون شخص يمثلون عدد المشتغلين، أي أن القطاع الخاص يمثل الجانب الأكبر من العمالة في البلاد. وداخل القطاع الخاص يمثل القطاع الخاص المنظم الجزء الأصغر، بالمقارنة بالعمالة في القطاع غير المنظم الأكبر عددا، الذي يمثل القطاع غير الرسمي، أي غير المُسجل بالسجلات الحكومية، ولا يرتبط العمل في معظمه بعقود عمل أو تأمينات اجتماعية، وبالتالي فهو غير مُجبر على زيادة أجور العاملين به.

الاستمرار بزيادة أسعار المشتقات محليا
 

إن المزارعين وأصحاب الحِرف ومقدمي الخدمات في القطاع غير الرسمي سيقومون بزيادة أسعار خدماتهم، من أجل الحصول على نفس سلة السلع التي كانوا يستهلكونها قبل زيادات الأسعار، والتي سيستمر ارتفاعها مع الخفض المتوقع لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وما يليها من زيادة لتكلفة السلع المستوردة ومنها الخامات والمستلزمات الصناعية

ومن هنا فإن المزارعين وأصحاب الحِرف ومقدمي الخدمات في القطاع غير الرسمي سيقومون بزيادة أسعار خدماتهم، من أجل الحصول على نفس سلة السلع التي كانوا يستهلكونها قبل زيادات الأسعار، والتي سيستمر ارتفاعها مع الخفض المتوقع لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وما يليها من زيادة لتكلفة السلع المستوردة ومنها الخامات والمستلزمات الصناعية.

كما يرتبط بذلك ما أعلنته وزارة الكهرباء عن زيادات في أسعار الكهرباء للاستخدامات المنزلية مع بداية شهر تموز/ يوليو المقبل، وما أعلنه وزير النقل عن زيادة بأسعار مترو الأنفاق في تشرين الأول/ أكتوبر، وتوقعات زيادات أسعار القطارات، وما ذكره صندوق النقد الدولي من إدخال البتوجاز ضمن نشاط لجنة التسعير التلقائي التي تجتمع دوريا لتحديد أسعار المشتقات البترولية، وهي اللجنة التي ستجتمع مع بداية الشهر القادم لتحديد أسعار المشتقات للربع الثاني من العام الحالي.

وحتى إذا تأجل اجتماعها لما بعد شهر رمضان فإن التوقعات تشير إلى استمرارها في رفع الأسعار، في ضوء زيادتها لأسعار البنزين والغاز الطبيعي والمازوت مؤخرا، رغم الاتجاه الهبوطي لكل من أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالمية خلال الشهور الأخيرة، بحجة تدهور سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وهو المبرر المتوقع استمراره خلال الشهور المقبلة، في ضوء توقع الكثير من الخبراء خفضا جديدا ملموسا في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.

………

نقلا عن "عربي 21"