بعد قرض الـ”7″ مليارات دولار.. (5) ملاحظات على الهامش

- ‎فيتقارير

مع إعلان البنك الدولي الاتفاق مع نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الأربعاء 22 مارس 2023م عن موافقته على شراكة جديدة  خلال السنوات المالية 2023-2027، ليحصل النظام في مصر على تمويل بقيمة سبعة مليارات دولار، تثور كثير من التساؤلات حول أسباب توسع نظام السيسي العسكري في الاقتراض الخارجي، وما الهدف من وراء ذلك؟ وهل يستهدف فقط تسيير دولاب الدولة وتوفير السلع الأساسية أم يستهدف تمويل مشروعاته العبثية في العاصمة الجديدة والعلمين وغيرها من المدن التي أنشأها خصيصا للأثرياء؟!

الملاحظة الأولى أننا لا ندرى على وجه الدقة كم يبلغ الدين الخارجي لمصر؛ لأن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي لا يعلن عن ذلك بشفافية ووضوح؛ فهو حريص كل الحرص على أن تبقى حقيقة تدهور الأوضاع سرية حتى لا يؤدي ذلك إلى فوضى اجتماعية؛ والبيانات التي يصدرها  البنك المركزي أو الحكومة حول حجم الديون تستبعد غالبا كثيرا من الديون التي اقترضها الشركات المصرية الحكومية؛ معنى ذلك أن الديون المصرية تفوق الأرقام الرسمية المعلنة. فآخر بيانات البنك المركزي كانت في سبتمبر 2022م حيث كشف أن حجم الديون الخارجية لمصر بلغ (157.8 مليار دولار).

الملاحظة الثانية، وهي مهمة حقا أن الدين الخارجي لمصر سجل في نهاية العام المالي الماضي (يونيو 2022) 155.7 مليار دولار، بارتفاع قدره 20 مليار دولار تقريبًا عن العام المالي السابق المنتهي في يونيو 2021.  معنى ذلك أن السيسي اقترض في العام المالي الماضي وحده (2021/2022)  عشرين مليار دولار جملة واحدة؛ فماذا فعل بكل هذه الأموال الضخمة؟ وأين ذهبت؟ ولماذا يزداد الشعب فقرا كلما ارتفعت ديون السيسي؟ ولماذا لم يستفد الشعب مطلقا بكل هذه الأموال الضخمة والهائلة التي دخلت البلاد عقب انقلاب 03 يوليو 2013م؟  فالمنطقي أن يستفيد الشعب من هذه الأموال التي دخلت البلاد، لكن ما جرى عكس ذلك تماما؛ فقد ازداد الشعب  فقرا وجوعا  رغم كمية الأموال الهائلة التي تدخل البلاد!  وهي معادلة غريبة وشاذة تحتاج إلى تفسير.

الملاحظة الثالثة  وهي الأكثر خطورة أن مثل هذه الاتفاقات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تسهم في ربط القرار الاقتصادي المصري بالخارج، حتى بات الصندوق يشرف بشكل مباشر على الموازنة العامة المصرية والإنفاق الحكومي ولا يتم اعتماد الموازنة إلا بضوء أخضر من مقر الصندوق في واشنطن». ومنذ سنوات سُئل مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، عن سر نهضة بلاده على يديه، فقال: "خالفت توصيات صندوق النقد الدولي، وفعلت عكس ما طلبه من إجراءات". بل إن الخبير الألماني أرنست فولف، أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا، وصف في كتابه "صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية" تدخلات الصندوق في الدول المتعثرة بأنها "تبدو في الواقع أشبه ما تكون بغزوات جيوش متحاربة، ففي كل تدخلاته ينتهك سيادة الدول، ويجبرها على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى للمواطنين، وتخلف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي. وفي كل هذه التدخلات لم يستخدم الصندوق أسلحة أو جنوداً، بل كان يستعين بوسيلة غاية في البساطة، وبواحدة من آليات النظام الرأسمالي، أعني عملية التمويل".

الملاحظة الرابعة، وهي عجيبة وملفتة أن مصر تزداد فقرا  وجوعا والنخبة الحاكمة والمقربون منها  من الجنرالات والوزراء والمحافظين والمسئولين يزدادون غنى وثراء، بمعنى أن مصر تفتقر وهم يكنزون الأموال ويملكون الفلل والقصور الشاهقة والأراضي الواسعة والشركات العملاقة والأرصدة المهولة في  البنوك المحلية والأجنبية، فهل يسطو هؤلاء على أموال هذه القروض الضخمة والهائلة بطرق معظمها غير مشروع؟!

الملاحظة الخامسة، هي أن مثل  هذه القروض الخارجية تبرهن بشكل واضح أن البرنامج الاقتصادي قد فشل فشلا ذريعا ولم يعد له وجود من الأساس؛ فلماذا لم تنعكس المشروعات القومية العملاقة كما يردد إعلام السلطة على جموع المصريين؟ ظلوا يكذبون على الناس  ووعد السيسي في 2014 بأن تكون سنة 2016 هي سنة الرخاء والرفاهية، فكانت أبشع كابوس في تاريخ المصريين حيث اتفق الجنرال مع صندوق النقد الدولي وتم تحرير سعر صرف الجنيه فانخفضت قيمته إلى النصف وخسر المصريون  نصف أجورهم ومرتباتهم ومدخراتهم جملة واحدة بين عشية وضحاها. وجدد السيسي وعده بأن تكون سنة 2018 هي العام الذي سيخرج فيه المصريون من عنق الزجاجة وأن الاتفاق مع صندوق النقد سوف يضخ الاستثمارات ويزيد التصدير ويرفع مستويات المعيشة، فمضت والأوضاع زادت بؤسا وشقاء!  فخرج الجنرال مشددا على أن يونيو 2020 هي سنة الرخاء والانتقال إلى الجمهورية الجديدة، فاكتشف المصريون أنها خدعة جديدة وأكذوبة أخرى، لم يف السيسي بوعد وعده  أبدا؛ فهي تماما كوعود الشيطان يحسبها الجاهلون ماء فإذا ما حانت ميعادها وجدوها سرابا بقيعة. فلماذا يقتدي السيسي بالشيطان الذي يخذل أنصاره وقت العسر والشدة (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم)؟

الخلاصة أن مصر تقف اليوم على أعتاب مرحلة فاصلة في تاريخها، فالسيسي قد أغرق البلاد بظلمه وطغيانه وسفك دماء الصالحين واعتقل أخيار الأمة في سجونه بتهم يجب أن يحاكم هو وزبانيته بها دونهم، فهو اختطف  قطار الوطن من مساره الصحيح (الحرية والديمقراطية وحكم الشعب) بعد ثورة يناير إلى مسار انقلابي (نسخة متطرفة من الحكم العسكري) هو أكبر خطر على الأمن القومي لمصر وشعبها وحضارتها، وهو من مزق النسيج الاجتماعي للبلاد واتخذ من نصف الشعب عدوا يسومهم سوء العذاب لأنهم فقط أرادوا أن يعيشوا أحرارا  في وطنهم ينعمون ككل شعوب الأرض بالحرية والعدل والمساواة تحت راية الإسلام العظيم.