«20 سنة»  على سقوط بغداد.. دمرها الاستبداد وغزاها الصليبيون ومزقها الفرس

- ‎فيتقارير

سقطت بغداد على مر التاريخ مرتين: الأولى في يوم الأحد 10 فبراير1258م، على يد الغزاة التتار بقيادة هولاكو حفيد السفاح المغولي جنكيزخان مؤسس دولة المغول. الثانية، في 09 إبريل 2003م؛ حين غزا الأمريكان والإنجليز العاصمة العراقية بغداد بدعوى تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، وهو الأمر الذي ثبت أنه  كان مجرد ذريعة لغزو العراق وتدميرها.

تبدأ القصة من المرحلة التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001، التي شنها  «تنظيم القاعدة» على مركز التجارة العالمى في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» في واشنطن، بدأت إدارة الرئيس الأمريكى وقتها جورج بوش الابن في وضع خطط لغزو العراق وإسقاط حكم الرئيس صدام حسين. وزعم بوش أن صدام كان يواصل تخزين وتصنيع أسلحة الدمار الشامل، وأن العراق جزء من «محور الشر» الدولى، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية. وفى أكتوبر من العام التالى، وافق الكونجرس الأمريكى على استخدام القوة العسكرية ضد العراق، وتبع ذلك تحرك دبلوماسى لواشنطن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفى فبراير 2003 طلب وزير الخارجية الأمريكى وقتها، كولين باول، من المجلس إعطاء الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكرى ضد العراق.

 

أكذوبة أسلحة الدمار الشامل

وفي ملف لشبكة بي بي سي البريطانية بعنوان (الصدمة والحرب: 20 عاما على العراق) تنتهي الشبكة إلى التأكيد على أن الحديث عن أسلحة دمار شامل عراقية كانت مجرد شائعة اختقلتها الولايات المتحدة وبريطانيا لكي تستند عليها في  غزو العراق وإضفاء شرعية على هذه الحرب. وينقل التقرير عن سير ديفيد أوماند، منسق الشؤون الأمنية والاستخبارية بالمملكة المتحدة آنذاك، قوله: "كان إخفاقا كبيرا"، مضيفا أن التحيز التأكيدي أدى إلى تركيز خبراء الحكومة على معلومات مبتسرة دعمت فكرة امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل وإهمال أية معلومات أخرى لا تساند تلك الفكرة. البعض من داخل «إم آي 6» ــ جهاز المخابرات البريطانية ــ يشيرون إلى أنهم هم أيضا كان لديهم شكوك. يقول ضابط بالجهاز عمل على ملف العراق وطلب عدم الكشف عن هويته: "شعرت آنذاك بأن ما نفعله كان خطأ". ويضيف الضابط السابق، متحدثا عن فترة بداية عام 2002: "لم يكن هناك معلومات استخبارية أو تقييمات جديدة أو موثوق بها تشير إلى أن العراق أعاد البدء في برامجه لأسلحة الدمار الشامل، وأنها كانت تشكل تهديدا وشيكا..أظن أنه من وجهة نظر الحكومة، كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعثروا عليه..أسلحة الدمار الشامل كانت الشماعة الوحيدة التي يمكنهم تعليق شرعية [الغزو] عليها".

 

الاستبداد في قفص الاتهام

بدأ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في 19 مارس 2003م  بذريعة امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، رفضتها معظم الدول، واحتج مئات الآلاف من الأشخاص في شتى أنحاء العالم، لكن ذلك لم يمنع مليشيا (بوش ــ بلير)، مدعومة  بـ «295 ألف» مرتزق عن دخول العاصمة العراقية، في الثالث من إبريل، وفى التاسع من الشهر نفسه سقطت بغداد بأكملها في يد مليشيات الاحتلال، بالرغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.

اليوم باتت العراق التي تمتلك خامس أكبر احتياطي من النفط في العالم تعاني من التفكك الضياع، والمتهم الأول في هذه الكارثة ليس الصليبيين من  الإنجليز والأمريكان ولا الفرس في إيران الراغبين في نشر عقيدتهم (الشيعة الإثنا عشرية)، لكنه نظام الطاغية صدام حسين الذي حكم بلاد الرافدين بالحديد والنار على مدار نحو 24 سنة (1979 ـ 2003م). مما يروى عن فظائع صدام أنه كان يتفقد مدرسة في يوم من الأيام  فسأل تلميذا صغيرا: هل تعرفني؟ فرد الطفل: نعم. أشاهدك كل يوم في التلفاز إلى جانب أبي. فسأله صدام بخبث: وماذا يفعل ابوك عندما يراني؟ رد الطفل في براءة: يفعل هكذا (بصق الطفل)؛ فتم اعتقال الآب خلال ساعات ولم يعرف له بعد ذلك مكان!!

استبداد صدام وطغيانه كان أعظم تمهيد للغزاة الصليبيين لاحتلال العراق وتدميرها على النحو الذي جرى؛ ولو أقام صدام نظام شرعيا إسلاميا قائما على الشورى والعدل وإرادة الناس الحرة وفق مبادئ الشورى الإسلامية لما تمكن الصليبيون من غزوها على الإطلاق. لكنها أشاع الظلم والطغيان ودمر معنى وقيمة الولاء والانتماء للوطن وجعل على رأس مناصب الدولة وسلطتها حفنة من الأفاقين الذين يسبحون بحمده ليل نهار؛ فجرت عليه وعلى بلاده وشعبه سنة الله. وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية (إن الله ليقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة). فتلك سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير.

وعلى مدى السنوات الـ20 الماضية عقب الغزو الأميركي في عام 2003، شهد العراق ولادة عشرات المليشيات والجماعات المسلحة، التي وسّعت، خلال السنوات الثماني الماضية الأخيرة، من نفوذها في المشهد الأمني والسياسي، وحتى الاجتماعي والاقتصادي أخيراً في عموم مدن العراق. ظهرت المليشيات مع الغزو الأميركي للعراق، وشكّلت عنصراً فتاكاً في العبث الأمني، وساهمت في إذكاء الطائفية والقتل على الهوية. هذه المليشيات التي كانت معدودة بدايةً، سرعان ما تكاثرت مع بروز تطلعات لدى بعض الشخصيات السياسية للحصول على مزيد من المكاسب والتوغل في العمل السياسي مصحوباً بالدعم الإيراني لتأسيس الجماعات المسلحة. كل ذلك أدى إلى ولادة عشرات المليشيات، لا سيما بعد عام 2014، إبان اقتحام تنظيم "داعش" الحدود العراقية واحتلاله أجزاء واسعة من البلاد. وعلى الرغم من وجود نحو مليون عنصر أمني وعسكري في العراق موزعين على قوات الجيش العراقي بنحو 600 ألف عنصر ضمن ملاك وزارة الدفاع، ومديريات الشرطة المحلية وقوات الشرطة الاتحادية والأمن الوطني وجهاز المخابرات، ووحدات التدخل السريع، ووحدات "سوات" (القوات الخاصة)، إلا أن ثمة 71 مليشيا رئيسية تنشط في العراق، ويبلغ مجموع عناصرها أكثر من 135 ألف عنصر مسلح ينتشرون على طول خريطة بلاد الرافدين، وتمارس نشاطات أمنية وأخرى اقتصادية وسياسية، معظمها موالية لإيران؛ حتى باتت دولة موازية داخل  الدولة تخترقها وتتحداها؛ وهذا وحده كفيل بمزيد من التفكك والتمزق. لعن الله الظلم والطغيان فإنه أكبر تهديد للأمن القومي للبلاد والشعوب العربية والإسلامية وغيرها.