إيران تلوّح بالحرب أمام أفغانستان بسبب نهر هيرمند.. لماذا لم يفعلها السيسي أمام أثيويبا ؟

- ‎فيتقارير

ينتهج الطبيب الفيلسوف القائد المغوار عبد الفتاح السيسي سياسة الطبطبة والتغافل مع كل طرف يسرق ثروات المصريين، فما لا يستطيع بيعه يترك الآخرين يسرقونه مقابل دعمهم له بالجلوس للأبد على عرش مصر، أو ما تبقى منها.

حدث ذلك مع إسرائيل وسرقة آبار الغاز والبترول المصري، وحدث مع اليونان وقبرص في ترسيم الحدود البحرية، وحدث مع السعودية في بيع جزيرتي تيران وصنافير، وحدث مع الإمارات في بيع مناطق مأهولة كاملة لها مثل الوراق وجزر النيل، وحدث مع إثيوبيا، حينما منحها تنازل بخط يده في العام 2015 للتصرف كما تشاء في نهر النيل.

 

الأمر يختلف

ومن مهزلة السيسي مع أثيوبيا، إلى ما يجري على الحدود بين إيران وأفغانستان، حيث مازالت أزمة الخلاف بين إيران وأفغانستان حول مياه نهر هيرمند تتصاعد، وذلك منذ أن وجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تحذيرا شديد اللهجة لحكومة طالبان، قال فيه: "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجد حتى لا تندموا".

وتتهم الحكومة الإيرانية حركة طالبان بتخزين مياه نهر هيلمند الذي ينبع من أفغانستان ويصب في بحيرة هامون في إيران  خلف سد كمال خان، وتحويل المجرى الطبيعي للنهر، وعدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين البلدين حول الحصص المائية للطرفين.

 

وعلى الجانب الآخر، ردت طالبان رسميا من خلال بيان لرئيس الوزراء، قال فيه إن "إمارة أفغانستان الإسلامية تتعهد مجددا بأنها ستبذل قصارى جهدها لوصول كمية المياه المتعهد بها للشعب الإيراني، آخذة بالاعتبار اتفاقية نهر هيرمند".

ولكن ما أثار غضب الرأي العام الإيراني هو حملة السخرية الواسعة من تصريحات الرئيس الإيراني، حتى إن أحد قادة طالبان ظهر في مقطع فيديو وهو يملأ برميلا من حوض ماء، ويقول: "خذ هذا البرميل ولا تهاجمنا، نحن خائفون من تهديدك".

وأفادت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية في 27 مايو2023 بمقتل جنديين إثر إطلاق قوات حركة طالبان الأفغانية النار صوب مخفر ساسولي الحدودي بين البلدين.

فيما قال عبد النافع تاكور، المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة طالبان، في بيان: "أطلقت قوات الحدود الإيرانية النار اليوم في إقليم نيمروز باتجاه أفغانستان، ما قوبل برد فعل مضاد".

وقد نشر موقع "فرارو" الإيراني تقريرا حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى توتر العلاقات بين إيران وأفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى كابل في عام 2021.

 

المواجهة

يقول الموقع: إنه "عندما ملأت مقاطع الفيديو الخاصة بدخول قوات طالبان كابل، في 15 أغسطس 2021، الفضاء الافتراضي ووسائل الإعلام، تحدث البعض عن تغيير في طبيعة هذه المجموعة، وجزموا بأن طالبان لم تعد طالبان السابقة، وإنها تعلمت من الماضي، ويمكن التعامل مع الإمارة الإسلامية الجديدة بشكل بناء".

وكان حديث التلفزة الإيرانية عن عودة طالبان إلى كابل بلغة داعمة أمرا لا يصدق من جانب البعض، ويفسر الموقع هذه اللغة الداعمة بأن بعض المراقبين والمسؤولين في وزارة الخارجية كانوا سعداء للغاية بهزيمة أميركا في أفغانستان، لدرجة أنهم نسوا من هي طالبان؟ وما تطلعات إمارتها الإسلامية؟

وطالب معظم المراقبين السياسيين الإيرانيين بعد الانسحاب الأميركي بتشكيل حكومة ائتلافية تتكون من كل المجموعات العرقية والأقليات، كسيناريو مناسب لمستقبل أفغانستان.

كما أكد حسن كاظمي قمي، سفير إيران في كابل، مرات عديدة على دعم إقامة حكومة تتسع لجميع المجموعات العرقية المختلفة، لكن كان من الواضح أن طالبان كان لديها خطة تختلف عن خطة طهران تماما.

لم يكن سرا أن النظام السياسي المثالي بالنسبة لطالبان هو إعادة تأسيس الإمارة الإسلامية، وهو النظام الذي يُعد الحد الأدنى من الديمقراطية فيه حلما بعيد المنال.

لقد قالت طالبان بوضوح "لا" للحكومة الائتلافية، وتقاسمت كعكة السلطة منذ البداية، واستمر دعم طائفة البشتون وقمع الهزارة الناطقين بالفارسية في أفغانستان في العامين الأخيرين.

كما وقعت اشتباكات حدودية بين الحين والآخر بين طالبان وحرس الحدود الإيراني في عدة مناسبات، وفي بعض الحالات، أرسلت طالبان عناصر من الخبراء بالتقنيات العسكرية إلى الداخل الإيراني، لكن يبدو أن أيا من هذه الحالات لم يكن كافيا لإدراك عمق مشكلة طالبان في المستقبل.

ويرى الموقع أن أجراس الإنذار قد قرعت علنا بعد امتناع طالبان عن إطلاق حصة إيران من المياه، وما أقدمت عليه هذه الحركة من تحويل مسار النهر وإنشاء العديد من السدود.

 

وحول جدوى التعامل الدبلوماسي مع الأزمة، يقول الموقع إن "إيران أبدت احتجاجها، وحذرت من حرمانها من حقها، ولكن أفراد الإمارة الإسلامية ردوا بالإهانة والتهديد".

وينقل الموقع تغريدة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، قال فيها: "في الأشهر الأخيرة، طلبت مرارا وتكرارا من القائم بأعمال وزير خارجية أفغانستان، الملا متقي، الوفاء بالتزاماته وفقا لاتفاقية هيرمند، وإتاحة الفرصة للوفود الفنية لزيارة أفغانستان وقياس كمية الماء، ولكنهم لم يفعلوا، محافظة سيستان تعاني من الجفاف، معيار وجود المياه أو نقصانها هو زيارة الوفود الفنية وليس البيانات السياسية".

ثم يذكر مثالا لرد قادة طالبان الساخر من مواقف الإيرانيين، فينقل تغريدة لقاضي عبيد، وهو دبلوماسي طالباني، رد فيها على وزير الخارجية الإيراني بقوله: "اكتب الاسم على هذا النحو: معالي الحاج المولوي أمير خان متقي، وزير الخارجية".

كما يشير إلى ما وصفه بتغريدة "تهديدية" نشرها عبدالحميد خراساني، القيادي الطالباني ذو الأصول الطاجيكية، حيث هدد إيران بالخطوة العسكرية، من خلال حديثه عن التعطش إلى الحرب.

 

خلفية مهمة

في كل مرة كانت إثيوبيا تملأ سد النهضة، كان السيسي يحذر ويطلق عبارات تهديدات ضمنية و"خط أحمر" لكن بلا جدوى، ليعود لتكرار نفس التهديدات في الملء التالي دون أي فعل حقيقي يمنع احتجاجز إثيوبيا مياها عن مصر.

ففي 30 مارس 2021، حذر السيسي من المساس بحق مصر في مياه النيل، وقال إنها "خط أحمر"، قائلا إن "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب"، لكنه لم يفعل شيئا ما أثار سخرية نشطاء.

وقال الباحث والأكاديمي المصري، عصام عبد الشافي، إنه "ليس أمام بلادنا سوى الحل العسكري، يستهدف السدود التي تحتجز المياه التي تصل إلى مصر أنشأتها هذه الدول، أو القيام بعملية عسكرية محدودة لإثبات قدراتها الردعية حيال التهديدات، وخاصة تجاه إثيوبيا".

إلا أنه أوضح في مقال نشره في 7 مارس 2023 أن "هذا الاحتمال غير وارد على الإطلاق، في ظل طبيعة توجهات السياسة الخارجية المصرية في المرحلة الراهنة".

ورأى عبد الشافي، أن "مصر تعاني حالة عدم استقرار اقتصادي كبيرة، كما أن خيار الحرب لا يرتبط فقط بتوازنات القوى العسكرية، ولكنه يرتبط بأنماط التفاعلات الإقليمية والدولية والتحالفات القائمة، وموقع النظام المصري من هذه التحالفات".

ولأن هناك حاليا تحالف إستراتيجيا بين كل من إثيوبيا والولايات المتحدة وإسرائيل، والأخيرتان حليفان إستراتيجيان للنظام في مصر، فلهما من أوراق الضغط الكثير لضبط حركة مصر الخارجية، وفق قوله.

علما أن سعة السد 74 مليارا، ويقترب ملؤه الرابع من نصف السد تقريبا، ما يعني إجهاض أي قدرة عسكرية مصرية للقيام بأي عمل عسكري ضد السد، وإلا أغرقت مياهه المتدفقة المخزنة وراء السد مدنا سودانية.

وقدم فريق من علماء البيئة اقتراحا لإنهاء النزاع بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة، عبر دراسة نشرت بموقع "نيتشر" البريطاني في 3 فبراير 2023.

لكن الدراسة التي دعت إلى "تقاسم المنافع" بين الدول الثلاث، طرحت الفكرة التي تطلبها القاهرة عبر اتفاق ملزم لإثيوبيا، وهي أنه عندما يكون هناك جفاف تزيد إثيوبيا تدفق المياه إلى مصر، وهو ما ترفضه أديس أبابا.