بعد مقتل “3”  صهاينة.. قراءة في انعكاسات حادث العوجة الحدودي مع الاحتلال

- ‎فيتقارير

قبل 56 سنة، وفي 5 يونيو1967م،  كان الطيران الإسرائيلي يدمر المطارات المصرية والطائرات لا تزال رابضة على الأرض لم تتحرك، وترك مئات الآلاف من جنونا في صحراء سيناء فريسة سهلة لطيران الاحتلال؛ فقضى عشرات الآلاف نحبهم في هزيمة لا مثيل لها في تاريخ العسكرية المصرية كان بطلها وزعيمها الطاغية جمال عبدالناصر وعصابة الجنرالات الفسدة من حوله الذين أغرتهم شهوة الحكم والسلطة فدمروا البلاد تدميرا لا تزال آثاره باقية حتى اليوم، ولا يزال أحفادهم (السيسي وصبحي صدقي ومحمد زكي وغيرهم) يؤدون نفس المهمة القذرة بذات الإصرار والشهوة العجيبة. ففي ذات الوقت وحين كانت مصر تتعرض للإذلال كان إعلام عبدالناصر يردد صباح مساء أغاني النصر والبطولة وويخرج صوت المذيع الأمنجي أحمد سعيد مدعياحم حم إسقاط مئات الطائرات من جيش الاحتلال و أن قواتنا على مشارف تل أبيب. بينما الحقيقة كانت تنشر في الإعلام العبري والغربي تؤكد أن مصر تعرضت لأكبر عملية إذلال في التاريخ ؛ فقد انهار جيشها في صحراء سيناء كما غرق جيشها القديم في اليم حين كان يلاحق فرعون موسى عليه السلام والمؤمنين الموحدين معه.

نفس الأمر يتكرر اليوم، وكالعادة فقد ثبت كذب بيانيّ المتحدث العسكري المصري العقيد أركان حرب غريب عبدالحافظ غريب، عن مقتل جندي مصري فجر السبت 3 يونيو 2023م، خلال ملاحقته لعصابات تهريب مخدرات بعدما تمكن من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين في تبادل لإطلاق النار؛ وانتصرت الرواية الإسرائيلية التي أكدت أن العملية لا علاقة لها بعصابات التهريب  بل وصفتها بأنها عملية "تخريبية" في إشارة إلى أنها من أعمال المقاومة وأن الجندي الشهيد نفذها بكل إصرار وكفاءة قصاصا لآلاف المسلمين الذين يقتلون على يد عصابات الصهاينة منذ أكثر من مائة سنة، رغم ثبوت عدم انتمائه لأي تنظيم أو حزب سياسي أو حركة سياسية.

خلال الحدث بقي الإعلام المصري عاجزا عن نشر أي شيء مفيد، فكان المصريون والعالم يتابعون الأمر من الإعلام العبري، وكانت تطورات الحدث الملتهبة تأتي من تل أبيب بينما كانت القاهرة تغط في نوم عميق وكأن الأمر لا يعنيها. لدرجة أن المتحدث العسكري المصري أصدر بيانين لم يكشف فيهما أي شيء عن منفذ العملية رغم أنه أمر يسير للغاية لكنه العجز وربما يكون الخوف. فلم نظامنا عاجز؟ ولم إعلامنا مضلل؟ ولم الجميع خائفون؟ حتى كشف الجانب الإسرائيلي عن اسم الشهيد وصورته وبعض المعلومات عنه وعن أسرته! إنه الشهيد محمد صلاح فخر العرب الحقيقي الذي تم دفنه في سرية وكتمان في مدافن أسرته بقرية العمار بمحافظة القليوبية.

صلاح عمره 23 عامًا، ولم يُكمل تعليمه بعد المرحلة الإعدادية، وبدأ عام 2022 خدمته كفرد أمن مركزي لمدة ثلاث سنوات قرب الحدود بشمال سيناء، فيما كان يعمل فني نجارة وألوميتال. كانت وسائل إعلام إسرائيلية كشفت هوية صلاح أمس، بدون أي معلومة رسمية من الجانب المصري، قبل أن ينقل حساب «متصدقش» معلومات إضافية عنه، منها تفاصيل عن دراسته وأسرته ومحل سكنه، وقبض الأمن على عدد من أقاربه وأصدقائه، ضمن حملة تحريات في محيط سكنه في منطقة عين شمس بالقاهرة.

كان موقع هيئة البث الإسرائيلية قال إن السلطات الإسرائيلية سلمت جثمان صلاح لمصر بمجرد طلبه، نظرًا لعدم وجود داعٍ للإبقاء عليه لديها كونه غير منتمي لتنظيمات إرهابية، أو يُمكن الاستفادة منه في عمليات تبادل أسرى أو ما شابه. فيما قال مصدر دبلوماسي في اﻷمم المتحدة لـ«مدى مصر» إن مصر وافقت على السماح لفريق محققين إسرائيلي بالعمل داخل حدودها منذ مساء اﻷحد في إطار التحقيق المشترك الذي اتفق البلدان على إجرائه في إطار الالتزامات الأمنية المتبادلة.

 

حقائق صادمة ومبشرة

هذا الحادث  يعكس عدة حقائق

  • أولا: أن سيناء خارج التغطية، لدرجة أن حدثاً أمنياً عسكرياً يحصل على أهم حدود في البلاد ومنطقة عمليات، ولا نعلم عنه شيئاً لمدة 12 ساعة، وعندما صدر بيان رسمي لم يضف أي شيء جديد أو معلومة مفيدة".
  • الحقيقة الثانية، أن هناك حالة من عدم الثقة المتناهية من الشعب تجاه البيانات الرسمية، لدرجة أن بيان المتحدث العسكري لا يرقى إلى أي مستوى من المصداقية. كما سقط إعلام النظام كما هو متوقع؛ فلا شيء صدق ولا مصداقية ولا مهنية ولا يحزنون.
  • ثالثا، أن الحادث "فضح القصور العسكري للجيش الإسرائيلي، وقدّم دليلاً على تآكل سلاح الردع لديه، وكذلك عدم كفاءة التطور التكنولوجي في السياج الحدودي مع مصر، الذي لم يصمد أمام جندي مصري مسلح تسليحاً عاديا".
  • رابعا، الحادث "كشف مافيا تهريب المخدرات على الحدود المصرية". وأشار إلى أن "التنسيق على الحدود المصرية – الإسرائيلية، يحكمه جهاز الاتصال بين البلدين، الذي تمّ تضمينه في اتفاقيات السلام بينهما، فهو المسؤول عن فتح التحقيق في مثل هذه الحوادث، عبر تحقيق مهني وشفاف، يضمن كشف كل الملابسات الخاصة بهذا الحادث وتحديد مسؤولية كل طرف عنه".
  • خامسا، الجانب الإسرائيلي لديه حسابات سياسية وأمنية تحكم تصرفاته، فيجب أن يظهر سيطرته الكاملة على الوضع، وأن الاعتداء على جنوده لا يمر بسهولة، ولا يمكن أن يمر مثل هذا الحادث من دون أن يصدر بيانات توضيحية، على عكس ما يفعله الجانب المصري الذي لا يضع اعتبارا للرأي العام المصري ولا يعنيه كشف الحقيقة لمواطنيه.
  • سادسا، الحادث يؤكد انهيار وفشل الجهود الرامية لتحقيق أي تطبيع شعبي مصري مع الاحتلال؛ فرغم السلام البارد قبل نحو 45سنة إلا أن هذه علاقات بين نظامي حكم أما الشعب المصري فلا يزال عصيا على الخضوع والإذعان، فلا يخلو بيت مصري من وجود شهيد أو مصاب خلال الحروب مع الاحتلال الصهيوني (حرب 48 ـ 56 ــ 67 ـ الاستنزاف ـ حرب 73). بخلاف الدعم والتعاطف الشعبي القوي مع المقاومة الفلسطينية ورباطها في سبيل الله ودفاعها عن الناس والمقدسات.
  • سابعا، ردود الفعل كشفت عن انزعاج الغرب بشدة من الحفاوة الشعبية المصرية والعربية بالعملية واعتبار الشهيد فخر العرب الحقيقي بدلا  من الأبطال الوهميين في مجالات اللعب والترفيه. ووينقل موقع "مدى مصر" عن مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة أنه أبدى اندهاشًا من حالة الاحتفاء الشعبي بالهجوم الذي نفذه المجند، ما اعتبره المصدر «عصيًا على الفهم» بعد سنوات طويلة من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مشيرًا إلى أن الدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة مذهولين من هذا القدر من الاحتفاء بالعملية.
  • ثامنا، الحادث كشف مدى النفوذ الواسع الذي تتمع به تل أبيب في صناعة القرار في القاهرة ولا سيما فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية في سيناء والتي تبدو فناء خلفيا للاحتلال يعربد فيها كيمفا شاء. فقد أشار أشار موقع هيئة البث الإسرائيلية إلى أن فريقًا أمنيًا مصريًا عالي المستوى وصل إلى موقع الحادث داخل الأراضي الإسرائيلية، وتعرف على تسلسل اﻷحداث من القادة الإسرائيلين، في إطار التعاون بين الطرفين. ونقل موقع العربية، أن الجانبين اتفاقا على إصدار أول تقرير حول التحقيقات بين الطرفين قبل نهاية الأسبوع الجاري.

 

السيسي في ورطة

العملية ـ حسب مدى مصر ــ  تسببت في حرج كبير لإدارة السيسي وأجهزته العسكرية والأمنية، خاصة أن هذه العملية ليست مرتبطة بأية تنظيمات إرهابية، الأمر الذي يدفع المستويات العليا في النظام إلى العمل على استيعاب الجانب الإسرائيلي. فسلطات النظام العسكري في مصر كانت تطمح إلى إحراز تقدم في مفاوضات التهدئة بين الإسرائيليين والفصائل الفلسطينية، التي يتواجد ممثلوها في مصر حاليًا، غير أن هذا يبدو معقدًا حاليًا بعدما اتجه التركيز إلى التحقيقات في ملابسات عملية الحدود.

الحادث على الأرجح سوف يدفع المؤسسة العسكرية والأمنية إلى التشديد في مسألة التحريات عن الجنود الذين يخدمون على الحدود مع العدو الصهيوني، في محاولة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المحرجة للطرف المصري.

الحادث يبعث رسالة واضحة للغاية مفادها أن نظرية الأمن الإسرائيلي التي تعتمد على القوة والقهر لن يكتب لها النجاح وأن فرض ما يسمى السلام وفق مصالح تل  أبيب هي مساعي تعتمد على أوهام وأن الرهان على القوة واستمرار الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني وفي القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة، لن يحقق أمن الاحتلال".

 

إشادة إسرائيلية بالسيسي

في الوقت نفسه، أكدت مصادر دبلوماسية أن إسرائيل تقدر التعاون الذي يبديه الجانب المصري، وأن ما حدث لن يتحول ﻷزمة بين البلدين، وإنما سينتج عنه مراجعة للإجراءات اﻷمنية على الحدود، وأكدت المصادر على متانة العلاقات اﻷمنية بين مصر وإسرائيل خاصة في ما يتعلق بالوضع في سيناء، وهي العلاقات التي تُعد في أقوى حالاتها منذ اتفاقية السلام.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن حادثة الحدود الأخيرة "استثنائية ولا تعكر صفو التعاون الأمني والعمل المشترك لإسرائيل ومصر في حفظ الأمن على الحدود"، مؤكداً أن "التحقيق جار بالتعاون الكامل مع الجيش المصري".

وكان المتحدث العسكري المصري أعلن، مساء السبت، مقتل فرد أمن مصري مكلف بتأمين الحدود خلال مطاردة عناصر تهريب المخدرات، بعدما قام باختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران، ما أدى إلى وفاة ثلاثة من عناصر التأمين الإسرائيلية، وإصابة اثنين آخرين. فيما وصف المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي المجند المصري بـ«المُخرب»، وأعلن اشتراك القادة والجنود الإسرائيليين في قتله بعد دخوله الأراضي الإسرائيلية، وتسببه في قتل جندي ومجندة خلال إطلاق النار على الحدود، فضلًا عن جندي آخر فيما بعد، وإصابة ضابط ظهرًا.