مراقبون: تمرد “فاجنر” أضاع هيبة “بوتين” وكشف ارتهانه لقرار المليشيات

- ‎فيعربي ودولي

عوضا عن تأثير مؤكد على أن استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، بوتيرة ما قبل، بات خارج حسابات المراقبين، إلا أن تمرد فاجنر كان تأثيره الأكبر في رأيهم هو في تعرية جنرال المخابرات الروسي الرئيس فلاديمير بوتين أمام الجميع وكشف كيف تسيطر المليشيات وفرق المرتزقة في القرار الروسي وما يمكن أن تفعله وبسهولة.
 

عمر عاشور، أستاذ الدراسات العسكرية في معهد الدوحة قال في تعليق ل”عربي بوست”: “هذا جيش من الميليشيات، وهذا يزداد وضوحاً كل يوم، ويجعل وحدة القيادة شديدة الصعوبة”.

وأضاف “يحتمل أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تقويض الدعم للحرب الروسية، سواء على خط المواجهة أو بين المدنيين. وبريغوجين الذي يتمتع بنفوذ كبير في قنواته على تيليغرام، قوّض خطابين من خطابات بوتين بتمرده”.

وأشار إلى أن “يوم الجمعة 23 يونيو، زعم أن دوافع روسيا للحرب محض كذبة، وبالتالي طعن  بشكل مباشر في تبرير بوتين للغزو بأن هدفه حماية المتحدثين بالروسية. وأظهر بما فعله يوم السبت أن قبضة بوتين على السلطة أكثر هشاشة مما كان يتصوره أي شخص”.
 

أما “ماريا زولكينا، من مؤسسة المبادرات الديمقراطية الفكرية” في كييف الأوكرانية فرأت أن “العاقبة الأكبر هي أن صورة النظام المستقر لم تعد موجودة، حتى لو لم ينجح هذا الانقلاب، فالاستجابة الفوضوية للدولة تُظهر ضعف النظام الاستبدادي على حقيقته، وبوتين أصبح رهينة لعبته”.

 

وأضافت أن “الاضطرابات التي تسبب فيها بريغوجين تمثل بلا شك أكبر تحدٍّ يواجه الرئيس فلاديمير بوتين في الداخل على مدار 23 عاماً قاد خلالها روسيا، لكنه يمثل أيضاً فرصة لأوكرانيا في هذا التوقيت”.

ووصف بوتين تحركات بريغوجين بأنها “ضربة لروسيا”، نقلت وكالة أنباء يوكرينفورم الأوكرانية التي تديرها الحكومة عن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قوله السبت “أي فوضى خلف خطوط العدو تصب في مصلحتنا”.

 

وقال كوليبا إنه من السابق لأوانه الحديث عن عواقب ما حدث بالنسبة لأوكرانيا، لكنه أجرى في وقت لاحق من نفس اليوم مكالمة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لمناقشة الأحداث وتطورات الهجوم المضاد الذي تشنه كييف.

 

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان بعد ذلك، إن واشنطن ستظل “في تعاون وثيق” مع كييف في ظل تطور الوضع.

ومن جانب آخر، أشار روب لي، الباحث البارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، إلى أن إزاحة جيش بريغوجين لن يكون له تأثير كبير. فقد انسحبت بالفعل من العمليات الأوكرانية، وهي قوة هجومية، والجيش الروسي الآن في وضع دفاعي، وأداؤه جيد نسبياً، لكن موسكو قد تستغل تمرد فاجنر لتبرير أي خسائر مستقبلية.

 

وأضاف أنه “من شبه المؤكد أن يحمّل الجيش الروسي مسؤولية أي خسارة للأراضي هذا الأسبوع لما فعلته فاجنر، وقد يكون شكلاً قوياً من الدعاية لتحميل فاجنر المسؤولية”.

 

وعن جانب بينهما، قال أندريه زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق: “فاجنر كانت العنصر الوحيد الناجح في الغزو الروسي لعام كامل، وقد حقق مقاتلوها ما لم يستطع الجيش الروسي تحقيقه”.

وأعتبر أن استيلاء بريغوجين على مركز قيادة في روستوف أون دون، دون مقاومة واضحة من القوات الروسية، أو حقيقة أن قواته تقدمت دون عوائق لعدة مئات من الكيلومترات نحو موسكو، في يوم واحد فقط، يثيران تساؤلات حول تماسك القوة الروسية وولاء قطاعات من الجيش.

 

ورأى زاغورودنيوك إن زوال فاجنر ونفي بريغوجين في بيلاروسيا سيضعان نهاية أيضاً لانتقادات الفساد، وعدم الكفاءة والبيروقراطية في الجيش الروسي، وهذا يخفف الضغط على المؤسسة العسكرية ويساعدها على معالجة أكبر نقاط ضعفها. وأضاف للصحيفة البريطانية: “وبالتالي فاحتمالات تغيير النظام العسكري الروسي تكاد تكون معدومة”.

تهديد محتمل

وقال المراقبون إنه في حالة حلّ فاجنر فستُحرم روسيا من أقوى وحداتها العسكرية في أوكرانيا، وفي البلدان العربية إذ إن مقاتلي فاجنر هم من خاضوا الجزء الأكبر من القتال العنيف في باخموت، بشرق أوكرانيا، وهو المكسب الوحيد المهم لروسيا منذ يوليو.

وأشار محللون إلى بوتين يعتقد بضرورة أن يُبقى مزيداً من الجنود بالقرب من الوطن، لو أن فاجنر- أو غيرها من الميليشيات- لا تزال تعتبر تهديداً محتملاً.

واستدركوا أن مصير فاجنر ليس واضحاً، فمقاتلي فاجنر الذين لم يشاركوا في التمرد قد تُعرض عليهم عقود عسكرية نظامية، لكن الكثيرين الآخرين الذين شاركوا في التمرد سيُمنعون من القتال، وقد يحتفظون بولائهم لبريغوجين، وقد

صحيفة Financial Times البريطانية قالت في تقرير أن الأمنيات التي ظهرت وتوقعت أن يؤدي تمرد بريغوجين إلى وقوع روسيا في حرب أهلية، وتغيير النظام وانهيار حربها في أوكرانيا، قد تبخرت سريعاً.

 

وأوضحت أن “هذه الدراما التي تشهدها روسيا لا تزال لها فوائد ومزايا محتملة لأوكرانيا، في مسعاها لإجبار القوات الروسية على الانسحاب من جنوب وشرق البلاد. وقال فيتالي ماركيف، ضابط الحرس الوطني الأوكراني الذي يعمل في الخطوط الأمامية، لصحيفة Financial Times يوم السبت: “معنويات القوات الأوكرانية مرتفعة جداً، ونحن نراقب ما يحدث في روسيا بحماس شديد”.

 

وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية فإن تهديد بريغوجين الانقلابي جاء في لحظة مناسبة لكييف، التي لم يحقق هجومها المضاد سوى مكاسب محدودة على الأرض منذ انطلاقه مطلع هذا الشهر. وأثارت الإخفاقات في ساحة المعركة مخاوف إزاء قدرة الجيش الأوكراني على اختراق المواقع الروسية شديدة التحصين.

وقالت تحليل الموقع إنه لا يزال البعض في الغرب يرون أن تمرد بريغوجين ينم عن ضعف بوتين، ويسلط الضوء على الانقسامات في الآلة العسكرية الروسية، واحتمال وجود خيانات. وقال مسؤولون أوكرانيون إن الصراع على السلطة في روسيا لم يؤدِّ إلى تغييرات جذرية على خط المواجهة، لكنه أتاح فرصاً لاستغلال تشتت انتباه عدوهم وتحطُّم معنوياته.