تراجع كبير خلال العام 2023 ..السوق السوداء توجه ضربة قاضية لتحويلات المصريين بالخارج

- ‎فيتقارير

 

توقع خبراء اقتصاد أن تشهد تحويلات المصريين بالخارج تراجعا كبيرا خلال العام الجاري 2023 مقارنة بالأعوام السابقة .

وأرجع الخبراء تراجع التحويلات إلى ما يشهده الجنيه المصري من تراجع مستمر أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية، وما يشهده الاقتصاد المصري من تدهور في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي.

وحذروا من تراجع التحويلات بشكل مقلق بالتزامن مع تفاقم أزمة توفير النقد الأجنبي، بما يهدد قدرة دولة العسكر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية من سداد أقساد وأعباء الديون واستيراد المستلزمات الأساسية للحياة .

كانت تحويلات المصريين بالخارج قد تراجعت بنسبة تتراوح بين 23 – 25%، في النصف الأول من العام المالي 2022 / 2023 إذ بلغت 12 مليار دولار مقابل 15.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي 2021 / 2022  .

يشار إلى أن تحويلات المصريين في الخارج تمثل 7% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تحتل مصر المركز الخامس بين أعلى الدول المتلقية للتحويلات المالية من الخارج، ويُقدّر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 12 مليون شخص، أكثر من 2.5 مليون منهم في السعودية، تليها الإمارات والكويت، ويعمل بكل منهما نحو 600 ألف مصري.

ومنذ 2010 تعاني تحويلات المصريين في الخارج من تأرجح بين الصعود والهبوط، لكنها في المجمل كانت في طريقها نحو الزيادة إذ بلغت في 2011 قرابة 12.6 مليار دولار، وهو المعدل الأقل لها منذ سنوات طويلة، لكن سرعان ما تصاعدت مرة أخرى خلال فترة الثورة 2011/2012 لتسجل نحو 18 مليار دولار.

واستمرت المعدلات في الصعود ففي العام 2014/2015 زادت قيمة التحويلات لتصل إلى 19.3 مليار دولار، ارتفعت في العام التالي مباشرة إلى 21.8 مليار دولار، وذلك في أعقاب قرار تعويم الجنيه الذي فقد قرابة 80% من قيمته، ما أسال لعاب المغتربين، لإرسال الدولارات للبنوك المصرية للاستفادة من هذا الفارق الكبير في قيمة العملة الأجنبية مقابل الجنيه.

ومع مزيد من تصاعد الدولار زادت التحويلات في العام 2018/2019 لتصل إلى مستوى غير مسبوق، إذ بلغت 25.2 مليار دولار، تلاها زيادة أخرى كبيرة في العام التالي، لتصل في العام 2021/2022 إلى أعلى مستوى تاريخي لها على الإطلاق، حين سجلت 31.9 مليار دولار.

وبينما كان يتوقع البعض لمنحنى التحويلات مزيدا من الصعود في ظل التعويم الأخير للجنيه، تراجعت المعدلات في المجمل خلال النصف الأول من العام المالي 2022 / 2023 بنسبة 25%، وهي نسبة عالية، وتمثل صدمة لحكومة الانقلاب التي كانت تعول على هذا المورد بشكل كبير.

ظلم وخسارة

حول أسباب تراجع تحويلات المصريين بالخارج قال خالد (40 عاما) شاب مصري يعمل في مدينة جدة السعودية منذ أكثر من 10 أعوام : "من الصعب أن أرسل دولارات للبنوك المصرية بسعر 30.85 جنيه للدولار وهو في السوق السوداء ما بين 38 – 39 جنيها، أنا أولى بهذا الفارق".

وأضاف خالد في تصريحات صحفية : "في ظل ما تشهده مصر من فوضى مضطر لأحد خيارين، إما بيع الدولار في السوق السوداء عبر أصدقاء أعرفهم ولهم باع طويل في هذا الشأن، وإما الاحتفاظ بها في حسابي بالبنك لحين استقرار الوضع، لكن أن يتم تحويلها للبنوك المصرية وصرفها بالسعر الرسمي الحالي فهذا ظلم وخسارة من الصعب تحملها".

مسارات موازية

وقال أسامة شاب مصري مقيم في الكويت : "كنا نرسل كل التحويلات على البنوك المصرية الرسمية، الأهلي وبنك مصر تحديدا، أملا في تحسين أوضاع بلادنا، لكن مع الوقت تبين أن هناك مسارات موازية تضع تحويلاتنا في خطر حقيقي ".

وأكد "أسامة" في تصريحات صحفية أن قطاعا كبيرا من المغتربين أراد أن يشارك في نهضة بلده وعبورها المأزق الراهن، لكن تبين أن حكومة الانقلاب في واد والمواطن في واد آخر.

واستطرد قائلا: "ليس من المنطقي اقتصاديا أن تحث حكومة الانقلاب المغتربين على إرسال تحويلاتهم، في الوقت الذي يركزون فيه كل مشاريعهم على الطرق والكباري والمدن السكنية الجديدة التي لا تدر على محدودي ومتوسطي الدخل أي عائد في الوقت القريب، للأسف هناك حالة من تراجع الثقة فيما يحدث".

أولويات الإنفاق

وأكد إسلام جمال الدين عضو "الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي"، أن السوق الموازي للدولار والفارق الكبير بينه وبين السعر الرسمي يدفع الكثير من المغتربين لإرسال النفقات الضرورية لأسرهم في مصر فقط، فيما يتم الاحتفاظ ببقية الراتب لأكبر فترة ممكنة.

وقال جمال الدين في تصريحات صحفية: إن "ارتفاع مستويات التضخم والمعيشة في دول الخارج نتيجة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، بخلاف القوانين المستحدثة في بعض دول الخليج التي أثقلت كاهل الوافدين بمزيد من الضرائب والرسوم دفعت بعضهم لإعادة النظر في قائمة أولويات الإنفاق لديهم، وترتيبها وفق تلك المستجدات، ما أدى في النهاية إلى تراجع نسب ومعدلات التحويل".

وأشار إلى أن هناك ما يعرف باسم "طريقة المقاصة" وتعني إرسال الأموال إلى مصر بالطرق غير الرسمية، كأن يتفق المغترب مع مكاتب أو وكلاء في البلد الذي يقيم به على إعطائهم المال في مقابل تسليمه لأهله في مصر عن طريق مقربين أو متعاونين مع تلك المكاتب نظير رسوم ضئيلة، بما يضمن وصول الدولارات للأهل في مصر دون إجبارهم على تغييرها للعملة المحلية كما يحدث في بعض الأوقات، لتغييرها في السوق السوداء للاستفادة من فارق السعر، وهو ما يعني أن الأرقام الرسمية المعلنة بشأن التحويلات ربما لم تكن دقيقة بشكل كامل.

 

إحصاءات مضللة

 

واعتبر المحلل الاقتصادي وائل النحاس أن إحصاءات تحويلات المصريين بالخارج ربما تكون مضللة في بعض الأحيان، ولا يمكن الاعتماد عليها في تقييم المشهد بصورة كاملة، فلا يمكن قياس أرقام هذا العام على أنها متراجعة مقارنة بنسبتها في العام الماضي، منوها أن العام الماضي له خصوصية مغايرة دفعته لأن يكون الأعلى في قائمة قيمة التحويلات على مر التاريخ، حيث إنهاء عقود آلاف المصريين بالخليج – جراء سياسة التوطين التي تتبعها تلك الدول – وحصولهم على مكافآت نهاية الخدمة وتصفية أعمالهم، ما انعكس على نسب وأرقام التحويلات بين عامي 2021/2022.

وأكد النحاس في تصريحات صحفية أن بعض مبادرات حكومة الانقلاب التي كانت تستهدف جمع أكبر قدر من العملات الأجنبية كان لها دورها في التأثير على تحويلات المصريين، ومن بينها مبادرة إدخال سيارات المغتربين، موضحا أن تلك المبادرة دفعت الكثير من المصريين لتأجيل قرار تحويل أموالهم لحين العودة بسياراتهم لدفع رسومها الجمركية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن هذه المبادرة حبست نحو 800 مليون دولار. 

وقال: "السياسات الاقتصادية والنقدية المهتزة التي ثبت فشلها وأغرقت البلاد في مستنقع الديون تجاوزت سقفها التاريخي بمراحل، وأودت بالعملة الوطنية إلى الحضيض، وتعد أحد الأسباب التي حالت دون استمرار العاملين بالخارج في إرسال أموالهم للبنوك المصرية".

وأوضح النحاس أن جدار الثقة الذي حاول نظام الانقلاب بناءه عبر الوعود المتكررة والمبادرات المعلنة قد تعرض للشرخ في كثير من جوانبه، وهو ما تترجمه لغة الأرقام والإحصاءات التي تؤكد أن الوضع يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر، وأن المعلن عنه من إنجازات ونجاحات من النظام ليست إلا دعاية للاستهلاك المحلي فيما يقبع المواطنون في أتون فقر مدقع.

 

سعر الصرف

 

وقال الباحث الاقتصادي، أحمد أبو علي: إن "تحرير سعر الصرف بالكامل دافع قوي نحو دفع تحويلات المصريين بالخارج للزيادة، إلا أن حالة التخبط التي يشهدها العالم الآن اقتصاديا، قد تكون مثلت دافعا قويا لخلق حالة من التخوف لدي كثير من المواطنين وليس فقط المصرين في الخارج".

وأكد أبو علي في تصريحات صحفية أن الكثير من المصريين بالخارج بدأوا في إعادة ترتيب أولوياتهم في الإنفاق، وبدأ جزء كبير منهم في ظل ارتفاع مستويات التضخم والمعيشة خارجيا في تخفيض نسب مدخراتهم، وبالتالي انعكس هذا على نسب تحويلاتهم لمصر، مشيرا إلى أن نسبه كبيرة منهم بدأت في التوجه نحو الادخار في دول أخرى قريبة منهم ترتفع بها معدلات الفائدة، وخاصة على الودائع المصرفية، ومنهم من بدأ يحتفظ بالدولار لفتره أكبر ظنا منهم في ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وذلك لتحقيق مكاسب أكبر".  

وشدد على أن استقرار سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، من خلال دخول قدر كبير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد خاصة في قطاع الاقتصاد الأخضر هو الطريق للفوز بتحويلات المصريين بالخارج.

وختم أبو علي بالقول: إن "تدفق الاستثمار الأجنبي يعني جاذبية مجتمع الأعمال المصري وبيئة الأعمال في مصر خلال، وبالتالي سيكون لذلك انعكاس قوي على زيادة تحويلات المصريين بالخارج".