إثر السياسات المالية الفاشلة التي يقودها نظام السيسي العسكري، في تطفيش المستثمرين وهروب الأموال خارج مصر، ومع سياسات العسكرة والتأميم وفرض صرف التحويلات الواردة لأصحابها من البنوك بالجنيه المصري وبأسعار البنك، وهو ما تسبب قبل شهور في هروب أكثر من 22 مليار دولار من مصر إلى الأسواق الخارجية، وتحويل المستثمرين استثماراتهم لخارج مصر، وهو الأمر الذي وصل إلى كبار المستثمرين المصريين، كناصيف ساويرس ومحمد منصور وغيرهم الذين اتجهوا لاستثمار أموالهم في السعودية.
وأدت أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي في مصر وعدم الأمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجوء العاملين بخارج مصر لوقف تحويل أموالهم للداخل المصري، والاكتفاء بتحويل ما تحتاجه أسرهم فقط وبعيدا عن البنوك أو الجهاز المصرفي، لضمان تحقيق أكبر مكسب لهم ولعائلتهم، إذ من غير المنطقي أن يبيع المغترب دولاراته التي حصلها بالدم والعرق بالخارج بالجنيه المصري وبسعر بخس، لا يجري التعامل به في مصر أساسا، سواء بين العملاء والبنوك أو في المعاملات التجارية.
ولعل هذا الخراب الاقتصادي، يفاقم أزمة الاقتصاد المصري، إذ تعد تحويلات المصريين بالخارج أكبر المصادر الأساسية للعملة الأجنبية.
وقد أعلن البنك المركزي أمس الثلاثاء، تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 26.1%، في الفترة من 1 يوليو 2022 حتى 31 مارس 2023، مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي السابق عليه.
وقال البنك، في بيان: إن "تحويلات المغتربين المصريين اقتصرت على نحو 17.5 مليار دولار، خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2022-2023، مقارنة بنحو 23.6 مليار دولار من نفس الفترة في العام السابق عليه".
وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، تليها الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس على الترتيب، وتزامن انخفاضها مع فترة تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع سعر صرف العملة الأميركية في السوق السوداء.
وتعاني مصر من نقص حاد في الدولار للوفاء بالتزامات الدولة الأساسية، مثل استيراد مواد غذائية وأدوية وتوفير مستلزمات زراعية وصناعية وخدمة الديون المتراكمة، ويزداد هذا النقص حدة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار، وتراجع سعر الجنيه.
ويدور سعر الصرف في البنوك المصرية حاليا حول 30.85 جنيها لشراء الدولار، و30.95 جنيها للبيع، بينما يصل السعر في السوق الموازية إلى 40 جنيها في المتوسط.
ومنذ بدء أزمة نقص الدولار في مصر، بسبب خروج ما يعرف بـ"الأموال الساخنة" التي قدرتها الحكومة بنحو 23 مليار دولار في العام الماضي، يودع مصريون في الخارج أموالهم في حسابات في الخارج لسماسرة التحويلات، مقابل أن يتسلمها ذووهم في الداخل بالجنيه في منازلهم عبر مندوب توصيل بسعر التحويل بالسوق السوداء، وتجري الأمور بالتفاوض وفق السعر المتذبذب والمتغير من سمسار إلى آخر.
وهؤلاء السماسرة الذين ساعدوا المصريين في الخارج على تحويل أموالهم بمقابل أكبر من سعر التحويل الرسمي يؤدون مهمة أخرى على الجانب الآخر، وهي دفع هذه الدولارات للموردين الأجانب المتعاملين مع مستوردين مصريين عاجزين عن الحصول على الدولار من السوق الرسمية.
وفي وقت سابق من اليوم، أطلق بنكا "الأهلي المصري" و"مصر" أوعية ادخارية جديدة بالدولار مدتها ثلاث سنوات، بهدف تدبيره للجهاز المصرفي والحكومة، لا سيما المختزن لدى المواطنين والعائدين من الخارج، والاحتياطي المتوافر لدى الشركات، وتخشى التصرف به.
وتصدر شهادتان للمصريين والأجانب اعتبارا من اليوم الأربعاء، الأولى بسعر عائد 7% سنويا، ويصرف بالدولار كل 3 أشهر، ويجوز الاقتراض بضمانها حتى 50% من قيمتها بالجنيه المصري لأغراض استثمارية، بحد أقصى يصل إلى 10 ملايين جنيه، وبسعر عائد قدره 2.25% أقل من سعر إقراض البنك المركزي.
أما الشهادة الدولارية الثانية، فبسعر عائد سنوي 9% يصرف مقدما بالمعادل بالجنيه المصري عن الفترة كلها، بواقع 27% من قيمة الشهادة عن إجمالي مدتها، ولا يجوز الاقتراض بضمانها، وتسترد الشهادة في تاريخ الاستحقاق بذات عملة الدولار الأميركي.
وتبقى تلك المحاولات البائسة من قبل نظام السيسي لستر عورة العجز التمويلي، الذي قدرته دوائر اقتصادية بنحو 18,5 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2023/2024 وهو مبلغ كبير تعلن مصر على أثره الإفلاس، وهو ما يجعل السيسي ونظامه يسابقون الزمن لجذب أي أموال من أي جهة، فيما الفساد يرتع في أروقة نظام العسكر، الذين طفشت امتيازاتهم المستثمرين، والإنفاق الهستيري على المشاريع الفنكوشية غير ذات الجدوى، والتي ابتلعت أموال مصر وزادت ديونها أضعافا مضاعفة بصورة غير مسبوقة وصلت لأكثر من 484 مليار دولار، تمثل أكثر من 116% من الناتج القومي الإجمالي، وفق تقديرات سابقة للخبير الاقتصادي ممدوح الولي.