بعد شهور من الاستقرار والهدوء وإعلان السيسي أكثر من مرة القضاء على الإرهاب في سيناء، وعودة الحياة الطبيعية لسيناء وبدء مشاريع التنمية المكثفة، جاءت عملية الهجوم المسلح على مقر الأمن الوطني بالعريش، وهو ما أسفر عن مقتل 4 عسكريين من بينهم العقيد محمد مؤنس، وثلاثة جنود ، منهم معاون الشرطة محمد صلاح شامة، ومعاون الشرطة محمد عبد اللطيف، بجانب عدد من المصابين، لتثير الكثير من التساؤلات حول العملية ، التي يجري التكتم عليها.
وقالت وكالة أسوشيتد برس: إن "4 من ضباط وأفراد الشرطة قتلوا في هجوم استهدف مقرا أمنيا شديد التحصين تابعا للأمن الوطني ومحيطه في العريش".
وأضافت الوكالة، أن المستشفى العسكري في العريش استقبل جثامين ضباط الشرطة، وهم من قوات العمليات الخاصة بقطاع اﻷمن المركزي.
وكانت وسائل إعلام قالت في وقت سابق أمس الأحد إن "ضابطا وشرطيين اثنين قتلوا خلال الاشتباك المسلح".
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن أصوات إطلاق رصاص سُمعت منذ الساعة السابعة صباحا، واستمرت حتى الثالثة مساء، بالتزامن مع انقطاع جميع شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت في المدينة.
ووفق مصادر سيناوية، سُمع دوي إطلاق نار داخل المقر الأمني، تبعه وصول تعزيزات أمنية وسيارات إسعاف، وأضافت أنه جرى نقل عدد من الجثث إلى مستشفى العريش العسكري، وكذلك عدد من الإصابات.
وأوضح المصدر أن قوات أمنية من الجيش والشرطة وصلت إلى مكان الهجوم المسلح، وأخذت تسجيلات الكاميرات المحيطة بالمكان للوقوف على حيثيات الهجوم، كما جرت الاستعانة بطائرات لتمشيط المكان وتتبع المسلحين.
يُذكر أن مدينة العريش تشهد هدوءا أمنيا بعد سنوات من التدهور الأمني، نتيجة هجمات تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، ولا يزال عدد من المواطنين محجوزين في مقر الأمن الوطني بتهمة الإرهاب.
توقيت الحادث
ويأتي الحادث، ليخدم مصالح السيسي ونظامه، على الرغم من بشاعته، إذ إن النظام يعاني غضبا شعبيا متزايدا في عموم مصر، على خلفية الغلاء وانقطاع الكهرباء وتدهور مستويات المعيشة لعموم المصريين، وهو ما تسبب في تدني شعبية السيسي ، وفق تقارير استخباراتية، وقبل أيام من الإعلان عن إجراءات إطلاق جولة الانتخابات الرئاسية الجديدة، قبل نهاية العام الجاري، والتي يطمح السيسي ونظامه لتأمين نتائجها لصالحه، وسط معارضة سياسية وشعبية تتبلور في الفترة الأخيرة، ووسط ضغوط غربية وأمريكية.
ومن ثم فإن حل اللجوء للعمليات الإرهابية المهندسة، التي ينفذها مسلحون مجهولون، وداخل مقر الأمن الوطني وسط المدينة، وهو مبنى شديد التحصين والحراسة وداخل المربع الأمني الذي تحميه كل القوى الأمنية والأسلحة المتطورة، وفي وضح النهار و لأكثر من 6 ساعات، هو أمر غريب ولا ينطلي على عاقل أبدا.
ويكون أكبر تصور له أنه حدث مُهندس أمنيا، لتصفية حسابات داخل الجهاز الأمني، وبأيدي عسكرية شديدة التدريب والتخطيط، أو تم عبر خيانة داخلية، تصب في النهاية نحو تهييج الشارع المصري وشحذه نحو رفض الإرهاب والتضحية بالكهرباء والغلاء والصبر على أية مشاكل من أجل استعادة الأمن والاستقرار، وهي النغمة التي يرددها إعلاميو السيسي بكثافة قبل أيام.
زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية
كما يأتي الهجوم بالتزامن مع زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، للمرة الأولى إلى سيناء ، يوم الجمعة الماضي، في ضيافة قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع، الذي اشتغل بـملف مكافحة الإرهاب وطرد تنظيم داعش الإرهابي من صحراء سيناء، وذلك بعد عشر سنوات من العمل الأمني والعسكري.
وتأتي زيارة المسؤول العسكري الأميركي، بعد شهرين فقط من عملية الجندي المصري محمد صلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع فلسطين المحتلة، إضافة إلى زيارته معبر رفح الرابط بين مصر وقطاع غزة، الذي يمثل محورا مهما من محاور العلاقة بين مصر وحركة حماس.
وقالت مصادر محلية في محافظة شمال سيناء: إن "الوفد الأمريكي زار معبر رفح الرابط بين مصر وقطاع غزة، حيث حل بضيافة مكتب الجيش المصري داخل معبر رفح، فيما تجول قائد المنطقة العسكرية المركزية الأميركية في منطقة الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، وكذلك بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة التي شهدت عملية الجندي محمد صلاح".
وكان الوفد الأمريكي قد وصل إلى مصر، قبل يومين، بعد إنهائه زيارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل توتر العلاقة بين الجانبين في أعقاب عملية الجندي صلاح، والتي أدت قبل شهرين إلى مقتل ثلاثة عسكريين إسرائيليين على الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تلك الملابسات، قد تتشابك مع العملية المسلحة في العريش، إذ إنها يمكن أن تكون رسالة موجهة للقيادة الأمريكية، بضعف القدرات المصرية على السيطرة الكاملة على أرض سيناء، وهو ما يستلزم الاستمرار في المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، كي تتمكن من بسط مزيد من السيطرة على سيناء والمناطق الحدودية.
خاصة وأن الزيارة الأمريكية والعملية المسلحة ، يتزامنان مع دعوات برلمانية أمريكية من قبل الديمقراطيين بالكونجرس الأمريكي بتعليق نحو ثلث المعونة الأمريكية العسكرية الموجهة لمصر، والتي تقدر بنحو 320 مليون دولار.
وهو ما قد يؤشر على هندسة العملية الأمنية أو السماح بها داخل أكبر مقر أمني ، وبهذا الشكل الكارثي.
وذلك لابتزاز الأمريكان للاستمرار في المساعدات لنظام السيسي، ولتبرير الانتهاكات الحقوقية التي يمارسها النظام في عموم مصر، والتي يحاول السيسي أن يفسرها بأنها لتقليص الإرهاب المحتمل، بالمخالفة للقواعد الحقوقية والقانونية الدولية.
فشل ذريع
وإذا لم تثبت صحة التفسيرات السابقة للعملية، فإنها تؤكد فشلا ذريعا للأمن المصري، يدحض تىسويق السيسي ونظامه بالقضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة وتسليم سيناء متوضية.
ولعل الدرس الأبرز من العملية العدائية المرفوضة ضد قوى الأمن، هو أن مصر لن تنعم بالاستقرار طوال تسلط السيسي وحكمه مصر بالحديد والنار، حيث التعمية وعدم الوضوح هي السائدة في وسائل الإعلام، وكذا اعتماد الأكاذيب والإشاعات لإشغال الرأي العام وتعمية الشعب، وهي بيئة صالحة للاستبداد وللإرهاب والفساد والفشل الحتمي.