اكتفت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب ببيان استنكار ردا على إعلان الحكومة الإثيوبية إتمام الملء الرابع لخزان سد النهضة. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، صباح الأحد 10 سبتمبر 2023م، عبر موقع X، عن انتهاء الملء الرابع والأخير لسد النهضة الإثيوبي رغم «الضغوط التي واجهتها عمليات البناء»، ويأتي الإعلان بعد أيام من فشل جولة مفاوضات ثلاثية احتضنتها القاهرة مؤخرا بناء على اتفاق بين الدكتاتور عبد الفتاح السيسي، وآبي أحمد في يونيو الماضي "2023"، للتوصل لآلية بشأن تشغيل السد في غضون أربعة أشهر، وذلك بعد أكثر من عامين توقفت فيها المفاوضات.
وفي اليوم التالي، الإثنين 11 سبتمبر، دانت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب إتمام إثيوبيا الملء الرابع والأخير لخزان سد النهضة، واعتبرته ومخالفة قانونية وانتهاك من أديس أبابا لإعلان المبادئ الموقع بينها ودولتي المصب مصر والسودان، في 2015، والذي لم ينص على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، فيما اكتفى بيان الخارجية بالإشارة مجددًا لضرورة العمل على إيجاد آلية تتفق عليها الدول الثلاث حول تشغيل وملء السد. وأكد البيان أن النهج الإثيوبي يُشكل عبئًا على جولة المفاوضات المقبلة في أديس أبابا، التي تستهدف التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، الذي مُلئ بالفعل، والتي ستكون الحلقة اﻷحدث في سلسلة مفاوضات جديدة بدأت في أغسطس الماضي، بهدف الوصول لاتفاق خلال أربعة أشهر، بحسب اتفاق بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في يونيو الماضي.
ومنذ عام 2011 فشلت مصر والسودان في التوصل إلى صيغة قانونية ملزمة لإثيوبيا تحكم قواعد الملء والتشغيل، كان آخرها المفاوضات المنعقدة، نهاية أغسطس الماضي 2023، والتي انتهت دون تغير ملموس في موقف إثيوبيا، وفقًا لبيان وزارة الموارد المائية والري المصرية عقب اجتماع وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا.
تقاسم المياه
ويرى الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة والخبير المائي، التعنت الإثيوبي ليس جديدا، وأن تصريحات رئيس فريق التفاوض الإثيوبي بشأن إعلان رفض التوقيع على أية وثائق تحد من حقوق بلاده التنموية بالتصريحات غير الموفقة. ويضيف أن سقف الطموحات الإثيوبية خلال الآونة الأخيرة ارتفع بإعلانها في واشنطن؛ الرغبة في الحصول على حصة مائية وإعادة تقاسم المياه مرة أخرى، معقبا: «إثيوبيا تريد مد أمد المفاوضات وإحداث الخلافات بين مصر وأكبر عدد من دول المنبع وكأنها تدافع عن حقوق باقي الدول». وأضاف في تصريحات لفضائية "صدى البلد"، أن حصة مصر والسودان من مياه النيل 5 % في مقابل امتلاك إثيوبيا ودول المنبع 95 % من مياه النيل، موضحا أن إعادة التقاسم يتوقف على إنشاء مشروعات مائية جديدة على غرار إنشاء مصر السد العالي.
أسباب الفشل
وتعليقاً على فشل المفاوضات، يقول المساعد السابق لوزير الخارجية المصري رخا أحمد حسن، إن "الموقف الإثيوبي هو نفسه منذ أن بدأت المفاوضات بوساطة أميركية وحتى الآن". وأضاف: "ما تريده إثيوبيا وتسعى إليه هو استخدام المفاوضات الشكلية ستاراً يتيح لها الوقت الكافي لاستكمال كل مراحل إقامة مشروع سد النهضة". وأوضح حسن أنه "من الناحية العملية، لم تغير إثيوبيا أي شيء في موقفها السابق، فقبل بدء أول جلسة مباحثات بعد البيان المصري الإثيوبي بشأن التوصل إلى اتفاق خلال أربعة أشهر، أعلن وزير الري الإثيوبي سيلشي بيكيلي أنه يأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق ودي، وأن حكومته لن توقع على اتفاق قانوني".
من جانبه يقول وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام: "للحفاظ على حياة الشعب وبقاء الدولة، فإن من الثوابت الوطنية والأمنية الحفاظ على كل قطرة مياه مهما كان الثمن ومهما عظمت التضحيات". أما خبيرة النزاعات المصرية هالة عصام الدين ترى أن محاولات إثيوبيا لانتزاع الزعامة في إفريقيا من مصر باعتبارها قوة إقليمية عظمى عبر التحكم في منابع النيل أمر مرفوض وأن على الدول الكبرى أن تنظر لمصالحها في الإقليم ككل ومصر باعتبارها قوة عظمى. فمصالح الدول الكبرى ستكون مهددة إذا دخلت دولتا المصب مصر والسودان في صراع مع إثيوبيا.
في السياق، قال أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة، إن "أي اتفاق مرتقب حول إدارة وتشغيل سد النهضة من دون آلية تسوية النزاعات لن يجدي نفعاً". وأشار إلى أن "آلية حل النزاعات التابعة للجنة نهر ميكونغ في آسيا آلية رسمية لحل النزاعات بين الدول الأعضاء في لجنة نهر ميكونغ، وتم تأسيسها في عام 1995، وتتألف من خبراء مستقلين يتم تعيينهم من قبل الدول الأطراف في اتفاقية استخدام النهر". وأضاف سلامة أن إثيوبيا "لا تقبل سوى بالمبادئ التوجيهية غير الملزمة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة. أما مصر والسودان، فيريدان اتفاقاً ملزماً يضمن لهما كمية معينة من مياه نهر النيل. ويشعران بالقلق من أن السد سيقلل من كمية المياه المتاحة لهما، الأمر الذي قد يكون له تأثير سلبي على اقتصادهما وشعبيهما".
الجدير بالذكر أن المبدأ العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، الموقعة بين مصر وإثيوبيا والسودان في عام 2015، ينص على: "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. ويمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/الحكومات". وحسب خبراء فإن كلمة مجتمعين جعلت قبول إثيوبيا لأي تحكيم أو وساطة أمرا ملزما ما يفشل جهود مصر والسودان في طلب التحكيم او الوساطة لحل الأزمة.