في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والارتفاع الجنوني في الأسعار وتراجع مستوى المعيشة وتزايد معدلات الفقر بين المواطنين إلى أكثر من 70 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر وفق بيانات البنك الدولي، تتصاعد معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة لتتجاوز الـ 40% ما يكشف حالة الفشل في إدارة شئون البلاد من جانب العسكر.
ما يؤكد حالة الانهيار الاقتصادي والفشل الأرقام المتضاربة التي تصدر عن الأجهزة والهيئات بحكومة الانقلاب والتي تحاول مجاملة السيسي وتجميل الصورة، إلا أن الواقع يظل كارثيا كما أن هذه الأرقام المتضاربة تعطي صورة سيئة للأوضاع في البلاد، ما يؤدي إلى هروب المستثمرين والأموال إلى الخارج، بسبب عدم الثقة في عصابة العسكر التي تمارس النهب والفساد والبلطجة على أوسع نطاق .
كان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد أعلن، أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر سجل معدلا شهريا بلغ 1.6% في أغسطس 2023، مقابل معدل بلغ 0.9% في ذات الشهر من العام السابق ومعدل شهري بلغ 1.9% في يوليو 2023.
فيما سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين وفقا لبيانات البنك المركزي، تراجعا طفيفا بمعدل شهري بلغ 0.3% في أغسطس 2023 مقابل معدلا شهريا بلغ 0.6% في ذات الشهر من العام السابق ومعدلا شهريا بلغ 1.3% في يوليو 2023.
وقال البنك المركزي: إن "المعدل السنوي للتضخم الأساسي تراجع إلى 40.4% في أغسطس 2023 مقابل 40.7% في يوليو 2023".
يشار إلى تضخم أسعار المستهلكين السنوي كان قد قفز حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى 38.2% خلال يوليو الماضي، صعودا من 36.8% في يونيو السابق له، ومقابل 14.6% في نفس الشهر من العام الماضي.
وكشفت البيانات الرسمية المعلنة عن التضخم اختلافا في الأرقام، إذ أعلن البنك المركزي المصري أن التضخم الأساسي، بلغ 40.7% خلال شهر يوليو، مقارنة بـ41% خلال شهر يونيو، وهو رقم مختلف عن معدل التضخم الذي أعلن عنه الجهاز المركزي للمحاسبات .
صندوق النقد
من جانبه قال نعمان خالد من بنك الكويت الوطني: إن "أثار العام الماضي السلبية لاتزال مستمرة في دفع التضخم لأعلى رغم انخفاض المعدل على أساس شهري بنسبة تصل إلى 1.9 بالمئة".
وحذر خالد في تصريحات صحفية من أنه إذا خفض القائمون على السياسة الاقتصادية في زمن الانقلاب قيمة العملة في الفترة المقبلة استعدادا لمراجعة صندوق النقد الدولي، قد يصل التضخم إلى أعلى مستوى له بنهاية العام ليتجاوز الـ 40 بالمئة بكثير.
وتوقع أن ينخفض التضخم إلى 30 بالمئة بحلول ديسمبرالمقبل وقد يصل إلى36.5 بالمئة إذا قامت حكومة الانقلاب بعدد من الإجراءات على رأسها تخفيض الأسعار وعدم تخفيض الجنيه أمام العملات الأجنبية وعدم زيادة سعر الفائدة من جانب لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري والعمل على زيادة الإنتاج .
ارتفاع غير مسبوق
وقالت الدكتورة عالية المهدي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة: إن "معدل التضخم في مصر شهد ارتفاعا غير مسبوق لم تعهده البلاد من قبل، مشيرة إلى أنه الأعلى خلال الـ 70 عاما الماضية".
وأرجعت عالية المهدي في تصريحات صحفية ، أسباب هذا الارتفاع إلى عدة أسباب، مشيرة إلى أن السبب الأول يتمثل في تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، سواء الرسمي أو غير الرسمي، جميعهم يرتفعون مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يؤثر على أسعار الواردات ومؤشر الأسعار العام داخل البلد .
وأشارت إلى أن سعر صرف الجنيه انخفض 3 مرات منذ مارس 2022، من متوسط 15.7 للدولار الواحد، ليستقر حاليًّا عند 30.9 جنيها حسب السعر الرسمي، في حين يُتداوَل في السوق الموازية بما يتراوح بين 38 و40 جنيها.
وأضافت عالية المهدي، السبب الثاني يتمثل في لجوء دولة العسكر للاقتراض الداخلي على نطاق واسع، موضحة أن الاقتراض الداخلي معناه إنفاق حكومي كبير، وطالما لا توجد زيادة في الإنتاج توازيه، يخلق ذلك التضخم.
وأكدت أن الإصدار النقدي خلال الفترة الماضية ارتفع بنسبة 30% محذرة من أن أثار هذا التضخم شديدة الوطأة على جميع طبقات المجتمع، خاصة الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل، لأن دخلهم لا يزيد بنفس المعدلات التي تزيد فيها معدلات التضخم، وبالتالي القيمة الحقيقية لدخولهم تتراجع، وقدرتهم على تلبية الاحتياجات المعيشة تتراجع بشدة.
وأوضحت عالية المهدي أن الجزء الأكبر من إنفاق هذه الأسر مخصص للإنفاق الغذائي بنسب تتراوح بين 40 إلى 50%، لذلك عندما ترتفع أسعار السلع الغذائية بنسبة تتجاوز الـ30%، معنى ذلك أن القدرة على تلبية احتياجات الأسرة الغذائية ترتفع، وبالتالي ترتفع نسبة الفقر في البلاد .
زيادة الإنتاج
وقال الدكتور عز الدين حسانين أستاذ الاقتصاد بالمعهد القومي للإدارة: إن "انخفاض نسبة الاستيراد بعد قرارات حكومة الانقلاب بفرض قيود على الاستيراد واحتجاز شحنات البضائع في الموانئ بحجة نقض الدولار وعدم قدرة البنوك على تلبية مطالب المستوردين، انعكس على السوق برفع سعر المنتجات التي قل وجودها بالسوق المحلي وليس لها بديل، مشيرا إلى حدوث نوع يسمى العدوى السعرية لباقي المنتجات، فارتفعت غالبية الأسعار من 30 إلى 300% لبعض السلع والخدمات" .
وطالب حسانين في تصريحات صحفية حكومة الانقلاب بالعمل على أن تعالج التضخم بقرارات اقتصادية تتمثل في زيادة المعروض من السلع وزيادة الإنتاج داخل الدولة خاصة الصناعات التي تصنع بالكامل داخل البلاد ولا تدخل فيها مكونات أجنبية .
أرقام متضاربة
وحول تضارب الأرقام الرسمية المتعلقة بالتضخم التي تصدر عن أجهزة حكومة الانقلاب قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب وكيل وزارة التموين والتجارة الداخلية الأسبق: إن "البنك المركزي يعتمد بالفعل على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، لكنه بمعادلة خاصة يستبعد تأثير السلع متغيرة السعر، وفي مقدمتها الفاكهة والخضراوات، وهي من أبرز السلع التي تتعرض لتغير في الأسعار".
وحذر عبد المطلب في تصريحات صحفية من أن اختلاف الأرقام المعلنة من الجهات الرسمية يضر بالبلاد، متسائلا ، تخيل أن باحثا في صندوق النقد الدولي دقق في البيانات المعلنة، فكيف سيكون تقييمه لدقة البيانات الصادرة من مؤسسات الانقلاب ؟.
وأكد أن الأرقام الحقيقية لمعدل التضخم أعلى مما تعلنه حكومة الانقلاب بكثير، مشيرا إلى أن ذلك تؤكده الأوضاع الاقتصادية على الأرض من حيث ارتفاع الأسعار في الأسواق وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين وتزايد معدلات الفقر وتراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي .