تنكرت إثيوبيا لبعض التوافقات التي تم التوصل إليها سابقا مع دولتي المصب مصر والسودان؛ حيث أعلنت وزارة الموارد المائية والري بحكومة الانقلاب العسكري، الأحد 24 سبتمبر 2023م، انتهاء فعاليات الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن سد النهضة، الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 23 و24 سبتمبر الحالي، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، وذلك دون أن تسفر الجولة التفاوضية “عن تحقيق أي تقدم يذكر في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي”.
وحسب بيان الوزارة فإن “الجولة التفاوضية شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، والترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً”. وأضاف البيان أن “الوفد المصري يواصل التفاوض بجدية بناءً على محددات واضحة، تتمثل في الوصول إلى اتفاق ملزم قانوناً على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على نحو يحفظ مصالح مصر الوطنية، ويحمي أمنها المائي، واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث، بما في ذلك المصالح الإثيوبية”. وتابع أنه “بات من الضروري التحلي بالإرادة السياسية والجدية اللازمين للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، من دون إبطاء، في الإطار الزمني المتفق عليه بين الدول الثلاث، استناداً إلى لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 يوليو/ تموز الماضي”. وختمت الوزارة بيانها بالإشارة إلى “وجود العديد من الحلول الفنية والقانونية، التي من شأنها التوصل للاتفاق المنشود الذي يُراعي مصالح مختلف الأطراف”.
وتأتي جولة المفاوضات في أديس أبابا استكمالا للجولات التفاوضية التي بدأت في القاهرة يومي 27-28 أغسطس 2023، بناءً على توافق الدول على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة في ظرف أربعة أشهر. ومنذ بدء إثيوبيا تشييد سد النهضة عام 2011، دأب الخطاب الرسمي في القاهرة على التأكيد أن المشروع الذي وصلت كلفته إلى أكثر من 4 مليارات دولار، هو بمثابة “خطر وجودي” يهدد الحياة في مصر، بينما وقع الجنرال عبد الفتاح السيسي اتفاق المبادئ مع إثيوبيا والسودان في مارس 2015، والذي كان بمثابة أول اعتراف من القاهرة بحق أديس أبابا في إنشاء السد، كما اعتبر الاتفاق شرعنة لعملية إنشاء السد في مقابل قبول إثيوبيا بعودة القاهرة إلى الاتحاد الإفريقي الذي طردت منه في اعقاب الانقلاب العسكري في يوليو 2013م.
شكري: 50% نقص في المياه
وفي كلمته أمام المناقشة العامة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء السبت 23 سبتمبر، اتهم وزير الخارجية بحكومة الانقلاب سامح شكري، الإدارة الإثيوبية بـ”التمادي في ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، في خرق صريح لقواعد القانون الدولي”، محذراً من “مواجهة مصر أزمة مياه حادة، في ظل معاناتها من عجز مائي يزيد عن 50% من احتياجاتها”. وقال شكري إنّ “مصر تعتمد بنسبة 98% على نهر النيل، وتأتي على رأس الدول القاحلة، وبين الأقل عالمياً في هطول الأمطار”، مضيفاً أن “إثيوبيا أنشأت السد من دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة، أو معاناتها من ندرة الموارد المائية”.
لغز الحل الوسط
بياو زارة الري الذي أشار إلى استمرار التراجع الإثيوبي عن توافقات سابقة واستمرار أديس أبابا في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، أثار لغطا بشأن هذه الحلول الوسط المطروحة. وكان السيسي قد أشار إلى ما أسماها بـ«حلول وسط للأزمة» في مؤتمر صحفي مشترك خلال استقباله الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، الذي زار القاهرة الأحد 04 يونيو 2023م.
وثار خلاف بين الخبراء والمختصين حول مغزى ومعنى تصريح السيسي حول ما أسماها بـ«حلول وسط»، ويرى أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، أن “حديث السيسي تضمن أمرين في آن واحد، وهما الحل الوسط والاتفاق الملزم، ويجب معرفة العلاقة بين الاثنين، لأنه حتى هذه اللحظة لم يظهر بالإعلام المصري أي تفسير لما يقصده السيسي بالمصطلح الجديد في الخطاب السياسي بشأن سد النهضة وهو الحل الوسط، بالإضافة إلى عدم معرفة الشعب المصري ماذا يقصد بمصطلح ملزم”. وأوضح حافظ أن “تلك المصطلحات لا بد أن تقيّم رقمياً، فعلى سبيل المثال لا بد من معرفة كم ستكون حصة الدولة المصرية من النيل الأزرق في حال قبول إثيوبيا بالحل الوسط”، وتابع: “وفق اتفاقية 1959، فإن ما تحصل عليه مصر من تدفقات النيل الأزرق سنوياً يعادل في المتوسط 40 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على ما تبقّى من التدفقات أي 8.5 مليارات متر مكعب، وذلك على حساب المتوسط السنوي لتدفقات النيل الأزرق والتي تعادل 48.5 مليار متر مكعب سنوياً”. وأشار إلى “رفض إثيوبيا المستمر الاعتراف باتفاقية 1959”.
ويرى حافظ في تصريحات صحيفة أنه في ظل ورطة السيسي الاقتصادية ومحاولته إثبات أنه قادر على حلها، هناك احتمال كبير جدا أن توقع إثيوبيا على اتفاق ملزم مع الدولة المصرية قريباً جداً وقبل انتخابات الرئاسة في مصر، يوافق فيه السيسي على حصة إثيوبيا، وهي أكبر من 9 مليارات وأقل من 16 مليار متر مكعب.
تسليع المياه
من جانبه، يفكك الباحث المصري في مجال البيئة والتنمية، منسق منتدى “الحق في المياه بالمنطقة العربية” عبد المولى إسماعيل، الموقف الإثيوبي المتعنت والرافض للتوصل إلى أي حلول؛ موضحا أن “الهدف الرئيس من فكرة سدود المياه بشكل عام هي تسليع المياه، لأن معدلات الربح بدأت تنقص بشكل كبير في القطاعات الصناعية الأخرى، على الصعيد الدولي والعالمي، ولذلك لم يعد أمام الشركات الكبرى سوى الاستحواذ على الموارد الطبيعية وإدخالها ضمن الأسواق التبادلية، بمعنى إخضاعها لأسواق العرض والطلب”. وراح يشرح ذلك موضحا أن «هناك ما يُسمى بكفاءة السد في ما يتعلق بتوليد الطاقة الكهربائية، بمعنى أنه يمكن أن تكون سعة الخزان 11 مليار متر مكعب، وتولد الطاقة الكهربائية المطلوبة نفسها، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتم زيادة السعة التخزينية للسد إلى 74 مليار متر مكعب؟”. واعتبر أن “هذا الأمر مرتبط بتسليع المياه وخلق أسواق للتجارة في المياه، وهذا ما سيحدث، ويفسر مماطلة إثيوبيا في إقرار اتفاق قانوني ملزم في هذا الأمر”، متابعاً “أصبحنا أمام أمر واقع، فإثيوبيا لن توقّع على أي اتفاقيات ملزمة إلا بعد إعادة النظر في الحصص المائية ككل، بمعنى تخفيض الحصة المصرية من المياه إلى ما دون 55 مليار متر مكعب”!.