في الوقت الذي لا يدخر فيه المنقلب السفيه السيسي ونظامه جهدا في توفير التمويلات اللازمة لمباني العاصمة الإدارية الجديدة ومشاريع فناكيش كامل الوزير ومحاوره المرورية وكباريه ومنتجعات العلمين والساحل الشمالي، سواء من خزانة الدولة أم من القروض والمنح والمعونات، تحت شعار تطوير وإنجاز الجمهورية الجديدة، يقف النظام مشلولا أمام مستلزمات التعليم والصحة.
إزاء ذلك، سلطت ندوة متخصصة، نظمها مركز “حلول للسياسات البديلة” في الجامعة الأميركية بالقاهرة، حول مجانية وجودة التعليم في مصر، لأضواء على أوضاع التعليم المنهارة بمصر.
وأشار وزير التربية والتعليم والتعليم العالي السابق، أحمد جمال الدين موسى، إلى أن عدم كفاءة التنظيم المؤسسي للدولة يعتبر أحد أهم العوائق أمام إصلاح التعليم في مصر، وأكد أن إصلاح التعليم لا يمكن أن يجري منفصلا عن الإصلاح المؤسسي للدولة في مصر، وأن المسؤولين التنفيذيين، مهما كانت كفاءتهم أو إخلاصهم، لن يكونوا قادرين على تحقيق النتائج المرجوة بسبب العقبات التي تنبع من عدم كفاءة التنظيم المؤسسي للدولة.
وأشارت إلى دراسة صادرة عن البنك الدولي تفيد بأن زيادة الإنفاق على التعليم المدرسي بمعدل 10% تقدم زيادة بنسبة مماثلة في الدخل على الصعيدين الوطني والعالمي.
وفي السياق المحلي في مصر، أشارت الفقي إلى أن دستور 2014 كفل حق التعليم المجاني والإلزامي للتعليم الأساسي والثانوي، وألزم الحكومة المصرية بزيادة نسبة الإنفاق على التعليم إلى 6% من الناتج المحلي، تقسم إلى 4% للتعليم قبل الجامعي و2% للتعليم الجامعي. ومع ذلك، تراجعت المخصصات الدستورية للتعليم في آخر ميزانية (2023-2024) إلى نسبة 1.9% من الناتج المحلي، بمبلغ نحو 239 مليار جنيه من إجمالي 11.8 تريليون جنيه، مما أدى إلى فجوة كبيرة بين الإنفاق الفعلي والنسبة الدستورية بقيمة تقدر بنحو 480 مليار جنيه.
وأوضحت الباحثة أن هذا الوضع يأتي رغم انقضاء الفترة الانتقالية التي سمح بها دستور 2014 قبل التزام الحكومة بالنسب الدستورية، وأشارت إلى أن الحكومة في سبيل التعامل مع هذا الوضع كانت تستخدم ما أسمته بـالتحايل الحسابي في الموازنة المقدمة للبرلمان، وذلك قبل أن يعلن السيسي أن الحكومة غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الإنفاق المقرر دستوريا لما يحتاج إليه ذلك من موارد كبيرة.
تحميل التعليم مسئولية سداد ديون الحكومة
وكانت الحكومة، وحتى آخر موازنة جرى إقرارها، تقدم للبرلمان بيانا ماليا يتضمن أرقاما تحقق النسبة الدستورية للإنفاق على التعليم، لكن، وبحسب وزارة التخطيط، تضيف الحكومة جزءا من التزامات سداد القروض إلى ميزانية التعليم بما يوصلها للنسبة الدستورية، ويمكن استيضاح ذلك من خلال البيان التحليلي للموازنة الذي يُفصل الأرقام وأوجه الإنفاق.
كما أوضحت الفقي أن القسم الأكبر من ميزانية التعليم يستنفد في بند الأجور والمرتبات بنسبة تبلغ 70%، مما يشير إلى ضعف الكفاءة وعدم كفاية الموارد المخصصة للتعليم، وبالمقارنة مع معدلات الإنفاق الحكومي على التعليم عالميا، تظهر مصر بوضع غير مشجع حيث تقل نسبة الإنفاق عن المتوسط العالمي البالغ 4.5% من الناتج المحلي، حتى عند مقارنتها بدول متوسطة الدخل مثل تونس، تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم في تونس 7.3% من الناتج المحلي.
العاصمة تبتلع الأموال
وفي 17 يونيو الماضي، أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن قيمة مخصصات العام 2023-2024 من أجل بناء المباني الخاصة لكل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والمجالس التخصصية ودواوين عموم المحافظات والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية ومصالحها ووزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة، تعادل مخصصات العام الحالي للتعليم.
وعلى مدار السنوات السبع الماضية، رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدم التزام الحكومة بالمواد الدستورية، وقالت إن هذا الوضع غير الدستوري يستمر في موازنة العام المالي الجاري.
وكشفت حسابات المبادرة استنادا لبيانات وزارة المالية عن انخفاض نسبة الإنفاق على التعليم إلى 1.94% أقل من ثلث الاستحقاق الدستوري مقابل 1.97% خلال العام الذي انتهي آخر يونيو الماضي.
ومقابل 4.9% في عام 2014-2015.
ولفتت المبادرة في تقريرها إلى أن الالتفاف بدأ في عام 2016، حين أقر البرلمان -الرقيب على الحكومة- الخدعة الحكومية التي تضاف بموجبها على الورق نسبة من مدفوعات فوائد الدين إلى مخصصات كل من التعليم والصحة، بحيث ترفع المخصصات شكليا إلى النسب الدستورية، وتزيد عنها بسبب زيادة عبء الديون الحكومية، بينما في الواقع لا تدخل تلك الأموال خزانات لا التعليم ولا الصحة، بل على العكس، يمكن القول بأن خدمة الدين تحرم الدولة من الإنفاق على تلك القطاعات الداعمة للعدالة الاجتماعية.