في إجراء يكشف عن مدى هشاشة وهزلية الأوضاع في مصر، أصدر الدكتاتورالمنقلب عبدالفتاح السيسي قرار جمهوريا الثلاثاء 3 أكتوبر 2023م بتعيين نائب رئيس محكمة النقض، المستشار حازم بدوي، رئيسًا جديدًا للهيئة الوطنية للانتخابات، بدلا من الرئيس الحالي للهيئة المستشار وليد حمزة الذي عينه السيسي قبل أربعة شهور فقط، كما تم تعيين أربعة أعضاء آخرين بتشكيل الهيئة بداية من التاسع من أكتوبر الجاري. ولا يعرف عن بدوي سوى أنه كان الرئيس السابق للجنة تظلمات اتحاد الكرة بالتزامن مع حادث استاد بورسعيد في 2012م.
قرار السيسي، بعد إعلان ترشحه للرئاسة لولاية ثلاثة يثير كثيرا من التساؤلات حول لغز التوقيت والأشخاص؛ ويؤكد على أن الهيئة الوطنية للانتخابات مجرد أداة في يد السلطة التنفيذية تتلاعب بها كيفما تشاء؛ وهو ما يضرب أي معنى عن الحيادة والاستقلالية في مقتل. ويؤكد هذا الإجراء ما نكرره مرارا أن الانتخابات الرئاسية تحت حكم دكتاتوري سلطوي هي مجرد مسرحية عبثية معلومة النتائج مسبقا.
وتثير القوانين التي تمنح الرئيس والمرشح في ذات الوقت لمنصب الرئاسة سلطة التصديق على اختيارات الجهات والهيئة القضائية لرئيس وأعضاء الهيئة التي ستتولى البت في إجراءات ترشحه للمنصب، يثير كثيرا من الشكوك وعلامات استفهام عن مدى استقلالية الهيئة؛ الأمر الذي دفع شخصيات كثيرة مقربة حتى من النظام منهم مدير مؤسسة دعم العدالة، ناصر أمين، الذي طالب بضرورة إعداد قانون جديد للهيئة يضمن استقلالها وحيادها ونزاهتها، ويحدد اختصاصاتها وطريقة اختيار أعضائها بما يمنع رئيس الجمهورية من تعيين أهم المناصب بها.
كان السيسي عيّن حمزة في يونيو الماضي “2023” لاستكمال مدة رئيس الهيئة المتوفي في 2020، لاشين إبراهيم، بالإضافة لتعيين نائب رئيس مجلس الدولة، محمود أمين، خلفًا لزميله مراد هابيل، ومعهما المستشارين: الرئيس بمحكمة الاستئناف، محسن درديري، ونائب رئيس قضايا الدولة، عبد الحميد نجاشي، ونائب رئيس النيابة الإدارية، هاني جاد الله وذلك خلفًا لزملائهم بالجهات والهيئات القضائية نفسها الذين انتهت مدة عضويتهم بالهيئة الممتدة منذ أكتوبر 2017.
وتتشكل «الوطنية للانتخابات» من عشرة قضاة يختارهم المجلس الأعلى للقضاء والمجالس العليا في الجهات والهيئات القضائية (محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف، ومجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وقضايا الدولة) بواقع قاضيان من كل جهة، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.
اتهامات للهيئة بالانحياز
وتواجه الهيئة الوطنية لانتخابات الرئاسة اتهامات كثيرة بالانحياز وعدم الحيادية؛ ويستدل أنصار هذا الرأي برد الهيئة على شكاوى المرشحين المحتملين للانتخابات المقررة في دسيمبر المقبل 2023م؛ والذي اشتكوا من التضييق عليهم، ومنع مؤيديهم من تحرير توكيلات الترشح لهم بأساليب مختلفة، منها تعنت موظفي مكاتب التوثيق (الشهر العقاري)، والتحرش والضرب من قبل بلطجية مدعومين من الشرطة، وحتى القبض على عدد من أنصارهم حيث م اعتقال نحو 73 من أعضاء حملة المرشح المحتمل أحمد طنطاوي.
لكن رد الهيئة الخميس 28 سبتمبر كان صادما؛ حيث انطوى على ما يشبه التهديد للمرشحين بتوقيع عقوبات قانونية عليهم. واعتبرت الهيئة أن ما ورد في بيانات تلك الشكاوى “ادعاءات كاذبة”، مضيفة أنه بعد قيامها بالفحص والمتابعة، تبيّن “عدم وجود مخالفات أو محاباة أو مضايقات”، محذرة من ترويج “الادعاءات”!
في تعليقه على انحياز الهيئة وصف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان رد الهيئة على عدم تمكين بعض مؤيدي المرشحين من عمل توكيلات مشابه تماما لأسلوب وزارة الداخلية، التي تنفي دائماً وأبداً وجود انتهاكات. مؤكدا أن الرد يخالف طبيعة الهيئة، بوصفها هيئة قضائية مستقلة، كان ينبغي أن تعلن التحقيق في هذه الشكاوى والبلاغات، التي جعلت أحد المرشحين المحتملين (أحمد الطنطاوي)، يعلق حملته الانتخابية (48 ساعة). أما المحامي الحقوقي حليم حنيش فقد وصف الهيئة بغير المستقلة كبقية مؤسسات الدولة، لكنه كان يتوقع أن تحافظ على شيء من حيادها الظاهري لكن ذلك لم يحدث. واعتبر اللجنة متناقضة مع ذاتها حين طالبت المواطنين بالإبلاغ عن أي تجاوزات في الوقت الذي تهدد فيه المرشحين المحتملين وترفض شكاواهم وهم أصحاب الشأن في ذلك!
ويتفق نائب رئيس مركز “الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية”، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الدكتور عمرو هاشم ربيع، بأن الهيئة غير مستقلة بالشكل الكافي. يقول ربيع: «صحيح أن الهيئة موسومة بالاستقلالية، لكنها تضم أعضاء من النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وكلاهما تابع لوزير العدل في الحكومة (عمر مروان)». وتوقع أن يبقى الوضع على ما هو عليه ما دام من هو على رأس السلطة يمسك بزمام كل شيء، ولدينا إعلام منافق بحكم القانون والممارسة، وبرلمان في حالة من التوازن مع السلطة التنفيذية بحكم الدستور، والواقع أكثر من الدستور، وأحزاب سياسية معظمها أكثر من سيئ”. وعبر هاشم ربيع عن نظرته المتشائمة حين أضاف: “لدينا مجتمعا مدنيا مشوها، ساهمت السلطة في تشويهه، ولدينا عسكرة للمجتمع، فكل مؤسسة قومية فيها خمسون ضابطاً متقاعداً، بالإضافة إلى المحافظين ورؤساء المدن ورؤساء المشروعات القومية، حتى التعليم، يجب أن يمر العاملون به على الأكاديمية العسكرية”.
حالة التباين والانحياز الواضح من الهيئة يؤكد انعدام العدالة والنزاهة في مصر، وما يحدث من انتهاكات وتجاوزات في مكاتب الشهر العقاري وإكراه المواطنين على تحرير توكيلات للسيسي عبر ابتزازهم وتهديدهم بالحبس أو قطع الأرزاق هو جزء لا يتجزأ من غياب العدالة في مصر، وينذر بأن الانتخابات المقبلة كسابقتها مجرد مسرحية مزورة لصالح مرشح بعينه، استطاع في يوم واحد استصدار ربع مليون توكيل بينما مُنع الآخرون”.
وكانت ورقة بحثية أعدها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان نشرها في مايو 2023م، انتهت إلى أن الانتخابات الرئاسية، التي من المقرر أن تشهدها مصر بنهاية عام (2023) «من المستحيل أن تتسم بالحرية والنزاهة». وأرجع المركز موقفه هذا إلى ما أسماه بـ«ترسانة التشريعات القمعية، والبناء المؤسسي الذي يجمع كل موارد الدولة وهيئاتها في قبضة الرئيس، ورفض السلطات الممتد لأكثر من 10 سنوات لجميع أشكال المعارضة والانتقاد». وحول «توجيهات» السيسي للحكومة وأجهزة الدولة في مارس 2023 بفحص مقترح من أمانة الحوار الوطني حول تمديد أجل الإشراف القضائي على الانتخابات، والذي كان من المقرر أن ينتهي قبل الانتخابات المقبلة». قال المركز في هذا السياق إن الرقابة القضائية على الانتخابات الرئاسية أصبحت لا يعول عليها، فيما يتعلق بضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية بعد عشر سنوات من السيطرة والقمع، تمددت فيها هيمنة الرئيس على مؤسسات الدولة وعلى القضاء، مضيفًا: «بينما يعد الإشراف القضائي المستقل على الانتخابات، ومراقبة المجتمع المدني المستقل لمجرياتها، خطوات مرحب بها في الظروف العادية؛ إلا أن الإصلاح الجذري هو وحده القادر على إضفاء الشرعية على الانتخابات الرئاسية المصرية 2023».