مع تواصل الارتفاع الجنوني في الأسعار في الأسواق المصرية، بدأ نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي يعلق فشله على شماعة الحرب في قطاع غزة في تكرار سخيف لسيناريو وباء فيروس كورونا المستجد ثم الحرب الروسية الأوكرانية .
ويتواكب ارتفاع الأسعار مع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي ليقترب من الخمسين جنيها في السوق السوداء، بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار وفقا للبنك المركزي المصري، نحو 31 جنيها.
وفي الوقت الذي توجه فيه سلطات الانقلاب المحافظين وإدارات المدن والمجالس المحلية بمتابعة تعريفة النقل لمنع زيادة التعريفة عن المقرر رسميا عقب رفع أسعار البنزين، إلا أن مواطنين أكدوا أن هذه تصريحات للاستهلاك الإعلامي، مشيرين إلى غياب الرقابة، مقابل انتهاز السائقين تلك الزيادة لرفع أسعار النقل والركوب.
وأعرب البعض عن مخاوفه من استغلال حكومة الانقلاب الحرب القائمة في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، لتمرير قرارات برفع أسعار البنزين، وبالتالي رفع باقي الأسعار، وهو ما حدث لمواد البناء خاصة الأسمنت والحديد اللذين وصلا إلى أرقام تاريخية غير مسبوقة بالأسواق، حيث شهدت أسعار الحديد ارتفاعا يصل إلى 8500 جنيه، ليسجل سعر الطن 42 ألف جنيه، مقارنة بـ33 ألف جنيه قبل أيام.
سياسات منحازة
من جانبه انتقد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قرار حكومة الانقلاب برفع أسعار المنتجات البترولية.
وقال الحزب في بيان أصدره: “أعلنت حكومة الانقلاب رفع أسعار منتجات البترول لتشعل موجة جديدة من الغلاء في ظل معدل تضخم يفوق 40% وارتفاع أسعار الطعام والشراب خلال عام بنسبة 73.6% معربا عن أسفه، لأن حكومة الانقلاب تواصل تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي والمزيد من الاستدانة التي جعلت مصر واقتصادها وسكانها رهينة لسياسات منحازة ضد الفقراء”.
وأضاف، هذه السياسات تسببت في رفع معدل الفقر في مصر من 26.3% عام 2012/2013 إلي 35% عام 2023 ، وسيرتفع معدل الفقر بسبب القرار الأخير، متوقعا حدوث كارثة في دخول المصريين المحدودة إذا تم التعويم الجديد للجنيه.
وأشار الحزب إلى أن حكومة الانقلاب رفعت سعر البنزين 80 بنسبة 14.3% و البنزين 92 بنسبة 12.2% والبنزين 95 بنسبة 11.1% فقط ليتأكد مدى انحيازها ضد الكادحين وأصحاب الأجور والدخول الثابتة، مشددا على أن أرتفاع نسبة الزيادة عن 10% يعتبر مخالفا لقرار رئيس مجلس وزراء الانقلاب رقم 2764 لسنة 2018 بشأن تشكيل لجنة فنية لمتابعة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية والذي نص في مادته الثانية على ألا تتجاوز نسبة التغير في سعر البيع للمستهلك ارتفاعا أو انخفاضا عن 10% من سعر البيع السائد حاليا.
وتابع، إذا تأملنا نسب الزيادة حسب درجة نقاء البنزين من 2014 وحتى الزيادة الجديدة اليوم نجد البنزين 80 ارتفع بنسبة 625% والبنزين 95 ارتفع بنسبة 200% فقط ليتأكد لمن تنحاز حكومة الانقلاب وسياساتها .
معاناة المصريين
وأشار البيان إلى أن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي يرفض هذه الزيادة الأخيرة لأسعار المنتجات البترولية، ويطالب بسياسات اقتصادية إنتاجية تعتمد على دعم القطاعين الزراعي والصناعي، بعد أن بددت حكومة الانقلاب المليارات في مشاريع غير ضرورية لا تحقق إيرادات وأهملت الإنتاج لصالح اقتصاد المول والكمبوند ومشروعات الكباري والعقارات، وأصبحت مصر تعتمد على الخارج في تدبير احتياجاتها الغذائية ولا تملك دولارات للاستيراد فتبيع أصول الشعب المصري وتجور على حق الأجيال القادمة في ثروة مصر وأصولها.
وحذر من أن حكومة الانقلاب لا توزع الأعباء بشكل عادل بين المصريين وتحمل الأجراء ومحدودي الدخل بأعباء الأزمة، بينما تتضاعف ثروات المليارديرات كما أكد ذلك تقرير أوكسفام، بل وبيانات مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم، مشيرا إلى أن هذه السياسات الاقتصادية التابعة والمنحازة للأقلية على حساب الأغلبية، أضعفت وزن مصر وقزمته، وأصبحت مكشوفة أمام الابتزاز حتى على حساب الأمن القومي المصري.
وقال الحزب: إنه “يرفض هذه الزيادة الأخيرة التي تزيد معاناة المصريين، وتطالب بتغيير السياسات الاقتصادية وانحيازاتها الاجتماعية بعد أن ثبت فشل هذه السياسات لسنوات طويلة منتقدا، تحميل الفقراء أعباء الأزمة الاقتصادية، واتجاه حكومة الانقلاب إلى افتعال موجة غلاء جديدة تكوي محدودي الدخل”.
صندوق النقد
وقال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن “حالة التعاطف الموجودة الآن من المجتمع المصري تجاه غزة، والتفاعل مع دعوات المقاطعة للبضائع الداعمة للاحتلال يمكن أن تكون أحد الأسباب التي استعجل لأجلها نظام الانقلاب رفع أسعار الوقود”.
وأضاف الصاوي في تصريحات صحفية، مع ذلك لنقرأ الحدث في إطار الممارسات السابقة، موضحا أن نظام الانقلاب ومنذ العام 2014، يأخذ قرارات رفع سعر الوقود بشكل شبه منتظم مع بداية العام المالي، ومع كل مرة في الدخول مع صندوق النقد الدولي باتفاقيات.
وتوقع أن يكون ما تم هو نوع من التمهيد لاعتماد صندوق النقد الدولي في نهاية ديسمبر المقبل، المراجعة الأولى والثانية للتسهيل المالي المقدر بـ3 مليارات دولار، والذي اعتمد مع بداية العام الجاري.
وأوضح الصاوي، أن نظام الانقلاب هنا يواصل الإضرار بالنواحي الاجتماعية من حيث رفع الأسعار، بجانب ارتفاع معدلات التضخم، بالإضافة إلى مشكلة النقد الأجنبي، إلا أنه يعتمد على عصا الأمن الغليظة ليس أكثر ولا أقل .
وأعرب عن أسفه من أن الأزمة الاقتصادية مازالت خانقة، ولا يزال نظام الانقلاب لا يمتلك رؤية ولا استراتيجية لا للحل ولا للخروج من الأزمة، وبالتالي لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتم فيها رفع أسعار الوقود، ولا ارتفاع معدلات التضخم، ولا تفاقم أزمة النقد الأجنبي .
وعن احتمالات استباق نظام السيسي، الانتخابات الرئاسية بقرارات مجحفة بالمصريين ورفع للأسعار، أكد الصاوي، أنه في مسألة انتخابات الرئاسة ليس لدى نظام الانقلاب ما يعكر صفوه ويجعله يضع أية حسابات لهذه العملية الصورية الفارغة من مضمونها والمحسومة، والمرشحين الهزليين أمام السيسي .
المرتبات والمعاشات
وقال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد: إن “نية حكومة الانقلاب برفع الأسعار، وتخفيض قيمة الجنيه، وفقا لإملاءات صندوق النقد الدولي، تسبق أحداث غزة بشهور، وكل ما في الأمر أن النظام كان ينتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ دون استياء شعبي لا يمكن احتواؤه أو التحكم فيه”.
وأضاف الحداد في تصريحات صحفية ، أنه يمكن تتبع نية نظام الانقلاب حول رفع الأسعار، ومن ثم تخفيض قيمة الجنيه، أو سعر الصرف منذ إعلان السيسي، نيته رفع قيمة المرتبات والمعاشات في سبتمبر الماضي، حيث قرر السيسي حينها زيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لتصبح 600 جنيه بدلا من 300 جنيه، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25 بالمئة، من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه للعاملين بالجهاز الإداري لدولة العسكر، ومضاعفة المنحة الاستثنائية لأصحاب المعاشات والمستفيدين منها لتصبح 600 جنيه بدلا من 300 جنيه.
وأوضح أن تلك القرارات جاءت بزعم التخفيف عن المواطنين من ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، لكن يجب أن ننتبه للمثل القائل: “الحدأة لا ترمي كتاكيت”.
وأكد الحداد أن نظام الانقلاب كان يُخفي ويُبيّت نيته تلك التي داهمنا بها من خلال رفع أسعار المحروقات، وللمرة الثانية على التوالي في هذا العام، حيث تم رفع سعر البنزين في مارس الماضي، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات يتبعه ارتفاع لأسعار كافة السلع والخدمات.
وأعرب عن اعتقاده بأن أحداث غزة، من وجهة نظر حكومة الانقلاب، كانت فقط بمثابة اللحظة المناسبة لتطبيق إملاءات صندوق النقد، المبيتة، والمعدة سلفا .
وشدد الحداد على أن هذا يعني أن ما يعطيه السيسي للشعب باليد اليمنى، يأخذه أضعافا مضاعفة باليسرى عبر رفع الأسعار وبمعدلات أكبر من معدلات زيادة الرواتب والمعاشات، ما دعا الناس لتمني عدم زيادة الرواتب، مقابل الحفاظ على ثبات الأسعار والإبقاء عليها دون زيادة .
وتساءل، إلى متى تعوّل حكومة الانقلاب على تحمل الشعب المصري وصبره على سياستها العبثية الظالمة المراوغة؟ خاصة ونحن ليس فقط على أبواب انتخابات رئاسية قادمة يتمنى جل الشعب ألا تتم أصلا، إذا كان المقصود من ورائها تمرير سياسات أخرى أخطر من رفع الأسعار، وما يمس حياة المواطن العادية اليومية .
وحذر الحداد من أن توهم السيسي من نجاحه المحتوم بها بمثابة تفويض جديد لتنفيذ أو التسبب في كوارث أخرى قد تنال من الوجود المصري ذاته، ولكننا أيضا على أبواب يناير 2024، والتي ما فتئ السيسي، يذكرنا بأخطارها ومخاطرها في كل مناسبة، وكأن على رأسه بطحة.