عادل الأنصاري يكتب: المقاطعة هل تكفي وحدها؟

- ‎فيمقالات

ركزت الجهود الشعبية في مصر عقب طوفان الأقصى على  سريان ونشر فكرة المقاطعة للاحتلال ومن يؤيده ويسانده، بالإضافة إلى الخروج المؤقت للتظاهر في بداية الأزمة، قبل أن تقمعها السلطة وتفرض عليها قيودا كتلك التي فرضتها على أي حراك سياسي يستهدف إحداث تغيير داخل البلاد.

ولم يتبق أمام الشعب سوى المقاطعة التي شهدت حراكا شعبيا واسعا، واستجابة عالية لدى قطاعات كبيرة من المجتمع المصري، باعتبارها البديل المتاح للتعاطي مع الأحداث، والقيام بدور يرفع الحرج الشرعي والإنساني عن الجميع.

إلا أن خصوصية مصر دفعت، وتدفع بالشعب المصري دائما في أتون القيام بأدوار واجبة أوسع وأكبر من ذلك الدور الذي قام ويقوم به، فالحراك المتميز للمقاطعة الشعبية ربما يكون كافيا لشعوب كثيرة، ولكنه بالنسبة لشعب قدر الله له أن تقع أرضه على حدود فلسطين، ويعيش بمقربة مع تداعيات الحدث وآثاره الكارثية، كل ذلك يدفع إلى مزيد من الأدوار الواجبة التي ينبغي أن تبدأ وأن لا تتأخر.

ويظل وجود معبر رفح الذي يعد المتنفس الوحيد لأهل غزة على حدود مصر يصنع تحديا ويفرض واجبات شرعية وإنسانية بل وقانونية لا يمكن التهرب منها حتى في ظل وجود سلطة حاكمة تتماهى مع طلبات الاحتلال وتقدمها على كافة الضغوط الشعبية.

من يفتح المعبر؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هل يحق لمصر أن تفتح المعبر من جانبها وتسمح بدخول المساعدات – أو قل الواجبات – وهل التصريحات التي صدرت عن وزارة خارجية السلطة في مصر بأن المشكلة في تعنت الاحتلال، وليست في الموقف المصري الرسمي ؟

ولعل هذا الأمر يتيح لنا فرصة للتعرف على الحقائق التاريخية والواقعية لاتفاقية المعابر، وهو ما يسمح بعد ذلك بتحديد الدور المنوط بمصر على مدار السنوات الماضية من الحصار المستمر للقطاع، وبشكل أوجب خلال تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ المنطقة بعد العدوان المتواصل والمتزايد على غزة.

وللإجابة على هذه التساؤلات يجدر بنا أن نقف على مجموعة من الوقائع حول اتفاقية الحركة والعبور، أو اتفاقية المعابر التي تحدد المسؤولية عن فتحها أو إغلاقها ، حيث تم إبرامها عام 2005 بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وشملت الاتفاقية كلا من معبر رفح ومعبر كارني ومعبر كرم سالم وميناء غزة البحري ومطار رفح، واستمرت الاتفاقية حتى عام 2007 م، حيث أعلن الاحتلال تجميدها عقب خروج سلطة عباس من غزة، وانسحاب البعثة الأوربية من الاتفاق.

وقد فندت دراسة أجراها عدد من الخبراء القانونيين صدرت عن مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن تحت عنوان “معبر رفح المشكلة والحل”، الحجج التي أبدتها السلطة في مصر، ومن ذلك تجميد الاحتلال العمل بالاتفاقية، ومن ثم لم تعد الاتفاقية مطروحة للنقاش، أو ملزمة للأطراف ، خاصة أن مصر لم تكن حينها طرفا في الاتفاقية التي تمت بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وكان دور مصر يدور حول مهمة التشغيل فقط.

إضافة إلى أن القانون الدولي لا يلزم الدول المجاورة للأراضي المحتلة بالاعتراف بالأوضاع غير المشروعة، ناهيك عن أن  حصار غزة لا يتمتع بأي شرعية قانونية، وبالتالي فليس من المنطق مساعدة، أو إضفاء الشرعية على هذا الواقع.

وطرحت الدراسة ثلاث خيارات أمام مصر يمكن أن تتعامل بها مع هذه الاتفاقية وهي:

    فتح المعبر وإتاحة حرية الانتقال للأفراد والبضائع وفق المعايير الدولية، على أن تتحمل الأعباء السياسية لهذه الخطوة، وفي هذه الحالة تحتاج مصر إلى توفير مظلة دعم من المنظمات الأهلية والرأي العام والدول العربية الرئيسة.
     أن تقوم مصر بتقديم شكوى ضد الاحتلال لخرقه القانون الدولي واتفاقيات جنيف بحصار الشعب الفلسطيني ودعوة الأطراف الموقعة لمساندة مصر.
    تبني خيار الحل الإنساني وفتح المعبر للغايات الإنسانية ولحماية مصالح مصر ومنع انفجار الأوضاع في القطاع.

المعبر ما بعد الطوفان

كل ما ذكرته الدراسة يتعلق بحالة المعبر قبل الطوفان، أما الآن فأصبحت الحاجة إلى فتح المعبر أكثر إلحاحا وأكثر وجوبا، ولم يعد هناك مبرر للامتناع المصري الرسمي عن فتح المعبر لكافة البضائع والاحتياجات اليومية المطلوبة لما يزيد عن 2 مليون نسمة يتعرضون لحرب إبادة وتجويع وتعطيش جماعية.

وإذا كنا الآن في معرض مخاطبة الشعب المصري، فماذا يمكنه أن يفعل في مواجهة مواقف رسمية محسومة تصب في صالح الاحتلال على خلاف التوجه الشعبي العارم الذي يضطرم حزنا على الواقع المتردي داخل غزة؟

والحقيقة أن التحرك الشعبي للضغط على السلطة المصرية أمر لا مناص منه ولا بديل عنه في هذا الاتجاه، وهو ما يحتاج إلى آليات شعبية تقود هذا العمل خاصة في ظل محاولات تغييب جماعة الإخوان المسلمين عن ساحة العطاء والعمل.

ويبرز في هذا الاتجاه دور الأزهر الشريف ونقابة الصحفيين ونقابة المحامين كمؤسسات يمكن أن تتحرك في هذا المضمار، وتحقق فيه خطوات عملية تضاف إلى المواقف المبدئية التي أكدت عليها تلك المؤسسات، وذلك بهدف الضغط الشعبي على السلطة المصرية، بل وقيادة الفعل الشعبي للوصول إلى المعبر.

هذا التحرك العاجل لابديل عنه لحفاظ مصر على تاريخها وحاضرها مستقبلها وريادتها للمنطقة، بغض النظر عن الفعل الرسمي الذي لا يعبر عن الرغبة الشعبية الجامحة في الانتصار للقضية ونصرة المظلومين، بل وحماية، والحفاظ على الأمن القومي المصري.