في ظل السياسات الفاشلة لنظام المنقلب السفيه السيسي، والعجز المالي غير المسبوق في البلاد، والإنفاق الهستيري على مشاريع بلا جدوى اقتصادية، وبانعكاسات جنونية يدفع ثمنها المواطن البسيط، من جيبه، حيث الغلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وزيادة نسب الفقر والعوز بالمجتمع المصري، وسط عجز النظام العسكري، وعدم قدرته على الخروج من الأزمة الاقتصادية المتصاعدة منذعقد من الزمن.
حيث يشهد سعر الجنيه انهيارا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار.
وذلك على الرغم من عدة مؤشرات إيجابية ، ليست من داخل الدولة المصرية، وإنما من الخارج، لتقديم الدعم للاقتصاد المصري، والتي جاء بعضها كإغراءات مالية للسيسي للموافقة على مقدرات صهيوأمريكية بتهجير نحو مليون ومائة ألف من سكان غزة لسيناء، وغيرها من الإغراءات، بجانب تمديد ودائع والحصول على قروض دولارية وسيولة دولارية من بيع أصول إلا أنه رغم كل ذلك ينهار الجنيه.
5 مؤشرات وإغراءات مالية
ووفق تقديرات اقتصادية، فقد تلقت سوق الصرف الأجنبي في مصر دعما من عدة مؤشرات خلال الأيام الأخيرة، هذا الدعم كان من المتوقع أن ينعكس إيجابا على قيمة الجنيه مقابل الدولار، لكن العكس هو ما حدث، حيث تصاعدت أزمة العملة، ووصل سعر الدولار لأكثر من 50 جنيها، وهو الأعلى على الإطلاق.
تجديد الوديعة الكويتية
ويأتي الإعلان عن تجديد الكويت وديعة مستحقة على مصر، بقيمة 4 مليارات دولار ومودعة لدى احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري على شريحتين، قيمة كل واحدة مليار دولار، الأولى تنتهي في إبريل 2024، والثانية في سبتمبر 2024، كأول مؤشرات الدعم الإيجابية للاقتصاد المصري.
وتعتبر الخطوة مهمة في هذا التوقيت بالذات، إذ تأتي ضمن جهود خليجية لدعم احتياطي مصر من العملة الصعبة والبالغة قيمته 35.1 مليار دولار، منها ودائع سعودية بقيمة 10.3 مليارات دولار، وإماراتية 10.65 مليارات دولار، وقطرية 4 مليارات دولار.
زيادة قرض صندوق النقد الدولي
أما ثاني مؤشرات الدعم فهو اتجاه صندوق النقد الدولي لزيادة قيمة القرض المقدم لمصر إلى 5 مليارات دولار بزيادة ملياري دولار.
إذ أعلنت المؤسسة المالية أنها تدرس بجدية زيادة محتملة للقرض المقدم لمصر البالغ قيمته 3 مليارات دولار، بهدف مساعدة الحكومة المصرية على مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تفرضها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
إغراءات مالية غربية
وفي إطار الإغراءات الغربية للسيسي من أجل القبول بمخطط التهجير، قدم الاتحاد الأوروبي إغراءات مالية، للسيسي، حيث أعلن أنه يدرس تقديم حزمة مساعدات مالية كبيرة لمصر قد تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، وربما تخفيض للديون، وذلك “في إطار المساعدة في تحقيق الاستقرار للاقتصاد المصري، ومحاولة منع الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط إلى القارة الأوروبية في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة.
كما يعتزم الاتحاد الأوروبي ضخ استثمارات بقيمة 9.8 مليارات دولار في عدة قطاعات في مصر منها الرقمنة والطاقة والزراعة والنقل، إلى جانب عقد منتدى للاستثمار في ربيع عام 2024 مع إجراءات أخرى لتعزيز أمن حدود البلاد ومكافحة التهريب ضمن خطط الشراكة الاستراتيجية الأوسع مع مصر.
التوسع في بيع الأصول
كما تتوسع حكومة الانقلاب في برنامج بيع أصول الدولة، وهو ما يحقق سيولة نقدية، ومنها؛ إتمام الحكومة صفقة بيع 30% من أسهم الشركة الشرقية للدخان لصالح شركة غلوبال الإماراتية مقابل 625 مليون دولار، ما يجعلها أكبر صفقة منذ إعادة إطلاق برنامج الطروحات الحكومية.
وبإتمام تلك الصفقة، تفقد الدولة السيطرة على حصة الأغلبية في أكبر شركة لإنتاج الدخان في منطقة الشرق الأوسط.
كما تتوقع الحكومة الانتهاء قريبا من بيع حصة مؤثرة في شركات عدة مملوكة للدولة منها شركة إدارة الفنادق الجديدة، والشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية) المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.
سداد قيمة سندات يورو بوند
ويكمن مؤشر الدعم الخامس في التزام مصر سداد الديون المستحقة عليها في الوقت المحدد، أحدث مثال على ذلك سداد قيمة سندات يورو بوند اليوم الاثنين بقيمة 500 مليون دولار طرحتها في العام 2019 لمدة 5 سنوات وبفائدة 4.5%.
استمرار مسلسل القروض الخارجية
ومن بين مؤشرات الدعم كذلك استمرار التوسع في الاقتراض الخارجي، فقد وافق البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد “أفريكسيم بنك”، يوم الاثنين الماضي، على منح قروض جديدة لمؤسسات مصرية بقيمة 3 مليارات دولار.
عودة الغاز الإسرائيلي
كما عادت تدفقات الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، مع استئناف إنتاج حقل تمار الواقع شرق البحر المتوسط، وهو ما يقلل المخاطر الناتجة عن انقطاع الكهرباء وزيادة كلفة الطاقة في مصر بخاصة على قطاع الأعمال والمصانع وشركات لإنتاج الطاقة.
أسباب الانهيار
لكن ورغم تلك المؤشرات، إلا أن سوق الصرف تعاني من أزمات عميقة من أبرزها زيادة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة والناتجة عن تداعيات الحرب على غزة، ونقص السيولة الدولارية في السوق، وسيطرة السوق السوداء على سوق الصرف، وعودة الحديث عن قرب تعويم الجنيه، وضخامة التزامات الديون الخارجية المستحقة على الدولة.
فقيمة تلك الديون المستحقة تبلغ نحو 29.2 مليار دولار خلال العام 2024، وفق بيانات رسمية حديثة، وهذا المبلغ المستحق في عام واحد يعادل 20% من إجمالي التزامات الديون الخارجية.
اضافة إلى ذلك خفض مؤسسات التصنيف الائتماني تصنيف مصر مؤخرا، ومعها خفض تصنيف البنوك الكبرى ومنها البنوك الحكومية، بسبب تصاعد مخاطر التمويل نتيجة التحديات التي تواجه مصر في ما يخص التدفقات بالعملة الأجنبية، بخاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمار المباشر، مع تأجيل صندوق النقد لمراجعاته للاقتصاد المصري؛ بسبب عدم تنفيذ الإصلاحات التي طلبها، وفي مقدمتها تعويم سعر الجنيه وسرعة بيع مزيد من أصول الدولة، إلى جانب تراجع إيرادات النقد الأجنبي بخاصة من أنشطة حيوية مثل تحويلات المغتربين والصادرات.
ومن بين الأزمات كذلك ارتفاع العجز الكلي في مصر خلال أول شهرين من العام المالي الحالي 2023-2024 إلى 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بضغط من زيادة المصروفات، بخاصة فوائد الدين الحكومي التي قفزت بنسبة 161% لتصل إلى نحو 391.77 مليار جنيه بنهاية أغسطس الماضي.
هذه الأزمات وغيرها هي التي فاقمت أزمات الجنيه وانهيار قيمته أمام الدولار والعملات الأجنبية، وستزداد خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع تعدد أسعار الصرف، ووجود فارق كبير بين السوقين الرسمي وغير الرسمي تصل قيمته إلى نحو 20 جنيها للدولار الواحد، وذلك وفق ما يقوله الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام.
وحاجة الحكومة إلى ما بين 5 مليارات و10 مليارات دولار لتغطية تلك الفجوة والحد من نشاط السوق السوداء للعملة، وعدم وجود خطة واضحة لدى الحكومة للحد من الاقتراض الخارجي، وتغطية فاتورة الالتزامات الخارجية الضخمة ومنها أعباء الدين والواردات.
المواطن يدفع الثمن
وأمام تلك الكارثة، فإن المواطن البسيط هو من يدفع ثمن تلك الانهيارات من قيمة الجنيه، إذ ارتفعت أسعار الخضروات والفاكهة والأرز والزيوت والصابون وغيرها من أدوية وملابس ومستلزمات الحياة، وهو ما يسرع من معدلات الفقر في المجتمع ويدفع نحو مزيد من الأزمات الاجتماعية، التي ستقود لا محالة نحو انفجر اجتماعي قد يتصاعد لأزمات سياسية وأمنية.