“المنطقة العازلة”.. هل تتورط مصر في تهجير الفلسطينيين عبر الحدود؟

- ‎فيأخبار

إذا كان هناك شيء واحد يلخص مأزق مصر بسبب تداعيات حرب غزة، فهو مصير رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع المدمر على الحدود المصرية، بحسب ما أفاد تقرير نشره موقع “ناشيونال”.

 

وبحسب التقرير، يبدو أن رفح ستكون المحطة التالية في الحملة العسكرية الإسرائيلية للقضاء على حماس، مع مناشدات من مصر والولايات المتحدة والأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي بعدم شن هجوم بري واسع النطاق في المدينة لا تلقى آذانا صاغية.

 

وتتعرض للخطر حياة نحو نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة والذين لجأوا إلى رفح وهي مدينة مقطوعة إلى نصفين بسبب الحدود التي تفصل مصر عن قطاع غزة.

 

وحذرت الأمم المتحدة صراحة من أن غزو المدينة قد يؤدي إلى مذبحة من شأنها أن تضيف بشكل كبير إلى أكثر من 29,300 فلسطيني قتلوا في الحرب حتى الآن.

 

في مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية الأسبوع، حذر عبد الفتاح السيسي من “عواقب إنسانية كارثية” للفلسطينيين في رفح إذا شنت دولة الاحتلال هجوما بريا في المدينة.

 

وفي سياق أوسع، فإن تداعيات هجوم محتمل في رفح لديها القدرة على زعزعة استقرار مصر، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، وتعرض للخطر معاهدة السلام التاريخية لعام 1979 مع الاحتلال وتخلق عقبة هائلة أمام أي مفاوضات سلام مستقبلية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

 عدم وجود مكان للذهاب إليه

 

ويتصدر قائمة مخاوف مصر احتمال إجبار الفلسطينيين على محاولة اقتحام حدود غزة التي يبلغ طولها 13 كيلومترا إلى مصر، حيث سيدخلون شبه جزيرة سيناء، المنطقة الوعرة والجبلية وذات الكثافة السكانية المنخفضة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

 

وبما أنه من غير المرجح أن تسمح دولة الاحتلال للفلسطينيين بالعودة إلى غزة، فإن إعادة توطينهم في سيناء ستؤدي إلى مزيد من تصفية القضية الفلسطينية، أو نكبة أخرى، وهي الكلمة العربية للكارثة المستخدمة على نطاق واسع للإشارة إلى ما يقدر بنحو 700,000 فلسطيني فروا أو أجبروا على مغادرة منازلهم في وقت قريب من قيام دولة الاحتلال في عام 1948.

 

كما أنه سيجلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأراضي المصرية، وقال السيسي مؤخرا: إن “المسلحين يتسللون دائما إلى الفلسطينيين النازحين الذين يتدفقون على مصر ثم يشنون هجمات عبر الحدود على دولة الاحتلال من قاعدتهم الجديدة، وذلك سيمنح الاحتلال ترخيصا لتنفيذ ضربات انتقامية تستهدف النشطاء على الأراضي المصرية”.

 

يبدو أن تدفق الفلسطينيين إلى سيناء من رفح ليس بعيد المنال ولا من نسج خيال السلطات المصرية.

 

وبالفعل، يعيش الفلسطينيون النازحون في رفح في مخيمات مؤقتة على بعد أمتار قليلة من السياج الحدودي، يلعب أطفالهم على أراجيح مرتجلة باستخدام أعمدة السياج المعدنية.

 

وتظهر الصور واللقطات المنشورة على الإنترنت فلسطينيين يتحدثون مع جنود مصريين يحرسون الحدود، وفي بعض الحالات، يسأل الأطفال لماذا لا يسمح لهم بالعبور إلى مصر.

 

إذا نفذت دولة الاحتلال تهديدها بغزو رفح، يمكن أن تتحول هذه الصور إلى فلسطينيين محشورين على السياج الحدودي، يتوسلون للسماح لهم بالمرور إلى مصر هربا من الموت أو الإصابة.

 

إن عدم السماح لهم بذلك من شأنه أن يلقي بمصر في صورة سلبية للغاية، بلد بلا قلب، غير مبال بمحنة الشعب نفسه الفلسطينيين الذين طالما ادعى الدفاع عن قضيتهم.

 

الاستعدادات على الحدود

 

وتعمل السلطات المصرية بالفعل على ما تصفه مصادر أمنية بأنه “حاضنة” وهي عبارة عن سياج محاط بسور على مساحة 25 كيلومترا مربعا من الأرض في سيناء بالقرب من حدود غزة.

 

وتقول مصادر مطلعة على المشروع: إن “الهدف هو أن تكون مصر قادرة على استيعاب الفلسطينيين الذين قد يهرعون عبر الحدود هربا من هجوم إسرائيلي، وبالتالي تجنيب مصر أي دعاية ضارة يمكن أن تأتي من الفلسطينيين الذين يقتلون في رفح بينما تظل الحدود مغلقة”.

 

وقالت المصادر: إن “ذلك سيسمح أيضا باحتواء الفلسطينيين الذين يصلون إلى مصر في مكان واحد حيث يمكن للسلطات ممارسة أقصى قدر من السيطرة”.

 

ونفت مصر رسميا قيامها ببناء مثل هذه المنشأة وتقول إن صور الأقمار الصناعية للموقع التي نشرتها جماعات المراقبة تظهر العمل على بناء مركز لوجستي للمساعدات إلى غزة.

 

وقالت المصادر التي تحدثت إلى صحيفة “ذا ناشيونال”: إن “هذا النفي الرسمي يهدف إلى تثبيط الاقتراحات بأن مصر قد استسلمت للسماح للفلسطينيين بالفرار عبر الحدود، ومواجهة الاتهامات بأن القاهرة تساعد بشكل غير مباشر المجهود الحربي الإسرائيلي”.

 

وقال أحد المصادر: “إنه إجراء احترازي مشروع من قبل القوات المسلحة أن تكون هذه المنطقة خط دفاع أول إذا اقتحم الفلسطينيون الحدود هربا من النيران الإسرائيلية في رفح”.

 

وأضافت المصادر أن مصر تبني جدارا خرسانيا على بعد 10 أمتار فقط من الأسلاك الشائكة والحواجز على الحدود مع غزة.

 

وأوضحوا أن البناء جاء في أعقاب وابل إسرائيلي على جانب غزة من معبر رفح الحدودي في الأيام الأولى من الحرب.

 

تم إجلاء سكان الجانب المصري من رفح من المدينة بين عامي 2015 و2017، وهو الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن تخوض معارك شبه يومية ضد المتمردين في شمال شرق سيناء.

 

ونص مرسوم حكومي صدر في عام 2021 على إخلاء رفح – ويعتقد أن ما يصل إلى 3,000 أسرة قد تضررت – وقدم للسكان تعويضات مالية وإسكانا في المدن والبلدات والقرى المجاورة، ومنذ ذلك الحين وضعت المنطقة تحت السيطرة العسكرية المباشرة.

 

وبموجب أحكام معاهدة السلام الموقعة بينهما عام 1979، فإن عدد القوات التي يمكن نشرها في المنطقة الحدودية مقيد بشدة، ومع ذلك، تجاهلت كل من مصر ودولة الاحتلال نص الملحق الأمني للمعاهدة، حيث عززت مصر قواتها في المنطقة وحشد الكيان قوات ليست بعيدة عن جانب غزة من الحدود.

 

وقالت المصادر: إن “وجود قوات على أي من الجانبين يمكن أن يخلق وضعا متفجرا إذا كانت هناك عملية عسكرية كبيرة جارية في رفح، وإن هذا بدوره قد يؤدي إلى احتمال قصف غير مقصود للقوات المصرية أو سقوط قتلى وجرحى نتيجة للقصف القريب”.

 

وقال أحد المصادر: “القيادة الشاملة لقواتنا هناك هي ممارسة ضبط النفس الشديد”.

 

رابط التقرير: هنا