قالت منصة “الموقف المصري” إن “إلغاء ولاية القضاء على جهاز الشرطة، وكأنّ جهاز الشرطة هو جهاز فوق القانون، هو حلقة جديدة من التعدي على سيادة القانون”.
وقبل أيام، نشرت الجريدة الرسمية قرار بتصديق عبدالفتاح السيسي على تعديل بقانون جهاز الشرطة عن طريق إضافة المادة ١٠٢ مكرر، التي تنص على إسقاط أحكام القضاء المتعلقة بقرارات جهاز الشرطة في فصل أعضائه بعد مرور عام من صدورها.
وأضافت المنصة في ورقتها التي كانت بعنوان “السيسي يستثني الشرطة من تنفيذ أحكام القضاء، الإجهاز على دولة القانون مستمر” فإذا فُصل موظف لديه والقضاء حكم بإعادة الموظف، الحكم بالنسبة للجهاز لا شيء، يتجاهله ويسقطه وينظر فيه كأنه مؤسسة حاكمة على المؤسسة القضائية وليس العكس.
وأضافت أن السيسي بقراره نزع صلاحيات القضاء الإداري بقانون عام لتجاوز أي سلطة للقضاء الإداري، لكنه من ٢٠٢١ كان بالفعل همّش دور القضاء الإداري في حماية الموظفين الحكوميين تماما لما أصدر قانون ١٣٥ لسنة ٢٠٢١، موضحة أن قراره ذلك يعطي السيسي الحق في فصل الموظفين بدون الطريق التأديبي، باستخدام عصا تدمر أي قانون أو مؤسسة في البلد، بدعوى الحفاظ على الأمن القومي.
وأشارت إلى قرار أخير صدر بحكم من القضاء الإداري يؤيد قرار السيسي بفصل موظف من وزارة العدل، رغم تميز ملفه الوظيفي، بحجة أن القانون يتيح للرئيس فعل ذلك حفاظا على الأمن القومي.
المادة 102
وقالت المنصة إن “التصديق على تعديل بقانون جهاز الشرطة عن طريق إضافة المادة ١٠٢ مكرر التي تنص على إسقاط أحكام القضاء المتعلقة بقرارات جهاز الشرطة في فصل أعضائه بعد مرور عام من صدورها، نموذج للركاكة القانونية اعتدنا عليه في السنوات الأخيرة.
وأشارت إلى أن هذه الركاكة جعلتنا نترحم على أيام ترزية القوانين في عهود سابقة، حيث أصبحت القوانين الجديدة تصدر بمحض إرادة السلطة بدون حتى جهد في مراعاة التناسق مع الدستور أو سائر القوانين أو وضوح ودقة صياغة القانون، مشيرة إلى أنه أحيانا لا يعرف الغرض من القانون أصلا.
واستعرضت الورقة نص المادة 102 وصياغتها: “يسقط الحق في المطالبة بتنفيذ الأحكام الصادرة بإلغاء قرارات إنهاء الخدمة بمُضي سنة من تاريخ صدور الحكم واجب النفاذ لصالح المدعي، ويجب عند التنفيذ استمرار توافر الشروط اللازمة لشغل الوظيفة”.
وأوضحت أنها صياغة شديدة الرعونة، لأنها تقول إن فيه حكما واجب النفاذ، يسقط بعد سنة، فلماذا لا يسقط من البداية ونلغي الولاية القضائية في هذه المساحة؟.
أسئلة كاشفة
وفسرت ذلك بأنه لا يمكن إلغاء الولاية القضائية وهي تعني إلغاء القضاء من الأصل، وتساءلت إذا كانت الولاية قائمة والحكم واجب النفاذ، فكيف يسقط بعد سنة ؟ ولماذا لم ينفذ خلال السنة ؟ وهل سيحاسب من عطّل تنفيذ حكم القضاء من هذا النوع؟.
وتابعت الأسئلة المتعلقة بعوار التعديل القانوني، والحاجة لتفسير مقنع، فلفتت إلى سؤال شديد الأهمية، عن الحاجة لهذا التعديل من الأساس، عندما تصبح متطلبات شغل وظيفة الشرطي والتي لها متطلبات في اللائحة التنفيذية للشرطة فلماذا تعدل مادة في القانون نفسه، هل السبب هو إقصاء معنين كمن لهم آراء سياسية مثلا؟ وهل المناخ السلطوي السائد عاجز عن إحالتهم على المعاش بدون اللجوء للعبث بالقوانين؟.
وأوضحت أن الفقرة التالية في القانون تضع شرط إداري على الحكم القضائي، من خلال اشتراط استمرار الشروط اللازمة لشغل الوظيفة في وقت تنفيذ الحكم الصادر بإعادة الموظف لعمله، وهنا السؤال: من الذي يحكم باستمرار الشروط؟ فالقضاء حكم بأنه لا مبرر للفصل، والقضاء هنا المحكمة الإدارية التي رأت بذلك أن شروط شغل الوظيفة متوفرة فيه، وهيئة مفوضي الدولة التي تقوم بدور محاميي الحكومة لم تقدم تبريرا.
واستدركت، كيف لموظف إداري في جهاز الشرطة يكون حكما على المحكمة الإدارية، ويقول لن أنفذ حكمها لأنه لا يرى شخص بعينه مستوف الشروط للرجوع إلى العمل في الجهاز من جديد؟
وعلقت المنصة أن المشكلة الآن في القانون ليس فقط في ركاكة صياغته، بل الأخطر هو تأسيس انفلات الشرطة من سيادة القانون والقضاء، وينهي ولاية القضاء على قرارات جهاز تنفيذي هو وزارة الداخلية، مشددة على أن سيادة القانون أو سيادة أحكام القضاء وفقا للقانون؛ على السلطة التنفيذية هي أحد الدروع الأخيرة لحماية المواطن من ظلم الحكومة أو أي مسئول فيها أو أي قرار حكومي يعتدى على حقوقه الأساسية المضمونة دستوريا.
وداعا سيادة القانون
واستعرضت الورقة نماذج لتغول السلطة على القضاء في حكم المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة التاريخي ببطلان التنازل عن جزيرة تيران وصنافير، واندلعت معركة واضحة بين السيسي ومجلس الدولة، وعدل السيسي بمعاونة البرلمان التابع له، قانون السلطة القضائية سنة ٢٠١٧ للتخلص من المستشار يحيى الدكروري وتعيين رئيس مجلس دولة مرتبط به، ثم في ٢٠١٩ تم القضاء على أي استقلال للقضاء عموما ومجلس الدولة تحديدا بعد تعديل الدستور لجعل السيسي متحكما في مؤسسة القضاء، ونزع حق مجلس الدولة في النظر في العقود الحكومية لقطع الطريق على دور القضاء في الرقابة على تصرفات الحكومة في أصول الدولة والمال العام.
وأشارت الورقة إلى أنه في سنة ١٩٤٦، تأسس مجلس الدولة في مصر ليكون المؤسسة القضائية المسئولة عن الفصل في المنازعات بين المواطنين والحكومة أو فرض المراجعة القضائية على القرارات الحكومية، وهو نفس الدور الموجود للمؤسسة القضائية في النموذجين الأبرز للأنظمة القضائية في العالم، النموذج الأوروبي ممثل في حالة فرنسا، والنموذج الأمريكي المستقر منذ مطلع القرن التاسع عشر على حق المحاكم الأمريكية في المراجعة القضائية للقرارات الحكومية.
إهانة القضاء
واعتبرت الورقة أن التعديل هو جزء مما حدث للقضاء في مصر، وكيف تحول من رقيب على الحكومة إلى ذراع لها لتمرير قراراتها والاصطفاف معها في الصراعات السياسية.
وأسفت الورقة على واقع حال المؤسسة القضائية في مصر، التي آل وضعها إلى تجريده من ولايته القضائية والاستهانة بأحكامه والتلاعب بقوانينه ومؤسساته، وأن ذلك بدأ من داخل المؤسسة القضائية نفسها ومثير من قضاتها.
وأضافت أن السياسة وكل عالم تحكمه المصالح، لن يكتف الطرف المستفيد بشيء طالما يستطيع الحصول على أكثر منه، مؤكدا أن النظام يواصل التخلص من أي سلطة أو ولاية للقضاء من خلال سلاسل التشريعات والقرارات.
واعتبرت أن حجة الأمن القومي وحجة الحاجة الأمنية والتذرع بها في كل قرار حكومي فهي حجة واهية، لأن الشرطة مؤسسة مدنية وفقا للقانون والدستور، دورها الحفاظ على الأمن بالامتثال للقانون، ولا علاقة لها بأعمال السيادة كي يتم تحصين قراراتها من الطعن القضائي.
https://twitter.com/AlmasryAlmawkef/status/1763229923592765946