أحمد السيد النجار يكتب: هل كانت مصر “أي حاجة” وحوّلها السيسي إلى بلد؟

- ‎فيمقالات

 

لم يرد في خيالي أن مصر العظيمة سيأتي عليها يوم ليصرّح رئيسها في محفل عام بأنه “لم يجد بلدا”، وأنه “وجد أي حاجة”، وأنهم – لا أدري من هم – قالوا له “خد دي”، وأنه “عملها خلاص وخلاها بلد قادرة تبقى بلد”.

 

هل كانت مصر؟

والحقيقة أن مصر بلد عظيم المكانة منذ فجر التاريخ وحتى الآن، وموجود وملهِم للإنسانية ومؤسّس لضميرها من آلاف السنين، وقبل أن يوجد أي منا، وسيظل كذلك بعد أن نغادر ويغادر الرئيس مشهد الحياة كلها، ولا يحق لأي أحد أن يقول أو حتى يطوف بخياله أنه هو “اللي خلا مصر بلد”.

 

أعتقد أنها زلة لسان كان ينبغي التراجع عنها علنا كما قيلت علنا، أما القول بأنهم قالوا له “خد دي”، فالحقيقة أنه سعى لأخذها بكل ما أوتي من قوة بالانتخابات أول مرة، وباستبعاد أهم من حاول الترشح في المرة الثانية، وقام أنصاره بتعديل الدستور ليتمكن من إطالة فترة حكمه بفترة رئاسية إضافية، وبتطبيق التعديل الدستوري على فترة رئاسته الثانية التي كانت قد بدأت قبل ذلك، لإطالتها رغم أن القوانين لا تطبّق بأثر رجعي.

 

أما ما فعله الرئيس في اقتصاد مصر خلال سنوات حكمه الطويلة، فيما يلي بعضا منه بالبيانات الرسمية وبإيجاز:

 

  • زادت الديون الداخلية من 1816 مليار جنيه عندما اعتلى سدة الحكم، إلى 8312 مليار جنيه في العام المالي الحالي بزيادة نسبتها 358%، وأصبحت مغذيا رئيسيا للتضخم.

 

  • زادت الديون الخارجية بنسبة 257% لترتفع من 46,1 مليار دولار في بداية حكمه، إلى 164,7 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، وأصبح متوسط نصيب الفرد منها نحو 1446,3 دولار في العام المالي 2022/2023، بعد أن كان 506,4 دولار عام 2013/2014. وترتب على تلك الديون بيع حصة المال العام في العديد من الشركات والبنوك الرابحة لسداد أقساطها وفوائدها، ووصل الأمر مؤخرا إلى بيع أرض الأمة في رأس الحكمة للأجانب، لاستخدام العائد في سداد الديون وأقساطها، رغم أن هذا البيع نفسه سيترتب عليه التزامات دولارية هائلة في المستقبل القريب عندما ترغب الشركة المشترية في تحويل أرباحها للخارج.

 

  • انهار الجنيه المصري أمام الدولار، ووفقا للبيانات الرسمية ارتفع الدولار من 7 جنيهات عندما تسلم الرئيس السيسي الحكم إلى قرابة 50 جنيها في الوقت الراهن، أي أنّ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ارتفع 600% خلال فترة حكم الرئيس السيسي، وهذا الارتفاع يؤدي إلى زيادة أسعار كل السلع المستوردة بنسبة ارتفاع الدولار نفسها مقابل الجنيه، وبالتبعية ترتفع أسعار كل السلع المحلية التي يدخل فيها أي مكوّن مستورد، ويتبعها باقي السلع والخدمات التي ارتفعت تكاليف إنتاجها على ضوء التضخم العام، وهذا الارتفاع في الأسعار يعني تآكل الدخول الحقيقية أو القدرة الشرائية للدخول، وبخاصة لأصحاب الدخول شبه الثابتة من أرباب المعاشات والعاملين بأجر، كما يعني زيادة الفقراء فقرا والأثرياء ثراء.

 

تآكل القدرة الشرائية للدخول وانخفاض مستويات المعيشة، وسقوط الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى إلى مصاف الفقراء

 

  • تم إلغاء ضريبة المبيعات ونسبتها 10%، وحلّت محلها ضريبة القيمة المضافة ونسبتها 14%، أي أنه تم رفع تلك الضريبة غير المباشرة بنسبة 40% دفعة واحدة، والضريبة غير المباشرة هي ضريبة عمياء تصيب كل من يستهلك السلع والخدمات التي فرضت عليها بلا تمييز بين فقير أو غني، وبالتالي فإن المموّل الرئيسي لها هو الطبقة الوسطى والفقراء، كما تم فرض ضريبة على اتصالات المحمول بنسبة 30%، وهي بدورها ضريبة غير مباشرة وعمياء ويتحمل عبئها الفقراء والطبقة الوسطى، كما تم تفعيل ضريبة التصرفات العقارية التي يتم تطبيقها على الأشخاص الحقيقية فقط، أي إلى من ينتمون للطبقة الوسطى، بينما تعفى الأشخاص الاعتبارية أي الشركات العقارية منها في ظلم فادح للطبقة الوسطى، وقد زادت حصيلة كل الضرائب من 260 مليار جنيه في العام المالي 2013/2014، قبل استلام السيسي للسلطة، إلى 1204 مليار جنيه حصيلة متوقعة في العام المالي 2022/2023، ووفقا للموازنة العامة للدولة فإن الحصيلة ستبلغ 1530 مليار جنيه في العام المالي 2023/2024.

 

  • تمّت مضاعفة أسعار الكهرباء والمياه بصورة مرهقة للطبقة الوسطى وبخاصة لأرباب المعاشات والعاملين بأجر.

 

  • زاد معدل ارتفاع أسعار المستهلكين (التضخم) من 6,9% عام 2012/2013، إلى 10,1% عام 2013/2014، ثم بلغ 13,5% سنويا في المتوسط خلال الفترة من عام 2014/2015 وحتى عام 2022/2023 وفقًا للبيانات الرسمية التي تخفض هذا المعدل عن الارتفاعات الواقعية لأسعار المستهلكين في الحقيقة، وبلغ المعدل الشهري المقارن بالشهر المناظر في السنة السابقة ما يتراوح بين 30% و 40% في الشهور الستة الأخيرة، وارتفاع أسعار المستهلكين أو معدل التضخم يعني تآكل القدرة الشرائية للدخول وانخفاض مستويات المعيشة وسقوط الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى إلى مصاف الفقراء.

 

وقد زاد معدل الفقر أو نسبة الفقراء من عدد السكان، من 26,3% عام 2012/2013 إلى 27,8% عام 2014/2015، وارتفع المعدل بعد ذلك بقوة ليبلغ نحو 32,5% من عدد السكان في العام 2017/2018 وفقا لكتاب مؤشرات الدخل الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات رسمية متاحة، ومع التضخم الكبير في عام 2023 والمستمر في عام 2024، من المؤكد أنّ هناك زيادة كبيرة في معدل الفقر أو نسبة الفقراء من عدد السكان، وللعلم فإن خط الفقر لدول الدخل المتوسط المنخفض، التي تُعد مصر واحدة منها، هو 3,65 دولار للفرد في اليوم، بما يعني أنّ الأسرة المكوّنة من 4 أفراد (زوج وزوجته وطفلين)، إذا قلّ دخلها عن 14,6 دولارا يوميا، أي 438 دولار شهريا وفقا لتعادل القوى الشرائية، تُعد أسرة فقيرة.

 

لم تستفد ميزانية الدولة من قيمة الأرض التي خُصّصت للعاصمة الإدارية حيث ذهبت إلى جهاز أراضي القوات المسلحة

ويمكنكم تصوّر ما آل إليه معدل الفقر، بناء على تطورات التضخم وتآكل الدخول الحقيقية التي لم يجد معها رفع الحد الأدنى للأجر للعاملين في الحكومة، والذي لم يطبّق على الكتلة الأعظم من العاملين في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي، وحتى على العاملين في القطاع العام.

 

  • انخفضت نسبة الإنفاق العام على التعليم والصحة إلى أدنى مستوياتها، ويبلغ الإنفاق العام على التعليم 229,9 مليار جنيه في موازنة عام 2023/2024 بما يعادل 1,9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المذكور، بما يشكل مخالفة صريحة للدستور الذي يلزم الحكومة بتخصيص 6% من الناتج القومي للإنفاق العام على التعليم الجامعي وقبل الجامعي، وكان الإنفاق العام على التعليم قد بلغ نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2013/2014 قبل صعود الرئيس السيسي للحكم.

 

وفي العام المالي 2023/2024 خصص مشروع الموازنة العامة للدولة نحو 147,9 مليار جنيه للإنفاق العام على الصحة بما يعادل نحو 1,3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر للعام المالي المذكور، رغم أنّ الدستور يلزم الحكومة بتخصيص 3% من الناتج القومي للإنفاق العام على الصحة كآلية ضرورية للحفاظ على الصحة العامة ولتقديم الرعاية الصحية للفقراء ومحدودي الدخل.

 

  • حدثت طفرة في البنية الأساسية، سواء في إنشاء طرق وكباري وأنفاق جديدة أو تطوير الطرق القديمة، وحسب وزارة النقل تم الانتهاء من مشروعات للطرق بأطوال 5000 كيلومتر وبتكلفة 127 مليار جنيه، وتم تنفيذ 857 كوبري ونفقا بتكلفة إجمالية قدرها 120 مليار جنيه ويتقدم العمل في مشروعات بأطوال 1400 كم بتكلفة 38 مليار جنيه، ويجري تنفيذ 11 محورا بتكلفة 20 مليار جنيه، إضافة إلى العديد من مشروعات تطوير الطرق الرئيسية والمحلية في المحافظات بتكلفة ضخمة أخرى، ورغم الأهمية القصوى لتحسين وتطوير وإنشاء بعض الطرق والكباري والأنفاق، إلا أنّ هناك بعض الطرق الأقل ضرورة التي كان من الأجدى توجيه الاستثمارات التي تم تخصيصها لإنشائها، إلى قطاع الصناعة التحويلية الذي تشكل عملية تطويره الرافعة الرئيسية لتطوّر وتقدّم أي اقتصاد نامي، وهو في مصر في حالة تباطؤ وصلت إلى الركود العميق منذ العام المالي 2020/2021.

 

  • وجهت حكومة السيسي، القدرات المالية والجهود نحو قطاع العقارات من خلال العاصمة الإدارية الجديدة، وبما أن أي اقتصاد له طاقة حمل، فإنّ تلك العاصمة استقطبت جزءا كبيرا من طاقة الاقتصاد العام والخاص في مشروع عقاري في النهاية، في بلد به مخزون عقاري عملاق بلغ 2 مليون مبنى متعدد الشقق وكامل التشطيب وغير مستخدم وفقا لآخر تعداد للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما أنّ الموازنة العامة للدولة لم تستفد من قيمة الأرض التي خصصت لتلك العاصمة ومساحتها 800 كلم مربع، أي 800 مليون متر مربع، حيث ذهبت إلى جهاز أراضي القوات المسلحة، كما أن البنية الأساسية الخارجية التي تربطها بباقي الوطن وقع عبئها كليًا على الموازنة العامة للدولة المدنية لتُفاقم من عجزها.

 

مصر بلد عظيم المكانة من قبله ومن بعده

  • تركّز النمو في القطاعات غير الإنتاجية، وتشير البيانات الرسمية إلى أنه في العام المالي الأخير 2022/2023 بلغ معدل النمو في قطاع الزراعة نحو 4,1%، بينما دخل قطاع الصناعة التحويلية وهو أهم قطاع محرّك للتطور في الاقتصادات النامية في ركود عميق حيث بلغ معدل النمو فيه -3,4%، وحتى الصناعات الاستخراجية كانت في حالة ركود وبلغ معدل النمو فيها -1,3%. أما القطاعات التي يرتكز عليها النمو فهي قطاع الأنشطة العقارية وخدمات الأعمال والذي بلغ معدل النمو فيه 28% في العام المالي 2022/2023، وقناة السويس التي بلغ النمو في ناتجها أو دخلها 18,4%، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي بلغ النمو فيه 16,3%، أما قناة السويس فإن الناتج فيها أو دخلها معتمد على أمور خارج سيطرة مصر مثل تطوّر حجم التجارة العالمية المارة عبرها، وأمن المرور في البحر الأحمر وخليج عدن المؤديين إليها، أما قطاع الاتصالات فهو قطاع خدمي والتوسع فيه لا يعني توسّع في خدمة إنتاجية، بل يعني بالأساس التوسّع في حجم الاتصالات الشخصية.

 

هذا باختصار بعضا مما فعله السيسي في مصر العظيمة خلال رئاسته لها، وهي بلد عظيم المكانة من قبله ومن قبل جيلنا كله، ومن بعده ومن بعد جيلنا بأكمله.

نقلا عن “عروبة 22”