في ظل سياسات التوحش الرأسمالي، التي أدمنها العسكر، بات ملايين الطلاب والتلاميذ المصريين عُرضة لتوقف مسارهم التعليمي والتسرب من التعليم أساسًا، في ظل زيادات جنونية في مصاريف الدراسة وتكدس الفصول وغلاء الزي المدرسي وجنون أسعار الأدوات المدرسية، بنسب تتجاوز 500%.
وفي مشهد مزعج لأكثر من 25 مليون تلميذ مصري في مرحلة التعليم قبل الجامعي، ونحو 2 مليون طالب جامعي، استقبلوا العام الدراسي الجديد في حالة من العسر المالي والتعثر غير المسبوق في توفير مستلزماته، رَفعت الحكومة يدها عن تحمل مسؤولياتها تجاه التعليم، وأحالت تكاليف التعليم إلى المواطنين بأشكال مختلفة، متحررة من المجانية التي فرضتها الدساتير والقوانين المصرية منذ عقود.
أرقام الكارثة
وليس أدل على ذلك من خفض موازنة التعليم؛ إذ تشير بيانات حكومية إلى انخفاض مخصصات التعليم بالموازنة من 3.6% في العام الدراسي 2015-2016، إلى 1.9% في موازنة 2023-2024.
وتتراجع مخصصات التعليم منذ عام 2015 في الموازنة العامة للدولة، وتزداد النسبة سوءًا إذا قيست بمعدل تدهور قيمة الجنيه، الذي انخفضت قيمته بنسبة 300%، من 15.5 جنيهًا إلى 49 جنيهًا حاليًا.
وتسبب هذا التراجع في وجود عجز بنحو 250 ألف فصل دراسي، وعدم قدرة الدولة على تعيين 450 ألف مدرس تحتاجهم وزارة التربية والتعليم، وتوقف بناء جامعات حكومية جديدة لصالح بناء جامعات أهلية بمصروفات، كلفت الموازنة العامة 39 مليار دولار حتى عام 2022، وفقًا لبيانات رسمية.
فرضت الحكومة رسومًا على المدارس التي بنتها اليابان لخدمة عامة المصريين مجانًا تصل إلى 20 ألف جنيه، كما رَفعت أسعار المدارس التجريبية وأحالت بعضها إلى مدارس دولية، رغم تخلصها من مدارس النيل الدولية التي أنشئت بدعم دولي بالإسناد المباشر، إلى شركة خاصة ضاعفت قيمة الرسوم السنوية ثلاث مرات قبيل العام الدراسي بأيام.
ومع تراجع مخصصات التعليم في الموازنة الجديدة، باتت المدارس تُعاني من ندرة الإمكانات وشح المدرسين وتكدسًا مزمنًا للطلاب داخل الفصول، مما أدى إلى تشغيل العديد منها ثلاث فترات على مدار اليوم.
كما تتعرض أعداد المدارس الحكومية للتراجع، مع رغبة الحكومة في التوسع في خصخصة التعليم، حيث لجأت إلى إسناد مدارس النيل للغات إلى شركة خاصة، وعرضت مئات المدارس أمام المستثمرين لتوسيعها وإدارتها لفترة زمنية تصل إلى 30 عامًا، وفرضت أسعارًا جبرية على المدارس التي تساهم في تمويلها دول ومؤسسات أجنبية، بالتوازي مع زيادة عدد الجامعات الأهلية والبرامج الخاصة، في إطار تخلص الحكومة من أعباء التعليم.
ومن ضمن الجشع القاتل لمجانية التعليم، فرضت الوزارة 100 جنيه عن الحصة الواحدة في درس التقوية، بينما يبلغ متوسط سعر المادة بمعدل 12 حصة شهريًا لدى المدرسين الخصوصيين ما بين 120 إلى 150 جنيهًا.
ولحصار الطلاب وأولياء الأمور في مجموعات التقوية بالمدارس، التي تفوق طاقتهم، استبقت الوزارة العام الدراسي بشن حملات مكثفة على مراكز الدروس الخصوصية، والهجوم على مقار المدرسين المعروفين بتنظيمهم حلقات تعليمية خاصة داخل منازلهم، ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الدروس الخصوصية، مع إقبال أولياء الأمور على الاستعانة بمعلمي الدروس الخصوصية داخل منازل الطلاب، وتقليل عدد المجموعات، مما يزيد من تكلفة الحصة والأعباء الملقاة على عاتق الأسر.
ارتفع سعر حصة الدرس الخصوصي في المدن إلى 350 جنيهًا (وتصل إلى 500 جنيه في مدارس اللغات الخاصة)، بينما يعتمد مدرسو مناهج المدارس الدولية أسعارًا خاصة لكل مادة تشمل المنهج الدراسي، تتراوح بين 10 آلاف و20 ألف جنيه للمادة.
وأد مجانية التعليم الجامعي
وفق دراسة اقتصادية لمركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية، فإن تراجع مخصصات التعليم أدى إلى تخفيض الأماكن المجانية المتاحة أمام خريجي المدارس الثانوية الحكومية في الجامعات، وأشارت الدراسة إلى ارتفاع نسبة طلاب المدارس الحكومية إلى 25.5% خلال السنوات العشر الماضية، بينما يمثلون 81% فقط من خريجي الجامعات، حيث تُوجه المقاعد المخصصة لهم إلى الطلاب القادرين على دفع تكلفة الدراسة بمصروفات عالية داخل الكليات الحكومية.
وتظهر الدراسة حرص الجامعات الحكومية على التوسع في إنشاء برامج دراسية ذات مصروفات مرتفعة العائد، بعضها يدفع بالدولار، وتدريس مناهج متقدمة غير موجودة في الأقسام المجانية، لتوفير موارد ذاتية للإنفاق على أنشطتها.
وتؤكد الدراسة أن هذه السياسات تعبر عن تراجع الحكومة عن مسؤولياتها في توفير فرص التعليم المجاني للجميع.