بدءًا من الثلاثاء المقبل، سيتم إغلاق حديقة الزهرية التراثية بمنطقة الزمالك للتطوير، وفقًا لما أبلغت به إدارة الحديقة التراثية روادها، أمس السبت.
وكشف موظفو الحديقة أن الحديقة ستغلق أبوابها يوم الثلاثاء المقبل لمدة 6 أشهر، استعدادًا لعملية تطوير تحت إشراف وزارة الدفاع.
وقالت الفنانة التشكيلية فاطمة أبو دومة، التي تتردد على حديقة الزهرية منذ عامين:
“علمنا منذ فترة أن الحديقة ستغلق أبوابها يوم 8 أكتوبر الجاري، وستُسلمها وزارة الزراعة للقوات المسلحة لبدء مشروع تطوير، لكن الخبر كان صادمًا ومقلقًا، خاصة أننا لا نعرف ملامح هذا التطوير وإلى أي مدى سيؤثر في شكلها الجمالي.”
يشار إلى أن حديقة الزهرية أنشأها الخديوي إسماعيل سنة 1868، وتحتوي على صوبات أثرية وأشجار نادرة وطراز معماري يتجاوز عمره 100 عام.
وفقًا لشهادات فنانين تشكيليين ورياضيين وأدباء يترددون على “الزهرية”، تتمتع الحديقة بهدوء وجمال تراثي عريق، ومُعتنى بها بشكل جيد من قِبل الموظفين المرتبطين بها، رغم ضعف الإمكانات.
تعرب أبو دومة عن مخاوفها من الإغلاق قائلة: “لن يكون هناك متنفس نذهب إليه الآن إذا أغلقت، فهي المساحة الخضراء الوحيدة في وسط زحام القاهرة، نطالب بتأجيل أي مشاريع لتطويرها حتى افتتاح حديقتي الأورمان والحيوان.”
أطلق عدد من رواد الحديقة عريضة إلكترونية تدعو المواطنين للتوقيع عليها للمطالبة بوقف تنفيذ مشروع التطوير وتشكيل لجنة من المتخصصين للترميم، وأنشأوا لذلك صفحة على فيسبوك.
وشددت العريضة على ضرورة عدم المساس بالمساحات الخضراء بل التوسع فيها، والاستعانة بالخبراء لوضع خطة لرعاية الأشجار التراثية، وخبراء الترميم فيما يخص الصوبات التاريخية، والحفاظ على الحديقة كوحدة متكاملة.
قرار غير دستوري
من جهته، اعتبر المحامي البيئي أحمد الصعيدي أن غلق الحديقة استمرار للهجوم الشرس على الحدائق، والذي بدأ بحديقتي الأورمان والحيوان، وقال في تصريحات صحفية: “للأسف، نواجه هجومًا غير طبيعي أو قانوني على الأشجار منذ أواخر عام 2018، هناك عداء شديد من الدولة ضد المساحات الخضراء، وخاصة الحدائق العامة، مع تقليصها أو إزالتها تحت دعوى التطوير وبناء المشروعات العامة.”
وأضاف الصعيدي: “لا توجد حديقة تراثية يجري تطويرها، هذا لا يحدث في أي مكان بالعالم، بل تخضع للترميم، ومشروع تطوير حديقة الزهرية التراثية هو كارثة تنتهك صراحة مواد الدستور 45 و46 و50، التي تُلزم الدولة بالحفاظ على المساحات الخضراء والحق في بيئة صحية وسليمة للمواطنين، والحفاظ على التراث.”
وتابع: “حديقة الزهرية مسجلة كأثر، وهو ما يجعل ترميمها يخضع للدليل الإرشادي للحدائق ذات الطابع المعماري المتميز، والمعتمد من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية بقرار 44/8/21/09.”
وأوضح الصعيدي أن “الحديقة، لكونها تراثية، تخضع لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، وهو يستلزم إجراء دراسات تقييم للأثر البيئي والاجتماعي قبل البدء بأي عملية ترميم، بما يتضمنه من مشاركة وتشاور مع أصحاب المصلحة المعنيين من خلال عرض المشروع في جلستي استماع عامة.” وأضاف: “لم تتم دعوة أحد للتشاور، ولا نعرف حتى الآن ما هي خطة التطوير.”
لماذا الجيش؟
من جهتها، استنكرت نادرة زكي، رئيسة مجلس إدارة جمعية تنمية الزمالك، غياب الشفافية وتولي جهات غير متخصصة لمشروع التطوير. وقالت: “على أي أساس تكون وزارة الدفاع مسؤولة عن الحدائق؟”
وأضافت: “كلمة تطوير أصبحت شائكة جدًا. نحن أمام حديقة تراثية تضم أشجارًا نادرة، فهي تحتاج إلى الترميم، وليس التطوير.” وتساءلت: “أين دور المشاركة المجتمعية في هذه القرارات؟ الأمور تقال لنا دون أن يكون هناك أي مشاركة.”
وتابعت: “لم نتلقَ كجمعية أهلية أو كسكان حي الزمالك أي قرار بإغلاق الحديقة، بل علمنا من روادها، ومن خلال تواصلنا مع عضو مجلس النواب عن حي الزمالك، أشرف حاتم، علمنا بتسليم وزارة الزراعة الحديقة للقوات المسلحة.”
وتساءلت زكي عن دور وزارة الدفاع في التطوير، قائلة: “لدينا خبراء متخصصون محترفون في مجال الزراعة والآثار، والعاملون في الحديقة هم أكثر من يعرف احتياجاتها، فهم يعرفون كل شجرة وكل شبر فيها.”
وينص الدليل الإرشادي لترميم الحدائق ذات الطابع المعماري المتميز على أن الجهات المعنية تنقسم إلى جهات رسمية، وهي المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والمحافظة، ووزارات الزراعة واستصلاح الأراضي، والآثار، والبيئة، والموارد المائية والري، والتنمية المحلية، وجهات غير رسمية مثل الجمعيات الأهلية.
يُشار إلى أنه في 9 يوليو 2023، أغلقت وزارة الزراعة حديقة الحيوان لتتولى مجموعة من الشركات الوطنية والخاصة تطويرها “لتصبح على غرار حدائق الحيوان العالمية”، حسبما أعلنت الوزارة آنذاك.
وأعلنت وزارة الزراعة في يناير الماضي أن الحديقتين ستظلان تحت ولاية الوزارة، وسيتم إنفاق ما لا يقل عن مليار جنيه دون أن تتحمل “الزراعة” أي أعباء، مقابل حصولها على حق الانتفاع بالحديقتين بعائد سنوي يفوق أضعاف ما تحققه الحديقتان حاليًا، مع زيادة سنوية مُطردة.