في ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة، يقف مستشفى النيل للتأمين الصحي.. مباني المستشفى من الخارج فخمة، لكن في داخلها واقع مؤلم لمرضى يواجهون الموت دون محاولة إنقاذ أو تقديم أدنى رعاية طبية.
مشهد يوميّ يتكرر في أرجاء المستشفى؛ مرضى وذووهم يعانون من منظومة صحية متدهورة تغيب فيها الرعاية الصحية، ويتحول الحق في العلاج إلى معركة يخوضها الفقراء ضد بيروقراطية مستعصية وإهمال لا مبرر له، وكوادر طبية تفتقر إلى الإحساس بالمسؤولية.
كان من المفترض أن يكون مستشفى النيل للتأمين الصحي أحد أكبر معاقل تقديم الرعاية الصحية لأبناء شبرا الخيمة والمحافظات المجاورة، لكنه صار بؤرة للإهمال والفوضى، ويجد المرضى المترددون عليه أنفسهم بين مطرقة البيروقراطية وسندان الإهمال الطبي الصارخ. ولا يقتصر الأمر على نقص الكوادر الطبية، بل تجاوز ذلك إلى غياب الرقابة والإشراف على سير العمل داخل المستشفى.
طوابير طويلة
المواطنون الذين يحتاجون إلى تدخلات طبية عاجلة يُتركون ساعات، بل أيامًا، دون أن يلتفت إليهم أحد، الطاقم الطبي يبدو إما منشغلًا بأمور شخصية أو غارقًا في الروتين الإداري الذي يقتل أرواح المرضى ببطء.
الطوابير الطويلة والانتظار اللانهائي مشهد يومي في المستشفى، حيث يتجمع المرضى على الكراسي، وعلى الأرض ينتظرون دورهم وسط تدهور أحوالهم الصحية.
المعاناة لا تقتصر على فرد أو اثنين، بل هي حالة عامة تطول الجميع، وعلى رأسهم كبار السن الذين يفترض أن يكونوا على رأس أولويات الرعاية الطبية بسبب ضعف صحتهم واحتياجهم إلى علاج فوري، لكن الإهمال الطبي يجعلهم يواجهون الموت.
مشاهد مؤلمة وصرخات متتالية ووقائع داخل وخارج مستشفى النيل تعكس حقيقة مريرة عن مستوى الخدمة الطبية المقدمة للمرضى وكبار السن. أول المشاهد لرجل مصاب بجروح وكسور مضاعفة في ساقه، يجلس على السلالم الخارجية للمستشفى محاولًا بيديه إيقاف نزيف جروحه بمواد أولية لا تكاد تحميه من العدوى القاتلة.
مشهد آخر لرجل يصرخ من شدة الألم، يجلس على الرصيف، مهملًا من الطاقم الطبي الذي من المفترض أن يتدخل لإنقاذه وتقديم الرعاية اللازمة له، ما يجسد فشل المستشفى في القيام بأبسط واجباته، وهو تقديم العلاج السريع والفعال للمصابين.
الكوادر الطبية
مشهد آخر يجسد الإهمال الصارخ.. موظفتان، الأولى طبيبة والثانية عاملة، تجلسان في مكتب صغير، متكئتين على مكتبيهما في حالة من اللامبالاة والكسل. وهكذا تبدو الكوادر الطبية في استرخاء بينما المرضى خارج الغرفة يتألمون وينتظرون بصبر يعكس الفجوة الشاسعة بين ما يتوقعه المواطنون من المستشفى وبين ما يواجهونه على أرض الواقع، إنها صورة تعكس حجم التراخي والتقاعس في أداء الواجب المهني.
رجل مسن يجلس في ردهة الانتظار، متكئًا على عصاه، تبدو عليه ملامح الإنهاك الشديد واليأس الصارخ من الإهمال المتفشي داخل مستشفى النيل للتأمين الصحي. قد يكون انتظر ساعات طويلة، إن لم يكن أيامًا، لتلقي العلاج، لكنه ترك ليواجه ألمه وحده في طابور طويل من الانتظار المجهول والأوجاع الصارخة.
وفي مشهد يعكس قسوة الإهمال الطبي، يظهر رجل مسن يرتدي سماعة أذن طبية، منهكًا من الآلام، وهو جالس على كرسي الانتظار. جاء طالبًا العلاج، لكنه وجد نفسه مضطرًا للانتظار ساعات طويلة دون أي رعاية، فغلبه التعب ونام وهو جالس وسط المرضى.
حقوق المواطنين
المشهد يعكس الواقع المأساوي الذي يعيشه المرضى المترددون على المستشفى، حيث يُترك كبار السن الذين هم في أمس الحاجة إلى العلاج الفوري ليواجهوا مصيرهم في انتظار غير معلوم النهاية.
الإهمال الطبي في «النيل للتأمين الصحي» ليس مجرد تأخير في تقديم العلاج، بل هو إهدار كامل لحقوق المواطنين في تلقي الرعاية الصحية. كبار السن، الذين يفترض أن يُعاملوا بأولوية ورعاية خاصة، يُتركون في ردهات المستشفيات بدون أي اهتمام.
ما يفاقم المأساة هو غياب الرقابة والإشراف على سير العمل داخل المستشفى، حيث أصبحت تلك المواقف اليومية مشاهد عادية في ظل تجاهل المسؤولين للمرضى الذين يُتركون ساعات طويلة في الانتظار، بينما الطاقم الطبي منشغل بأمور أخرى، دون إحساس بالمسؤولية تجاه من يحتاجون إلى علاج سريع.
متسولون!
ما يفاقم أوضاع المستشفى هو انتشار التسول داخلها. أحد المتسولين طفل لا يتجاوز عمره 15 عامًا، يقف بجرأة على درجات السلم الداخلي للمستشفى، يحصي نقودًا تبدو «مكرمشة»، قد تتجاوز 3000 جنيه، جمعها من جيوب المرضى وذويهم الذين بالكاد يملكون ما يكفيهم للعيش في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة.
هذا الوضع يكشف عن تساهل إدارة المستشفى تجاه هذه الممارسات، ما يعكس غيابًا تامًا لأي نوع من الرقابة أو الإشراف على المنظومة الصحية، ما جعل طفلًا يقوم بجمع هذه المبالغ دون شعور بالخوف أو الخجل، ودون أن يلتفت له أحد من العاملين أو الأمن، وهذا بسبب حالة الفوضى التي يعيشها مستشفى النيل للتأمين الصحي؛ المكان الذي يُفترض أن يكون ملاذًا للمرضى أصبح مركزًا لهذه الأنشطة غير المشروعة، دون رادع أو متابعة من مدير المستشفى، والذي طالب المرضى بإقالته بسبب الإهمال المتفشي داخل المستشفى، فكيف يُترك طفل في سن المراهقة يتنقل بحرية بين المرضى والمرافقين، يجمع المال كما لو كان في سوق شعبي؟
وما دور الأمن الداخلي للمستشفى في التصدي لمثل هذه التجاوزات التي جعلت المرضى لا يواجهون فقط معاناة الحصول على العلاج، بل أيضًا يتعرضون لمواقف مهينة بسبب التسول المستشري داخل المستشفى.