في الوقت الذي تَزعم فيه حكومة الانقلاب أنها تعمل من أجل النهوض بصناعة الغزل والنسيج وتعلن عن استراتيجية قومية لتطوير هذه الصناعة المهمة، إلا أن قلعة صناعة الغزل والنسيج بشبرا الخيمة في طريقها إلى الاختفاء، وبعد أن كانت صرحًا شامخًا، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تهوى قريبًا.
هذه القلعة كانت تضم أكثر من 1000 مصنع، وأصبح الآن عددها لا يتجاوز 300، وهي في طريقها إلى الإغلاق لأنها تعاني أشد المعاناة من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والمواد الخام وغياب العمالة المدربة، ورغم ذلك تتجاهل حكومة الانقلاب هذه المصانع ولا تحاول وضع خطة لإنقاذها قبل فوات الأوان.
يشار إلى أن معظم مصانع شبرا الخيمة قطاع خاص، وليست قطاعًا عامًا مثل المحلة الكبرى، وبالتالي من حق أصحابها تفكيك معداتها وبيعها خردة في أي لحظة، ثم بيع الأرض لمن يشتري وتحويلها إلى مساكن، خاصة لعيال زايد في الإمارات الذين ينقبون ويفتشون من أجل السيطرة على كل المواقع المتميزة في مصر، ويساعدهم عبد الفتاح السيسي في ذلك.
المواد الخام
حول هذه المأساة قال أسامة الحوفي، مدير جمعية مصانع الغزل والنسيج في شبرا الخيمة، إن الصناعة تُعاني من مشاكل عديدة تهدد استمرارها في شبرا الخيمة وعدد من المناطق الأخرى التي كانت تعتبر معقلاً لهذه الصناعة الوطنية.
وأضاف الحوفي في تصريحات صحفية: “هذه المشاكل تتمثل في ارتفاع أسعار المواد الخام بشكل كبير وغير معقول، حيث وصل سعر كيلو الغزل الشعبي إلى 120 جنيهاً مقابل 25 جنيهًا فيما مضى، أي أن سعر الطن يصل إلى 120 ألف جنيه، وهذه تكلفة باهظة على المصانع، فضلاً عن عدم توافر المواد الخام من الأساس بسبب إغلاق وتوقف شركات قطاع الأعمال العام التي كانت تساهم في توفيرها للمصانع، أي أن المشكلة مركبة”.
وأوضح أنه، بخلاف الغزل، هناك مواد خام أخرى تستخدم في الصناعة ارتفعت أسعارها أيضاً، فما كان بـ 10 جنيهات أصبح بـ 50 و100 جنيه، بالإضافة إلى مشاكل ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والمياه وأجور العمال.
ولفت الحوفي إلى أن عمال الغزل والنسيج تركوا المهنة واتجهوا إلى العمل على “التكاتك”، لأن اليومية في المصنع تصل إلى 300 جنيه، بينما يحصل من التوك توك على 500 جنيه، بالإضافة إلى مشكلة ركود السوق وضعف حركة البيع والشراء، فضلاً عن مشاكل المصانع مع الجهات الحكومية كالضرائب والتأمينات ومكاتب العمل وغيرها، ومشكلة تهريب البضائع من الجمارك وإدخالها للأسواق المحلية.
سيناريو الإغلاق
وأكد أن ذلك كله أدى إلى إغلاق 70% من المصانع في المنطقة، وانخفضت أعدادها لتصل إلى 300 مصنع فقط مقارنة بـ1000 مصنع منذ سنوات، مشيراً إلى أن أصحاب المصانع يقومون بتكسير الآلات وبيعها خردة، ثم بيع الأرض لأي مشتري.
وكشف الحوفي أن طبيعة عمل المصانع المتبقية تتمحور حول تحويل الغزل إلى قماش فقط، بعدما كانت تقوم بتصنيعه كاملاً وصناعة الملابس الجاهزة، حيث أصبحت تتعاقد مع شركات أخرى لتحويل الغزل إلى قماش، ثم تقوم الشركات بتصنيعه وتسويقه.
وحذر من تكرار سيناريو إغلاق المصانع المتبقية واتجاه أصحابها إلى بيع المعدات خردة، إذا لم تتوافر المواد الخام بأسعار مناسبة وحل المشاكل التي تواجهها، موضحاً أن المصانع الموجودة معظمها قطاع خاص وستغلق إذا لم تتوفر المواد الخام. وأضاف أن المصانع الصغيرة تغلق لصالح مصنع أو اثنين كبيرين يبقيان في السوق فقط.
وقال الحوفي: “بدلاً من أن تبني حكومة الانقلاب مصنعاً واحداً كبيراً، من المفترض أن تشغل المصانع الصغيرة قبل أن تغلق”، مطالباً بضرورة أن يكون هناك معاملة خاصة للمصانع في أسعار الكهرباء والغاز، ومنع التهريب بمصادرة البضائع المنتشرة في الأسواق، حتى يعود السوق المحلي للعمل مرة أخرى.
تكلفة الطاقة
وقال خالد علي، صاحب مصنع لتجارة الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، إن صناعة الغزل والنسيج تعاني من تحديات عديدة خلال الفترة الحالية.
وأوضح علي في تصريحات صحفية أن أبرز هذه التحديات تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة الكهرباء التي تعتمد عليها المصانع بشكل رئيسي، بالإضافة إلى غياب العمالة المدربة والمؤهلة، مع اتجاه الكثير منها إلى العمل كسائقين على التكاتك ومهن أخرى.
وأشار إلى أن إغراق الأسواق بالأقمشة المستوردة من الخارج يعد واحدة من أبرز المشكلات التي يعاني منها القطاع حاليًا، إذ يضرب الإنتاج المحلي في مقتل، لأن المستورد أقل في التكلفة وقد يكون أعلى في الجودة من المحلي، حيث أن المعدات في مصانع الصين مثلاً أحدث من المصانع المصرية التي لا تزال تعمل بمعدات الستينيات والسبعينيات، كما أن تكلفة الطاقة في المصانع هناك أقل من مصر، وبالتالي التجار أصبحوا يعتمدون على الاستيراد وإغراق السوق بالقماش المستورد بدلاً من شراء المحلي، مما يضرب الصناعة المحلية في مقتل.
وكشف علي أنه مع كل تعويم للجنيه ورفع أسعار الطاقة، تزيد الأسعار بنسبة كبيرة، موضحًا أن طن الغزل قبل جائحة كورونا في 2019 كان بـ 18 ألف جنيه، والآن وصل إلى 76 ألف جنيه، مما يضع أعباء كبيرة على المصانع بسبب الزيادة المستمرة في التكاليف، خاصة مع عدم وجود عمالة مدربة ومؤهلة.
وطالب حكومة الانقلاب بدعم قطاع الغزل والنسيج قبل فوات الأوان، خاصة في أسعار الطاقة، ومراقبة السوق وحمايته من الإغراق بالبضائع المستوردة، ووضع ضوابط ومحظورات على استيراد القماش من الخارج، مع حماية المصانع المتبقية من الإغلاق.