تشهد أسواق الأسمدة ارتفاعا جنونيا في الأسعار، ما يهدد بموجة غلاء جديدة تستنزف المصريين خاصة بالنسبة للمحاصيل الشتوية، بسبب نقص الأسمدة ولجوء المزارعين إلى السوق السوداء التي جعلت أسعار الأسمدة خارج السيطرة في ظل غياب الرقابة وتجاهل الأزمة من جانب حكومة الانقلاب .
الخبراء أكدوا أن أزمة الغاز الطبيعي التي شهدتها البلاد ودفعت الكثير من شركات الأسمدة إلى التوقف عن الإنتاج بجانب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، تسببت في ارتفاع أسعار الأسمدة لزيادة الطلب ونقص المعروض .
وحذروا من استمرار هذه الأزمة لأنها سوف تزيد تكلفة الإنتاج بالنسبة للفلاحين، ما يجعلهم عاجزين عن مواصلة الزراعة، مؤكدين أن الغاز الطبيعي، كلمة السر في أزمة الأسمدة المدعمة، فهو يمثل 60% من مكونات تصنيع الأسمدة بمختلف أنواعها .
وكشف الخبراء أن نسبة العجز في إنتاج المصانع بلغت نحو 40% خلال شهرين، ما أدى إلى ارتفاع سعر شيكارة السماد من 310 جنيهات إلى 1300 جنيه، بنسبة 85% في السوق الحر، وبلغ سعر طن السماد 20 ألف جنيه مقابل 4800 جنيه تكلفة الإنتاج.
عرض مستمر
من جانبه أكد حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن أزمة الأسمدة عرض مستمر منذ عدة أشهر، مشيرا إلى أنه رغم حدوث انفراجة بالنسبة للأسمدة المدعمة مع انتهاء الموسم الصيفي، وانتظام زراعة الانقلاب في ضخ الأسمدة للجمعيات الزراعية بنسبة 70%، إلا أن أسعار الأسمدة ارتفعت في السوق الحرة بنسبة 85% مقارنة بتكاليف الإنتاج، وأسعار ما قبل الأزمة.
وطالب «أبوصدام» في تصريحات صحفية دولة العسكر بحل أزمة الأسمدة قبل بدء الموسم الشتوي، حتى لا تؤثر على المنتجات الزراعية، وتوفير الغاز للمصانع مع إعادة تشغيلها بكامل طاقتها، موضحاً أن نسبة العجز في الأسمدة المدعمة يصل حالياً إلى 30%، حتى بعد ضخ كميات كبيرة بسبب توقف الإنتاج لمدة 25 يوماً، وقلة إنتاج بعض المصانع، وعدم التزام أخرى بتسليم حصصها المدعمة لوزارة زراعة الانقلاب، رغم دعم المصانع بالغاز الطبيعي بسبب خلافات على سعر الصرف، حيث يمثل الغاز 60% في مستلزمات الإنتاج.
وأوضح أن قطاع الزراعة المدعم والسوق الحر يحتاجان إلى 8 ملايين طن أسمدة أزوتية سنوياً، ودولة العسكر تنتج 13 مليون طن أسمدة سنوياً، تكفي السوق المحلي ويتم تصدير 35% من الإنتاج، مؤكدا أن العجز حدث بسبب توقف بعض المصانع عن الإنتاج، ما أدى إلى وجود عجز ويعد سماد اليوريا والنترات هما الأكثر عجزاً حالياً.
أسعار الأسمدة
وتابع «أبوصدام» أن ارتفاع أسعار الأسمدة ليس هو السبب الرئيسي في ارتفارع أسعار الخضار والفاكهة، لأن أزمة الأسمدة حدثت بعد زراعة الموسم الصيفي، ولكنه أحد الأسباب إضافة إلى آليات العرض والطلب وتغيرات المناخ وارتفاع الحرارة وغياب الرقابة على الأسواق، وعدم فرض تسعيرة جبرية على المنتجات الزراعية في الأسواق.
وأوضح أن إنتاج طن السماد بالغاز الطبيعي، يكلف المصانع 4800 جنيه، في حين وصل سعر الطن في السوق الحر لــ20 ألف جنيه ، بنسبة أرباح 15 ألف جنيه تقريباً، مؤكدا أن انخفاض الإنتاج ناتج عن نقص الغاز الطبيعي، وعدم رضا أصحاب المصانع عن سعر الغاز الطبيعي المدعم الذي تقدمه دولة العسكر.
ولفت أبوصدام» إلى أن دولة العسكر تعمل وفق بروتوكول مع 9 مصانع للأسمدة، لتوفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي «المدعم» المستخدم في عملية الإنتاج، مقابل أن يكون 55% من إنتاج هذه المصانع لصالح وزارة زراعة الانقلاب، و10% للسوق الحر، و35% للتصدير.
خارج السيطرة
وكشف زهير ساري، صاحب مصنع أسمدة عضوية، أن شهري يوليو وأغسطس الماضيين كانا ذروة استخدام الأسمدة الأزوتية في الموسم الصيفي، وتزامن ذلك مع توقف مصانع الأسمدة، مشيرا إلى أن المصانع أبلغت الجمعيات بعدم توريد الأسمدة لعدم توفر الغاز المدعم من قبل حكومة الانقلاب وتشغيل خطوط الإنتاج ساعات فقط.
وقال «ساري» في تصريحات صحفية: إن “حكومة الانقلاب تدخلت نهاية شهر أغسطس الماضي لحل الأزمة، وبدأت المصانع في توريد الأسمدة لوزارة زراعة الانقلاب، لكن بما يعادل 70% فقط من احتياج السوق، مع تأخر التسليم عن موعده، مؤكدا أن هناك قصورا بسبب توقف المصانع لفترة طويلة”.
وأضاف أن هناك أسمدة عضوية بديلة تباع بسعر «حر» في صورة مركبات وعبوات مركزة وعناصر مكملة، تعوض الأسمدة الأزوتية، بسعر يترواح بين 95 و150 جنيهاً للعبوة، وتزن 900 جرام، فهي تساعد النبات على إنتاج الأزوت ذاتيا من عناصر التربة.
وأكد «ساري» أن الأسواق الحرة للأسمدة خارج السيطرة، ولا تخضع لأي رقابة، موضحا أن العملية بين دولة العسكر ومصانع الأسمدة «شرطية» بمعنى أن حكومة الانقلاب مسئولة عن توفير الغاز المدعم مقابل قيام الشركات ببيع 55% من الإنتاج بسعر مدعم لأربعة قطاعات، هي: الائتمان الزراعي والاستصلاح الزراعي والبنك الزراعي والإصلاح الزراعي، والمتبقي من الإنتاج 45% يتم تصديره أو توزع على السوق المحلي بسعر تجاري.
ولفت إلى أن شركات الأسمدة تابعة للشركات القابضة أو شركات مساهمة «قطاع خاص» ويطبق عليها برتوكول الــ55% من الإنتاج مقابل الغاز المدعم، مؤكداً أن سماد النترات ناقص في السوق المحلي، ولذلك أسعاره ارتفعت بشكل جنوني.
وأشار «ساري» إلى أن الأسمدة الأزوتية في الجمعيات الزراعية سعرها محدد وهو 256 جنيهاً «لليوريا» و251 جنيهاً «للنترات»، ويتم التسليم بموجب «كارت الفلاح».
استحواذ
وقال الدكتور جمال محمد صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة: إن “مشكلة السماد تعود إلى أن 60% من مستلزمات الإنتاج تعتمد على الغاز الطبيعي، وحكومة الانقلاب توفره للمصانع بسعر مدعم، لكنه أعلى من السعر العالمي للغاز بسبب فروق التعويم وتغيرات العملة غير المستقرة، مؤكدا أنه ترتب على ذلك عدم التزام مصانع الأسمدة بتسليم الــ55% من إنتاجها للجميعات الزراعية مفضلة التصدير إلى الخارج “.
وأكد صيام في تصريحات صحفية أن السعر العالمي للغاز الطبيعي انخفض، وفي المقابل لم تخفض حكومة الانقلاب سعر الغاز المدعم، وأصبح العالمي أرخص من المصري، ومن هنا علقت المصانع إنتاجها للسوق المحلي، وفي المنطقة الحرة هناك العديد من شركات الأسمدة تنتج وتصدر، وتستورد الغاز الطبيعي من الخارج بأسعار أقل من غاز حكومة الانقلاب المدعم، فضلاً عن أن سعر صرف الدولار 49 جنيهاً يشجع على التصدير وتفضيل السوق الخارجي على المحلي.
وكشف أن الصندوق السيادي الإماراتي في 2022، استحوذ على حصة بنك الاستثمار القومي في شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بعدد 271.6 مليون سهم بالشركة بسعر 1.44 دولار بقيمة إجمالية 391.9 مليون دولار، بالإضافة إلى استحواذه على جزء من حصة وزارة مالية الانقلاب بشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، بإجمالى 45.8 مليون سهم بسعر 5.817 دولار بقيمة إجمالية 266.6 مليون دولار، لتنخفض نسبة حصة الوزارة من 26% إلى 6%.
وأوضح صيام أن الصندوق السيادي السعودي في 2022، استحوذ على 19٫82% من شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بقيمة إجمالية 3.69 مليار جنيه، بالإضافة إلى 25% من أسهم شركة موبكو للأسمدة وهي حصة كانت موزعة بين: الاستثمار القومي البالغة 12.81% وحصة وزارة مالية الانقلاب البالغة 6% وحصة شركة جاسكو البالغة 5.72% وجزء من حصة مصر لتأمينات الحياة بواقع 0.47%، مؤكداً أن تلك النسب أثرت على كمية الواردات من الأسمدة للسوق المحلي.