فى إنتكاسة جديدة للحريات العامة وحقوق الإنسان ، والتخلى عن العدالة ، وجّه نادي قضاة مصر مذكّرة سرية إلى مجلس النواب بسلطة الانقلاب ، ، تتضمّن التعديلات المقترحة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية ركّزت على تعزيز صلاحيات القضاة وأعضاء النيابة العامة في إدارة الجلسات وضبطها، بما يضمن عدم المساس بكرامة الهيئة القضائية.
ومن أبرز المطالب التي رفعها نادي القضاة، في إطار تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترحة، أن يُمنَح القاضي حقّ فرض عقوبات على المحامين تتجاوز الحبس لمدّة 24 ساعة، الحدّ الأقصى المعمول به في الوقت الراهن، فتمتدّ لأسبوع أو شهر أو أكثر بحسب جسامة المخالفة المرتكبة وفقاً لتقدير الهيئة القضائية.
وشملت تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية كذلك تشديد العقوبات على المتقاضين الذين يخلّون بسير الجلسات أو يعتدون لفظياً أو جسدياً على هيبة المحكمة.
وقد اُضيفت، لهذا الغرض، مقترحات تمنح القاضي سلطة أكبر في إدارة الجلسات وفرض عقوبات مباشرة على أيّ طرف من أطرافها، الأمر الذي أثار جدالاً واسعاً وسط غموض يتعلّق بالغرض من هذه التعديلات.
وتضمّنت مذكّرة نادي قضاة مصر السرية تعزيز سلطات النيابة العامة تجاه المحامين والمتقاضين، بما يسمح لممثّلي النيابة بإحالة المخالفين إلى التحقيق تمهيداً لتحريك دعاوى قضائية ضدّهم.
يُذكر أنّ النيابة سابقاً كانت تكتفي بتقديم شكوى لرئيس الجلسة من أجل النظر في أيّ إساءة تُوجَّه إليها، ليُصدر القاضي حكماً فورياً بناءً على تقديره.
لا اهتمام بالحريات العامة في تعديلات الإجراءات الجنائية
وأثار تجاهل مذكّرة نادي القضاة المبادئ المتعلقة بالحريات العامة أو حقوق المتقاضين أو ضمان استقلال القضاء حالةً من الغضب في الأوساط القضائية والرأي العام. ووُصف البيان الصادر عن النادي بـ”الضعف” و”العمومية”، إذ لم يتضمّن أيّ موقف صريح يدافع عن حقوق المتقاضين أو يعزز استقلالية القضاء. وممّا زاد حدّة الغضب أنّ التعديلات المقترحة تمنح القضاة والنيابة العامة الحقّ في الحفاظ على سرية هوية شهود الإثبات والنفي، الأمر الذي يُعَدّ انتهاكاً لحقوق الدفاع، إذ يمنع المحامين والمتقاضين من مناقشة الشهود بطريقة عادلة، وذلك تعدٍّ على العدالة نفسها.
وأعادت التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى الأذهان الأزمةَ التي اندلعت في عام 2012 ما بين رئيس نادي قضاة مصر الأسبق المستشار أحمد الزند ونقيب المحامين المصريين الأسبق سامح عاشور، عقب ثورة 25 يناير (2011)، عندما طُرح مشروع قانون لتعديل السلطة القضائية. وقد تمحورت الأزمة حينها حول نصوص تقترح تصنيف المحامين من أعوان القضاء، مثل الكتبة والمحضرين والخبراء، الأمر الذي تعارض مع نصّ المادة الأولى من قانون المحاماة التي تؤكّد أنّ المحامين شركاء في تحقيق العدالة وسيادة القانون.
كذلك تضمّنت التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية حينها مقترحاً بتخصيص نسبة من الغرامات والكفالات للقضاة، ما أثار قلقاً بشأن احتمال تأثير الحوافز المالية على نزاهة الأحكام. بالإضافة إلى ذلك، أثار مقترح طريقة تعيين أعضاء السلك القضائي مخاوف من تعميق أزمة عدم الشفافية التي هيمنت على اختيارهم لعقود طويلة.
يُذكر أنّه في عام 2012، نظّم المحامون احتجاجات واسعة شملت إغلاق المحاكم وحصار نادي قضاة مصر رفضاً لتلك التعديلات، الأمر الذي يسعى نادي القضاة إلى تجنّبه في الوقت الراهن، من دون مراعاة تأثير ذلك على الحريات العامة أو استقلال القضاء.
في سياق متصل، وصف نائب سابق لرئيس محكمة النقض في مصر، “، التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية بـ”الكارثية”، مشيراً إلى أنّها تمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق المتقاضين وهيئة الدفاع، خصوصاً المحامون، الأمر الذي يؤدّي إلى الانتقاص من ضماناتهم في تحقيق العدالة الناجزة، وهي المهمة التي اضطلع بها نادي القضاة لعقود طويلة.
وانتقد النائب السابق لرئيس محكمة النقض بشدّة تركيز نادي قضاة مصر اليوم على تعزيز سلطة القضاة وأعضاء النيابة العامة في إدارة الجلسات، مشدّداً على أنّ النصوص الحالية كافية تماماً للحفاظ على هيبة القضاة والنيابة من دون الحاجة إلى إدخال تعديلات جديدة. ورأى أنّ التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية تأتي من دون مبرّر واضح، ما يثير التساؤلات حول دوافعها الحقيقية. واستنكر كذلك تجاهل نادي القضاة تنامي نفوذ الأجهزة الأمنية في إعداد التحريات، التي صارت تُعَدّ جزءاً أساسياً من الدعاوى القضائية.
وأوضح القاضي أنّ محكمة النقض أكدت مراراً أنّ هذه التحريات لا تعبّر إلا عن رأي معدّيها ما لم تستند إلى أدلة مادية دامغة، فيما حذّر من استغلال هذه التحريات في قضايا سياسية وجنائية، الأمر الذي من شأنه تهديد نزاهة العدالة.
وفي بيان سابق أصدره نادي قضاة مصر، أفاد بأنّ مشروع قانون الإجراءات الجنائية يتضمّن مواد إذا طُبّقت فإنّها سوف تؤدّي إلى إحداث اختلال جسيم وتعطيل كبير في عمل السلطة القضائية في المحاكم والنيابات. وشرح النادي أنّ من شأن هذه التعديلات أن تعيق إحدى السلطات الأساسية في الدولة عن أداء دورها، ما ينعكس سلباً على منظومة العدالة وحسن سيرها، وبالتالي على الدولة بأكملها.
وجدّد نادي قضاة مصر تأكيده رفض هذه المقترحات، مشيراً إلى أنّ موقفه سوف “يُسجّل في التاريخ وفي ذاكرة الوطن” بوصفه “رفضاً موضوعياً ومسؤولاً”. وأوضح أنّه سوف يُقدّم اعتراضاته مدعومة بنصوص دستورية ودراسات مقارنة، مستندةً إلى الخبرة العملية والتجارب السابقة.
ولفت نادي القضاة إلى عزمه إعداد مذكّرة تفصيلية تتضمّن اعتراضاته على النصوص المعيبة في التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترحة، مع توضيح أسباب هذه العيوب، وسوف يرفع المذكّرة إلى رئيس الجمهورية بصفته رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وإلى المستشار رئيس مجلس النواب، بالإضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى وأعضائه ووزير العدل.
وأكمل النادي، في بيانه، أنّ التعديلات المقترحة تتعارض مع مكانة مصر، إذ قد يؤدّي إصدار قوانين متضاربة ومتعارضة في نصوصها إلى التأثير سلباً على انتظام سير العدالة في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يسبّب انتقاصاً من حقوق المواطنين وضماناتهم الأساسية.
تجدر الإشارة إلى أنّ المشهد الحالي يثير قلقاً واسعاً بشأن مستقبل العدالة في مصر، إذ تعكس التعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترحة خللاً في التوازن ما بين الحفاظ على هيبة القضاء وضمان حقوق المتقاضين.