واصل الدولار رحلة صعوده أمام الجنيه المصري، بعد إتمام بعثة صندوق النقد الدولي المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المزعوم، وتوقع خبراء أن يصل سعر الدولار إلى 70 جنيها بنهاية العام الجاري 2024، فيما يمثل ضربة موجعة للاقتصاد المصري، تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بصورة جنونية وتراجع مستوى المعيشة، بسبب تزايد معدلات الفقر بين المصريين.
وسجل سعر الدولار مقابل الجنيه في البنوك اليوم متوسط 49.62 جنيها للشراء و49.72 جنيها، فيما سجل أعلى سعر 49.84 جنيها للشراء و49.94 للبيع.
كانت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس قد توقعت أن يتراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى مستوى 49 جنيها، ثم يتوالى الانخفاض متجاوزا الـ50 جنيها بنهاية العام 2024.
وأشارت إلى أن الإجراءات التي ستتخذها حكومة الانقلاب ستزيد من أوجاع المصريين، وستخفض معدل النمو على المستوى القصير، ولكن على المدى الطويل ومع تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة الفائض الأولى قد ينتعش الجنيه المصري.
ميزانيات الشركات
حول هذه التراجعات قالت مصادر مصرفية: إن “هناك عدة عوامل تقود نحو ارتفاع سعر صرف الدولار الفترة الحالية، أهمها ارتفاع مؤشر الدولار عالميا بصورة تدفع نحو تحركه مقابل كل العملات الأجنبية الأخرى، موضحة أنه مع تحقيق مرونة سعر الصرف وفق إملاءات صندوق النقد الدولى يتحرك السعر وفق العرض والطلب”.
وأضافت المصادر، أن فترة نهاية العام يكثر فيها الطلب على الدولار لتقفيل ميزانيات الشركات، فضلا عن توسع الشركات الصناعية في استيراد المواد الخام وفتح المركزي المجال لاستيراد السلع دون تمييز، الأمر الذي يضغط على سعر صرف الدولار، وبالتالي يتراجع الجنيه أمامه.
وأشارت إلى أن المراجعة التي تمت مع صندوق النقد الدولي تشير إلى ضرورة عدم تدخل البنك المركزي لتحجيم الطلب على الدولار، الأمر الذي يدفع نحو ترك سعر الصرف وسط عدد من المؤثرات تقود في النهاية لرفع السعر، وقد يكسر حاجز الـ 50 جنيها قبل نهاية العام مع مزيد من الضغوط على طلب العملة وقوة الدولار الأمريكي.
وأوضحت المصادر أن السيناريو المتفائل هو إنجاز عدد من الصفقات التي تساهم في زيادة تدفقات الدولار بشكل قوي، مما يمنح قوة للجنيه مقابل صعود الدولارعالميا.
الذهب والدولار
وأرجع الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، سبب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك المصرية إلى 3 عوامل؛ الأول التوترات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، وتزايد الإقبال على الاستثمار بالدولار باعتباره مخزنا للقيمة، بسبب تأثر مصر سلبا بالأوضاع السياسية في المنطقة، وامتداد حرب الإبادة الصهيونية في غزة إلى لبنان، بجانب ارتفاع أسعار الذهب عالميًا لمستويات قياسية تزامنًا مع الأحداث، مشيرا إلى أن الذهب والدولار من الملاذات الأمنة للمستثمرين في أوقات الأزمات.
وقال أبو الفتوح، في تصريحات صحفية: إن “العامل الثاني وراء زيادة سعر الدولار هو تراكم الطلب عليه لتلبية احتياجات الاستيراد، مما أدى إلى زيادة فارق سعر الدولار أمام الجنيه في السوق الموازية بحوالي جنيه عن السعر الرسمي، والعامل الثالث هو زيادة سعر الدولار عالميًا نتيجة الأوضاع السياسية”.
وأشار إلى طرح بنوك محلية شهادات ادخار بعائد مرتفع بحد أدنى لا يقل عن مليون جنيه، مستهدفة جمع سيولة من حصيلة تنازل المصريين عن الدولار، لافتًا إلى أن أكبر 3 شركات صرافة مملوكة للبنوك الحكومية الكبرى الثلاثة وهي التي تحصل على حصة كبيرة من تنازل المصريين عن الدولار، مما دفع بنوك إلى طرح شهادات ادخار بفائدة مرتفعة، غير أنها تواجه تحديًا بعد انخفاض العائد على أذون الخزانة الحكومية، بسبب ارتفاع الطلب عليها.
التوترات الجيوسياسية
وقال ماجد فهمي رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية السابق: إن “ارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري يعود، إلى عاملين؛ الأول ارتفاع سعر الدولار عالميًا أمام العملات الأجنبية ومنها الجنيه المصري، بسبب تزايد الإقبال عليه نتيجة التوترات الجيوسياسية، والثاني ارتفاع الطلب على الدولار في السوق المحلي، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة تذبذبًا في سعر صرف الدولار أمام الجنيه، ولكن الأهم من ذلك استقرار سوق الصرف، وعدم وجودين سعرين من خلال زيادة حصيلة البلاد الدولارية”.
وأضاف “فهمي”، في تصريحات صحفية أن منافسة البنوك العاملة بالسوق المصرية على طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد وذلك لتحقيق هدفين؛ الأول سحب السيولة من السوق؛ للسيطرة على التضخم عبر تحقيق التوازن بين العرض والطلب على السلع، والثاني تعويض المواطنين عن انخفاض قيمة مدخراتهم بعد ارتفاع معدل التضخم، مشيرًا إلى ضرورة العمل على تطبيق إصلاحات هيكلية لتحسين أداء الاقتصاد المصري، وتحسين مناخ الاستثمار لتحقيق معدلات نمو اقتصادية، وزيادة إيرادات الدولة.
وحول تحقيق 4% معدل نمو اقتصادي خلال العام المالي المقبل، قال فهمي: إن “العالم كله يشهد تباطؤا اقتصاديا وليس مصر وحدها التى تضهد ذلك ، نتيجة التوترات السياسية العالمية، مشيرا إلى دور مشروعات البنية التحتية فى رفع معدل النمو الاقتصادي، ومع خفض معدل الإنفاق الاستثماري العام قد نشهد تباطؤا في معدل النمو الاقتصادي، ونتمنى أن يقابله زيادة في استثمارات القطاع الخاص بالقطاعات الإنتاجية”.
البنك المركزي
وقال الخبير المصرفي ناصر حسن: إن “تراجع قيمة الجنيه جاء بسبب توجيه البنك المركزي البنوك إلى توفير الدولار لاستيراد السلع غير الأساسية، ما أدى إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية مقارنة بالمعروض.
وأضاف حسن في تصريحات صحفية أن البنك المركزي يستخدم سياسة الاستهلاك الرشيد للعملة الأجنبية، محذرا من أنه إذا فتح الباب لاستيراد السلع غير الأساسية على مصراعيه، فقد يحدث انخفاضا كبيرا في قيمة الجنيه.
وأوضح أن الأيام المقبلة ستظهر المستويات التي قد يتوقف عندها سعر الدولار، بناء على مدى توفير الدولار للسلع غير الأساسية.
عرض وطلب
في المقابل قال الخبير الاقتصادي، محمد أنيس: إن “التحركات التي تحدث في سعر الدولار وارتفاعه فوق مستوى الـ 49 جنيها خلال الأيام الحالية، تأتي في إطار مرونة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وفي إطار حركة السوق وعمليات العرض والطلب على الدولار، خاصة في ضوء توجيهات البنك المركزي الأخيرة للبنوك بتوفير الدولار اللازم لاستيراد كل السلع وليست السلع الضرورية فقط”.
وأضاف أنيس في تصريحات صحفية أن الارتفاع أمر طبيعي وليس مقلقا لأنه ليس ناتجا عن أي حدث استثنائي قد يؤثر على سعر الدولار، موضحا أن السعر التوازني السليم في المرحلة الحالية هو 48 جنيها، مع وجود هامش حركة انخفاض أو ارتفاع بنسبة 5%، أي يتراوح متوسط سعر الدولار بين مستويات 46 و50 جنيها ، وبالتالي الحركة الحالية في حدود هذا المتوسط.
وأشار إلى أن الحركة في السعر استجابة لعمليات العرض والطلب، تؤكد مرونة سعر الجنيه، وعدم وجود سيطرة مباشرة من البنك المركزي على الجنيه.