في ظل توحش عسكري يؤكد أن للجيش دولة مستقلة تدار باوامر اللواءات المتوحشين، الذين يحرصون باستماتة على عدم التنازل عن أي جزء من “عَرق الجيش” الذي تحدث عنه السيسي منذ بدايات انقلابه.
فعلى الرغم من خضوع السيسي ونظامه لكل اشتراطات صندوق النقد، سواء بفرض ضرائب ورسوم على المواطنيين وتحميلهم كل الضرائب زيادة أسعار الوقود وخفض الدعم وتقليص رغيف العيش وزيادة اسعار الكهرباء والمياه والغاز، وتقليص الانفاق على الصحة والتعليم والاسكان، إلا أن الجيش لم يخضع للسيسي حتى الآن، بالتنازل عن شركاته أو بيع بعضها، كما يطالب كل الخبراء وذلك دعمًا للموازنة العامة للدولة التي تواجه عجزًا كبيرًا، فحتى الآن يتلاعب الجيش ويناور ويتحايل على السيسي وعلى الصندوق، برفض بيع شركتي وطنية وصافي، التابعتين لجهاز الخدمة الوطنية.
“فويل آب”
ومؤخرًا، وبعد استياء ممثلي صندوق النقد من الادارة المصرية، لعدم ستيفائها باشتراطات الصندوق، وإنهاء جولته بالقاهرة دون اتمام المراجعة الرابعة التي لم يحدد موعدها بعد، بدأ جيش السيسي مراواغاته، وما يمكن وصفه “شغل حرامية” باعلان تقسيم شركة وطنية.
فبعد إزالة إحدى محطاتها الكبرى، أعادت الشركة الوطنية للبترول بناء محطة وقود جديدة، باسم “فويل آب” Fuel up بامتداد هضبة الأهرامات، خلف المتحف المصري الكبير بالجيزة.
وأخفت الشركة الوطنية للبترول معالم شخصيتها ولونها الأخضر التقليدي، لتظهر باللون الأحمر الفاقع، في عدد من المناطق السكنية والسياحية على الطرق الرئيسية والتجمعات الراقية، في ظاهرة يعدها اقتصاديون بداية لتنفيذ مشروع تجزئة ملكيتها لنحو 255 محطة لتوزيع الوقود وخدمات السيارات، تمهيداً للتخلص من بعض أصولها بالبيع أو الإدارة لمستثمرين بالقطاع الخاص.
تكشف التحولات في ملكية أصول “وطنية” التابعة لجهاز المشروعات بالقوات المسلحة، عن تباطؤ شديد في التزام الحكومة بخصخصة “وطنية”، بالتوازي مع عدد من الشركات العامة، وفقًا للجدول الزمني وعدد الشركات المتفق عليه بين الحكومة وصندوق النقد، منذ ديسمبر 2022.
بل تخطط “وطنية للبترول” لإنشاء 25 محطة وقود جديدة بنهاية عام 2025، باسم “فويل آب” التابعة، مع إسناد كل فرع لإدارة خاصة، تعمل بنظام حق الإدارة والتشغيل، دون الملكية للأصول.
وتسمح الشركة لمستثمرين بحق إدارة فرع أو عدة فروع من “فويل آب”، مع ممارسة الأنشطة التجارية وإقامة سلاسل مطاعم وشركات الخدمات للسيارات والمنشآت السياحية.
ووفق خبراء، فإن عدد من المشاكل الفنية وراء فصل أصول شركة “وطنية” التي ما زالت تتوسع في عدد الفروع والأنشطة التي تمارسها، رغم تجهيزها من قبل جهاز المشروعات للطرح أمام مستثمرين من الإمارات والسعودية ومصريين منذ عامين، وتعهد رسمي لمستثمرين من الحكومة ببيع أصولها، خلال 6 أشهر، أفصحت عنه وزيرة التخطيط والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الوطني، هالة السعيد، في شهر يوليو 2023.
ويتوجس الجيش من بيع أملاك شركة تتداخل في ملكية أراضي ومشروعات تابعة للجيش، وتتقاطع مع طرق خاصة للشركة الوطنية للنقل التابعة لجهاز القوات المسلحة، بما يعقد إجراءات البيع.
كما يوضح الخبراء أنّ توجه “وطنية للبترول” إلى بناء محطات جديدة باسم “فويل آب” وأخرى بالشراكة مع شركة “فيفو إنرجي الأفريقية”، لبيع الوقود بالتجزئة ومواد التشحيم وشحن السيارات الكهربائية، يستهدف الفصل الإداري، وتحويل “الوطنية للبترول” إلى شركة قابضة تساهم في ملكية الأصول بالشركات الفرعية والتابعة، بما يحافظ على ملكية الأصول، وتوسيع دور القطاع الخاص المصري والأجنبي في إدارة المحطات.
التقسيم
ووفقاً للمشروع، ستحافظ “الوطنية البترول” على وجودها رسميًا ضمن شركات الخدمة الوطنية، مع إعادة تقسيمها لعدة كيانات، يخضع بعضها لبرنامج الطروحات العامة، وأخرى تظل في خدمة جهاز المشروعات، الذي يمتلك 20% من شركة “طاقة عربية” للبترول، والمناطق التابعة للأجهزة السيادية.
ووفق تقارير اقتصادية، متخصصة، فإن توافق تم بين وزارة الاستثمار وقيادات الجيش، حول برنامج الطروحات الحكومية، خلال الفترة المقبلة، ضمن الخطة الجديدة، لقائمة الشركات العامة التي ستطرح للبيع أو المشاركة في الملكية والإدارة، التي أعيد الاتفاق عليها خلال وجود بعثة صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي بالقاهرة، والتي شهدت اعتراضاً من بعثة الصندوق، على عدم التزام الحكومة بتعهداتها، على مدار العامين الماضيين، بتنفيذ برنامج الطروحات.
مغانم وامتيازات جديدة
وضمن منهج العساكر الذي لا يشبع من التهام اقتصاد المصريين، حصلت “وطنية” على موافقة حكومية بأن تكون أول شركة تتولي حصريًا، بيع بنزين فئة 98 أوكتان في مصر، خلال الفترة المقبلة، وفقًا لبيان الشركة على موقعها الرسمي، بما يعتبره خبراء دعماً هائلاً للشركة، مقابل جميع الشركات المنافسة، التي تعاني من صعوبة الحصول على هذه النوعية من الوقود، بالتزامن مع اعتراض أكبر 13 شركة أوروبية وعالمية ووكلاء توريد وتصنيع السيارات في مصر، على تسبب الوقود فئة 92 و95 أوكتان في مشاكل فنية خطيرة بالسيارات الحديثة، المنتجة بعد عام 2012.
وهو ما يعد ترضية للعساكر، وضحك في الوقت ذاته على صندوق النقد، إذ سيبيع الجيش مجرد جزء من الاسم، فيما يواصل توحشه الرأسمالي عبر “فويل آب” والاستحواذ على انتاج بنزين 98، من جهة ثانية..!!
وفوق ذلك كله، يواصل الجيش الحصول على الاعفاءات والامتيازات بدون دفع أي رسوم أو ضرائب، وهو ما حذر منه صندوق النقد، بالتأكيد على عدم التوسع في الضرائب، بل ضرورة تقليص الاعفاءات الضريبية، وهو ما يعد اشارة ضمنية الى اقتصاد العساكر المعفى من كل شيء.