بدأت يوم الأربعاء 20 نوفمبر الجاري، الجلسة التمهيدية لمراجعة سجل حقوق الإنسان في مصر بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف بسويسرا، استعدادًا لاستعراض الملف في يناير المقبل، في إطار المراجعة الدورية الشاملة UPR التي تتم كل 4 سنوات.
وخلال الاستعراض الأخير لمصر في 2019، تلقت الحكومة 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بالمحاكمات العادلة والمنصفة.
وتأتي مراجعة ملف مصر في وقت تشهد فيه حالة حقوق الإنسان فترةً هي الأسوأ في تاريخها، من التوسع في التعذيب والاعتقالات العشوائية وإغلاق المواقع الصحفية وحجبها وتدوير المعتقلين وتفشي سياسات الاخفاء القسري والقمع الامني.
والاستعراض الدوري الشامل UPR هو آلية تتبعها الأمم المتحدة من خلال مجلس حقوق الإنسان منذ 2007، لمتابعة الوضع الحقوقي في الدول الأعضاء.
ويناقش المجلس ملفات الدول كل أربع سنوات، إذ سبق استعراض الملف المصري ثلاث مرات في 2010 و2014 و2019، ويشمل استعراض تقرير حكومي عن أوضاع حقوق الإنسان، وتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتقارير المقدمة من المنظمات غير الحكومية، وفق دراسة قانونية منشورة بالعدد العاشر من دورية دراسات في حقوق الإنسان.
ويستهدف الاستعراض تحسين حالة حقوق الإنسان والتحقق من التزام الدول الأعضاء بالوفاء بالالتزامات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان التي تعهدت بالوفاء بها، ويُحرَّر في نهاية الاستعراض تقرير يعتمده مجلس حقوق الإنسان، ويشمل موجزًا لوقائع الاستعراض والتوصيات الموجهة إلى الدولة المعنية، وما قطعته على نفسها من التزامات وتعهدات طوعية.
كما يستمع المجلس لعدد من ممثلي المنظمات الحقوقية المستقلة بمصر، كحسام بهجت ومزن حسن.
ومن بين 375 توصية تلقتها الحكومة في الاستعراض السابق 2019 قبلت مصر تنفيذ 288 توصية، تنوعت بين توصيات تتعلق بالنظر في إعلان وقف تنفيذ بعض أحكام الإعدام الصادرة مؤخرًا، والتحقيق في البلاغات والشكاوى المتعلقة بما سمته مزاعم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري، كما قبلت توصيات أخرى تخص مراجعة تعريف الإرهاب بقانون مكافحة الإرهاب.
فيما رفضت مصر 87 توصية أخرى ارتبط بعضها بالوقف الفوري لعقوبة الإعدام، وأخرى تتعلق بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، كما رفضت 11 توصية بالإفراج عن معتقلي الرأي وضمان حقهم في محاكمة عادلة.
ورغم التوصيات الـ375 تفاقمت أزمة حقوق الإنسان في أعقاب استعراض 2019، وفقًا لتقييم أجرته منظمات حقوقية مصرية في يناير 2023، أشارت خلاله إلى تصاعد الانتهاكات في الفترة من نوفمبر 2019 حتى نوفمبر 2022، خاصة فيما يتعلق بالحق في الحياة ومكافحة الإعدام، والحق في حرية التجمع السلمي والتنظيم، والحق في حرية التعبير واستقلال الإعلام.
كما توسع نظام السيسي في إصدار أحكام الإعدام على خلفية محاكمات جائرة، واستمر التعذيب الممنهج في أماكن الاحتجاز فيما واصل منفذوه الإفلات التام من العقاب، واستمر الإخفاء القسري ممارسةً منهجيةً، فضلًا عن مواصلة حبس الصحفيين والمعارضين السياسيين السلميين وحتى المواطنين تعسفيًا.
محاولات مفضوحة من السيسي لتجميل الوجه القبيح
ومع استمرار الانتقادات الدولية، لجأ السيسي مؤخرًا لبعض الاجراءات التجميلية، كاعلان رفع الحظر على أموال بعض النشطاء المتهمين بقضية التمويل الاجنبي، ثم اعلان رفع ادراج 716 من المدرجين بقوائم الارهاب، والافراج عن بعض المحبوسين، بجانب بعض “الأبواب المواربة” مع بعض القيادات المدنية في بعض المؤتمرات الكلامية، التي لا تفيد شيئًا على مستوى الواقع.
كما أنه في سبتمبر 2021، أطلق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي ركزت على عدة مبادئ، من بينها أن جميع الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، مع التأكيد على ضرورة تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، واستقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية.
علاوةً على مشروع الاجراءات الجنائية، الذي طنطن به اعلام السيسي مؤخرًا إلا أن مشروع القانون يواجه انتقادات واسعة من الحقوقيين والنقابات المهنية والأحزاب، كما أعرب مسؤولون أمميون، في خطاب أرسلوه إلى السيسي، عن مخاوفهم من المشروع، لا سيما فيما يتضمنه من صلاحيات موسعة تمنحها التعديلات الجديدة لممثلي الشرطة والنيابة العامة دون مراجعة قضائية، فضلًا عما تضمنه مشروع القانون من صياغات فضفاضة لبعض الأحكام، والمخاوف من المساس بالمحاكمة العادلة.
لكن يبدو أن مشروع قانون الإجراءات ليس التشريع الوحيد الذي ستلجأ له الحكومة في دفاعها، إذ يلفت مؤسس المنبر المصري لحقوق الإنسان، معتز الفجيري، إلى مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب، معتبرًا أن الحكومة تسعى من خلاله لإرضاء الطرف الأوروبي بشكلٍ خاص، بالنظر للمساعدات الأوروبية التي تلقتها في مارس الماضي في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي شملت ضمن بنودها موضوع الهجرة واللجوء.
كما تستخدم الحكومة في دفاعها في الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي، وقانون لجوء الأجانب الذي سيؤدي لا محالة إلى ظلم كبير لطالبي اللجوء إلى مصر، لوجود فجوات كثيرة وتعارضه مع المعايير الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين.
إلا أنه رغم كل تلك الاجراءات التجميلية، يبقى الامرغير كافي لتسويق ممارسات القمع الممنهج والكبت والتبجر السلطوي دوليًا فعلى الرغم من تلك الاجراءات واللجان، يزداد أعداد المعتقلين والمحبوسين بتهم سياسية.
كما يزداد الحجب عن المواقع، وتضييق مساحات العمل الأهلي والحزبي والإعلامي.
وهي جرائم مجتمعية كبيرة، فهل يقتنع النظام بأن عليه التحرك الفعليّ لرأب كل تلك النتواءات والمظالم التي تَعج بها مصر؟!!!!!
وهو ما قد يحدث حتى يناير المقبل، وتبقى فضائح السيسي أمام جميع العالم شاهدةً على فشله في إدارة شئون الدولة بعيدًا عن لُغة العصا.