على الرغم من اعتلاء المنقلب السفيه السيسي موجة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا مؤخرًا، وإرساله نحو 10 آلاف جندي مصري ومعدات عسكرية وسفينتين حربيتين إلى الصومال في مواجهة اتفاق إثيوبي مع أرض الصومال الانفصالية لإنشاء قاعدة بحرية لإثيوبيا بميناء بربرة على البحر الأحمر، ما يمثل إخلالًا بمعادلة التوازن الاستراتيجي في أمن وملاحة البحر الأحمر وباب المندب، ومن ثم التأثير في حركة الملاحة بقناة السويس، المورد الدولاري المصري الذي أصابه العطب، مع تفاقم العدوان الصهيوني على غزة، رغم ذلك كله ومع سابق التهليل الإعلامي الكبير لإعلاميي نظام السيسي، بقدرات الجيش المصري وبحكمة قرار السيسي وتفكيره الاستراتيجي، وقوة مصر التي لا يمكن تجاهلها، جاء الإعلان الإثيوبي الصومالي كصفعة على مؤخرة السيسي التي استباحتها إثيوبيا من قبل طوال عشر سنوات وأزيد في ملف سد النهضة.
وتوصلت إثيوبيا والصومال الخميس إلى اتفاق بوساطة تركية يُنهي النزاع بينهما على خلفية أزمة صوماليلاند، ويُطلق مفاوضات تُمكن أديس أبابا من الوصول إلى منفذ بحري بالاتفاق مع حكومة مقديشو، إذ لا تملك إثيوبيا، الدولة الإفريقية الحبيسة، منفذًا بحريًا منذ انفصلت عن إريتريا في 1991.
ومن المقرر أن تبدأ المشاورات بين البلدين بنهاية فبراير 2025 وتستمر 4 أشهر من أجل التوصل لاتفاق يقضي بحصول إثيوبيا على منفذ بحري في الصومال، بالشكل الذي يضمن سلامة ووحدة أراضي الصومال.
واتّفق البلدان على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولًا إلى البحر “موثوقًا به وآمنًا ومستدامًا تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية”.
وذكرت وكالة الأنباء الصومالية أن هذه الترتيبات تشمل العقود والإيجارات التي سيُنص عليها في اتفاقيات ثنائية، وأن المفاوضات بشأنها ستبدأ بنهاية فبراير/شباط 2025 وتنتهي في غضون 4 أشهر، بتسهيل من تركيا.
هزيمة كبيرة لعصابة الانقلاب
الاتفاق اعتبره خبراء ودبلوماسيون مصريون فشلًا ذريعًا لنظام السفيه السيسي، يؤكد أيضًا نجاح الدور التركي المتصاعد في إفريقيا، وفي القرن الإفريقي، والذي شهد تطورًا كبيرًا منذ زيارة إردوغان للصومال قبل نحو 10 أعوام.
ويعبر الاتفاق الذي تم من وراء ظهر مصر عن فشل السياسة الخارجية المصرية، إذ أن سلطة الانقلاب قد أخطأت من البداية بالتدخل في النزاع الصومالي الإثيوبي، وفق السفير السابق حسن هريدي، في تصريحات صحفية، مشيرًا إلى أن مصر تدفع ثمن أخطائها، لأن الدول الإفريقية لطالما دخلت في نزاعات ومصالحات على مدار تاريخها، في الوقت الذي باتت منطقة القرن الإفريقي ساحة صراع لقوى إقليمية ودولية كبرى خلال السنوات الأخيرة.
تقزيم مصر
يُشار إلى أنه منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، في العام 2013، تراجع دور مصر الخارجي، وخاصة في إفريقيا، ولم تستطع فرض إرادتها أو بسط سياستها في المنطقة، وباتت عاجزة عن مجابهة الصراعات الإقليمية في المنطقة الأهم لها والتي تعد خاصرة مصر الرخوة، فتمددت قوى إقليمية ودولية عدة في القرن الإفريقي، مثل تركيا والصين والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، وباتت تلك القوى تمتلك تأثيرًا كبيرًا سواء على الصومال أو إثيوبيا، أو باقي دول القرن الإفريقي.
كما تسعى صوماليلاند للحصول على اعتراف دولي باستقلالها عن الصومال الكونفدرالية، وسبق ووقعت اتفاقية مع إثيوبيا في يناير الماضي لمنح الأخيرة قاعدة بحرية مقابل الاعتراف باستقلالها.
وفي حال استطاعت إثيوبيا توفيق اتفاقها الجديد مع الصومال مع اتفاقها السابق مع صوماليلاند الموقع في يناير الماضي، للحصول على قاعدة بحرية لأديس أبابا على البحر الأحمر تكون مصر فقدت تأثيرها على الطرفين في منطقة خطيرة وحاسمة.
وتبقى الأمور مفتوحة على مصراعيها بين إثيوبيا ومصر، حيث تحقق إثيوبيا انتصارات متتالية في ملفات إفريقيا سواء في سد النهضة ثم توقيع وإنفاذ اتفاقية عنتيبي ثم في الصومال سواء أكانت ستحصل على قاعدة تجارية فقط أم قاعدة عسكرية تتحكم بها في جزء من الملاحة البحرية ومن ثم قناة السويس وهو ما يمثل شدًا للأطراف للدولة المصرية، بخلق توترات على أطرافها يستنزف قواها السياسية والاستراتيجية.
وتبقى مصر هي الخاسر الأكبر من تقزيم دورها الاستراتيجي في إفريقيا.
كما يتفاقم التقاعس المصري أيضًا مع التمدد الإماراتي في القرن الإفريقي، وسعي إسرائيل بالتعاون مع الإمارات لبناء قاعدة عسكرية متقدمة في صوماليلاند، بدعوى مواجهة الحوثيين في الجانب الآخر من البحر الأحمر، وهو ما سيأتي بلا شك خصمًا من دور مصر الإقليمي!!
وتبقى مصر سائرة على عكس ما قال السيسي وتشدق به منذ مسرحية انقلابه العسكري: “مصر أم الدنيا وهتبقي أأد الدنيا”!!!