ما زال مشروع قانون الإجراءات الجنائية، المزمع تمريره بمصر، يثير المزيد من الجدل والمخاوف بمصر، إذ قال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: إنه “بينما يقبع عشرات آلاف من المصريين في السجون، بسبب إعلانهم موقفاً معارضاً، أو تعليقاً على مواقع التواصل الاجتماعي، أو محاولة مشاركة في الحياة السياسية أو الانتخابات العامة، وبعد وعود واهية بإعادة النظر في ملف المعتقلين السياسيين؛ أطلقت السلطات مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد ليبلور الفلسفة القمعية للسلطات المصرية في شكل نصوص قانونية، تشرعن الانتهاك المتواصل لحق المصريين في العدالة منذ سنوات”.
وأضاف المركز، في ورقة تحمل تعليقًا قانونيًا على مشروع القانون أصدرها الأحد الماضي ، بعنوان “قانون الإجراءات الاستثنائية.. خطوة جديدة نحو تقويض العدالة”، أنه على السلطات المصرية سحب مشروع القانون المطروح، والعمل على مشروع قانون جديد؛ بالتشاور مع كافة الأطراف المعنية والمنظمات الحقوقية المستقلة، ضمن حوار وإجراءات علنية وشفافة.
وأكد المركز أن القانون الجديد يجب أن يراعي كافة المآخذ والاعتراضات الصادرة عن مختلف الجهات على المسودة الحالية، ويتضمن بشكل خاص التأكيد على أن الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي أخير، محدد بحد أقصى لا يخضع لأي استثناء، يصدر فقط عن جهة قضائية، ولا يُلجأ إليه إلا في حالة صعوبة الاستعاضة عنه بإجراءات احترازية أخرى، على أن يكون للسلطات القضائية حق استبداله بأي تدابير احترازية أخرى، ووضع ضمانات واضحة للحد من سياسة تدوير المعتقلين وتوظيف الحبس الاحتياطي إجراءً عقابياً، فضلًا عن الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاتهام، لضمان إجراء تحقيقات تستهدف استجلاء الحقيقة، وعدم توجيه التحقيق لإثبات الاتهام، والنص صراحة على حق المحاميين في الاطلاع على أوراق القضايا وتمكينهم من الحصول على نسخة منها، من دون استثناءات، وضمان حق المتهمين في مقابلة محاميهم.
ووفقاً للمركز، يجب قصر إصدار أوامر المراقبة والتفتيش على المحاكم فقط، على أن تستند إلى اشتباه محدد، ولمدة محددة، وتُجدد لعدد محدد من المدد، والنص صراحة على أحقية المتهم ومحاميه بالدفع ببطلان الإجراءات وما ترتب عنها، من دون استثناءات، وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، وتعزيز قدرة الضحايا على طلب محاسبة مرتكبي الانتهاكات، بما في ذلك كفالة حق محاميهم وذويهم في تقديم الشكاوى ضد المنتهكين.
إشكالات قانونية
واستعرض المركز في التعليق القانوني أبرز مشاكل القانون المقترح، ومواطن تعارضه مع الدستور المصري والمواثيق الدولية الملزمة لمصر، وكيف يعكس في مجمله مدى تشبث السلطات المصرية بالقمع منهجاً للحكم، ويؤكد أنه لا تراجع عن المسار السلطوي لعهد ما بعد يوليو 2013.
وسلط المركز الضوء على إهدار المقترح كافة ضمانات وإجراءات المحاكمة العادلة، بداية من الاتهامات المكررة والجهة المنوط بها التحقيق فيها، مرورًا بإجراءات التحقيق وسلطات النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي، وإجراءات وظروف التفتيش والقبض، والحبس الاحتياطي وحرمان الزيارة وانتزاع الاعترافات وسوء المعاملة، وصولاً إلى المحاكمة والطعن على أحكامها وقراراتها.
وقال المركز: “في كل هذه المراحل، يعصف مقترح القانون بشكل واضح بحقوق المتهم، وحقوق الدفاع، وحقوق الشهود، وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، كما يقضي على كل فرصة لتحدي احتمالات سوء استغلال السلطة أو تعسف جهات التحقيق أو الموظفين العموميين أو مسئولي إنفاذ الأحكام، مانحًا لهم حصانة إضافية تضمن عدم محاسبتهم على أي تقصير أو خلل في الإجراءات أو انتهاك بحق المواطنين”.
وطالب المركز، في ختام الورقة القانونية، السلطات المصرية بسحب مشروع القانون المطروح، والعمل على مشروع قانون جديد؛ بالتشاور مع كافة الأطراف المعنية والمنظمات الحقوقية المستقلة، ضمن حوار وإجراءات علانية وشفافة. على أن يراعي القانون الجديد كافة المآخذ والاعتراضات الصادرة عن مختلف الجهات على المسودة الحالية.
يشار إلى أن مصر محكومة بجملة من الاستثناءات والقوانين القمعية منذ انقلاب يوليو 2013، انعكست على مجمل الحياة العامة البلاد، من اعتتقال اكثر من 200 ألف مصري، ما زال أكثر من 60 ألفا منهم يقبعون في السجون خارج إطار القانون، ووسط إهمال طبي متعمد، قضى على المئات منهم داخل محابسهم، فيما تشرد الملايين من المصريين عن مقار إقامتهم، سواء بالداخل أو خارج مصر، كما عُزل الآلاف من وظائفهم العامة، وحُرم الكثير من أموالهم وممتلكاتهم، وفق أحكام وقوانين جائرة.