في الوقت الذي تذهب فيه تقديرات اقتصادية إلى أن النظام العسكري الحاكم في مصر هو أكبر المستفيدين من تعديلات قانون الإيجار القديم، لما تمتلكه وزاراته من أصول مؤجرة وقصور بوسط القاهرة وفي أماكن مهمة بالعواصم، إذ جاء قرار الدستورية ليصب في مصلحة نقض عقود تلك الأصول المؤجرة، والتي يسعى السيسي بالأساس لبيعها لمستثمرين أجانب من الخليج والإمارات، ضمن مخطط التخارج الحكومي من أجل جمع الدولارات، في وقت تتصاعد فيه صرخات المستأجرين من خطورة طردهم من العقارات التي يقطنونها منذ سنوات.
وفي هذا الإطار، عقدت الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية (حق الناس) بالتعاون مع رابطة مستأجري الإيجار القديم، ورشة عمل يوم 3 ديسمبر الجاري، بمقر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، لمناقشة حكم المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الخاص بتأجير وبيع الأماكن.
وشارك في الورشة ممثلو عدد من الأحزاب، منها الاشتراكي، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والشيوعي، والعيش والحرية، والكرامة، والناصري، والوفاق القومي.
ناقشت الورشة تداعيات الحكم وآثاره المحتملة، وسط قلق من استغلاله بشكل غير مشروع للإضرار بالحقوق الدستورية للمستأجرين، مما قد يؤدي إلى إخلاء نحو 3.5 مليون أسرة سكنية وتجارية، وهو ما يشكل إجمالي عدد سكان يتراوح بين 12 و15 مليون شخص يعيشون ويعملون في هذه العقارات. وأوضح المشاركون أن الادعاءات بشأن مسؤولية الإيجار القديم عن أزمة السكن في مصر هي مغالطة كبيرة، حيث إن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الوحدات المغلقة بسبب الإيجار القديم تبلغ نحو 450 ألف شقة فقط، في مقابل أكثر من 10 ملايين شقة مغلقة لأسباب أخرى تتعلق بسياسات الإسكان غير الرشيدة والتوجه الاستثماري غير الإنتاجي في العقارات.
وحذر المشاركون من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة لتنفيذ مخططات إخلاء المستأجرين، مشيرين إلى أنها ستؤدي إلى تضخم غير مسبوق بسبب ضغط الملايين على سوق الإسكان الجديد، إضافة إلى تصفية آلاف المنشآت الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة التي تعمل من تلك العقارات. كما اعتبروا أن التوجه نحو تحويل العقارات القديمة إلى نماذج سوقية بأسعار مرتفعة يمثل استهدافًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي، معبرين عن رفضهم لمحاولات فرض زيادات فلكية في الإيجارات أو استخدام أسعار السوق كمرجعية قانونية.
وأكدت الورشة أن مستأجري الإيجار القديم التزموا بعقودهم وقدموا كل ما عليهم من التزامات على مدى سنوات طويلة، مشيرين إلى أن تلك التعاقدات تمت بموافقة الملاك الذين استفادوا من مواد بناء مدعومة ومقدمات مالية دفعها المستأجرون. وطالب المشاركون باحترام العقود، مع التأكيد على أن أي زيادات في الإيجارات يجب أن تكون منطقية ومتناسبة مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمستأجرين.
وأشار المشاركون إلى أن حق السكن يمثل خطًا أحمر، وأن أي محاولات للالتفاف على حقوق المستأجرين تشكل تهديدًا للأمن والسلم الاجتماعي. كما انتقدوا الدور الذي تلعبه لجنة الإسكان في مجلس النواب، معتبرين أنها تخدم مصالح بعض الملاك والمستثمرين الجدد بشكل يفتقر إلى التوازن والعدالة، محذرين من محاولات إصدار تشريعات جديدة تخالف حكم المحكمة الدستورية وتستهدف طرد المستأجرين أو رفع الإيجارات بشكل غير قانوني.
وأصدرت الجبهة عدة توصيات تضمنت:
الالتزام بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بحيادية ورفض أي محاولات لاستغلاله لإصدار تشريعات غير دستورية.
التأكيد على امتداد العقود لجيل واحد، بما يشمل الزوجة والأبناء، وفقًا لما نصت عليه الأحكام الدستورية.
رفض إعادة تقييم الإيجارات على أساس المناطق أو اعتماد ما يُسمى بأسعار السوق.
الدعوة إلى زيادة محدودة ومعقولة في الإيجارات إذا اقتضت الضرورة، على أن تخضع لتفاوض اجتماعي يراعي الظروف الاقتصادية.
إنشاء اتحادات للشاغلين لدعم صيانة العقارات وتعزيز التعاون بين السكان.
توسيع صفوف رابطة المستأجرين وتأسيس فروع لها في مختلف المحافظات لزيادة الفاعلية والتأثير.
رفض المحاولات التي تستهدف طرد المستأجرين أو فرض زيادات مفرطة بشكل يضر بملايين الأسر المصرية.
مطالبة الجهات المختصة بمراجعة تركيبة لجنة الإسكان في مجلس النواب لضمان تمثيل المستأجرين وتحقيق التوازن.
التأكيد على دور الدولة في حماية حق السكن باعتباره حقًا دستوريًا ومجتمعيًا لا يمكن المساس به.
في حال فرض زيادات على الإيجارات، يجب أن تكون الزيادات ضمن نسب معقولة مشابهة للنسب المطبقة على الإيجارات التجارية، مع إعداد جدول زيادات قانوني متفق عليه.
تأسيس اتحادات للشاغلين للمساهمة في صيانة العقارات وتعزيز المسؤولية المشتركة بين السكان والملاك.
تعزيز دور رابطة المستأجرين من خلال توسيع صفوفها وتأسيس فروع لها في جميع المحافظات لتحقيق المزيد من التواصل والدفاع عن حقوق المستأجرين.
واختُتمت الورشة بالتأكيد على أهمية التكاتف المجتمعي لمواجهة المخاطر التي تهدد استقرار الأسر المصرية وحماية الحق في السكن كجزء أساسي من العدالة الاجتماعية.