تواصل أسعار الأدوية ارتفاعها في السوق المصري، ما يهدد بعجز المرضى عن شراء ما يحتاجونه من أدوية، ورغم تطمينات حكومة الانقلاب للمصريين بأن ارتفاع الأسعار مؤقت وأنها ستشهد انخفاضات قريبًا، إلا أن هذه التطمينات لا محل لها من الإعراب على أرض الواقع؛ حيث لا تستطيع هذه الحكومة الصمود أمام شركات الأدوية التي تطالب برفع الأسعار بحجة زيادة تكاليف الإنتاج الناتجة عن تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية. بل لجأت شركات الأدوية إلى وقف عدد من خطوط الإنتاج وتسببت في أزمة نقص الكثير من الأدوية واختفائها من الصيدليات.
كانت هيئة الدواء المصرية قد وافقت لشركات الأدوية العاملة بالسوق المحلية على زيادة أسعار الدواء بنسبة تتراوح من 20% إلى 25% لأدوية الأمراض المزمنة، وبنسبة تصل إلى 50% لأدوية الفيتامينات والمكملات الغذائية.
وزعمت الهيئة أن هذه الزيادات تمكن شركات الأدوية من مواجهة أزمة ارتفاع التكلفة بسبب تراجع سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
تحريك شهري
في هذا السياق، كشفت مصادر مسؤولة بصحة الانقلاب عن اتفاق بين هيئة الدواء وغرفة صناعة الدواء على تحريك الأسعار بصورة شهرية، بحيث يتم زيادة تسعير 100 صنف شهريًا لحين استقرار القطاع في ظل ارتفاع أسعار الصرف.
وقالت المصادر إن الزيادات ستظل مستمرة حتى ديسمبر 2025؛ لإعادة التوازن في قطاع الأدوية وعودة الطاقة الإنتاجية من أجل السوق المحلية والتصدير.
وأشارت إلى أن الزيادات ستكون للأصناف التي لم ترتفع أسعارها الفترة الماضية، مؤكدةً أنه تمت الموافقة على زيادة سعر صنف أو اثنين للشركات، وتتوالى إضافة أصناف جديدة تباعًا لعودة القطاع للربحية.
6 تحديات
وطالب أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، بمنح مزايا ضريبية لصناعة الدواء باعتبارها أحد عناصر الأمن القومي؛ لأنها تتعلق مباشرة بحياة وصحة المواطنين، مؤكدًا أن مصر قادرة على الاقتراب من الاكتفاء الذاتي في صناعة الدواء؛ حيث يغطي الإنتاج المحلي 94% من احتياجات السوق، ولدينا فرص تصديرية لتوفر البنية الأساسية والأيدي العاملة والاتفاقيات التفضيلية، خاصة مع الدول الأفريقية والعربية التي تعد الأسواق الرئيسية لصادرات الدواء المصري.
وقال عبد الغني في تصريحات صحفية إن عدد مصانع الأدوية المرخصة يبلغ 191 مصنعًا تقترب استثماراتها من 500 مليار جنيه، وارتفعت صادرات الدواء ومستحضرات التجميل والمستلزمات الطبية العام الماضي إلى 1.16 مليار دولار، وهناك خطة لزيادتها إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030.
وأكد أن الوصول إلى هذا الهدف يواجه 6 تحديات؛ أولها توفير المواد الخام؛ لأننا نستورد 90% من مدخلات الإنتاج وتحتاج مصر 100 مليون دولار شهريًا لاستيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام اللازمة لصناعة الدواء، وكان ذلك سببًا رئيسيًا في نقص الأدوية خلال الفترة الماضية.
وشدد عبد الغني على ضرورة العمل على زيادة التصنيع المحلي للمواد الخام ومستلزمات التعبئة والتغليف التي تحتاجها المصانع، لافتًا إلى أن ذلك يتطلب تسهيلات ضريبية بصفة خاصة للمصانع الصغيرة والناشئة.
وأشار إلى أن التحدي الثاني يتطلب وضع آلية تسعير جديدة وعلاج التشوهات السعرية الحالية، مع مراعاة البعد الاجتماعي والتحركات السعرية للعملات الأجنبية.
وقال عبد الغني إن التحدي الثالث يتمثل في التزام إدارة الدمغة الطبية بالقانون رقم 5 لسنة 2007، وعدم المجازفة في تقدير الرسوم، خاصة بعد شكاوى مصنعي الأدوية من أن إدارة الدمغة تهدد الشركات إما بالدفع أو الغلق أو منع خروج المواد الخام من الجمارك.
وأوضح أن التحدي الرابع يتطلب تسهيل إجراءات ترخيص الأدوية، مشيرًا إلى أن التحدي الخامس يتعلق بالصيدليات؛ حيث لدينا 84 ألف صيدلية تعاني من أن حد الإعفاء الضريبي لها لا يتناسب مع معدلات التضخم، وذلك يسبب اضطرابًا في سوق الأدوية ويؤدي إلى ظهور السوق السوداء.
وكشف عبد الغني أن التحدي السادس يتعلق بمكافحة الأدوية المغشوشة التي انتشر بيعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستغلة نقص أنواع معينة وارتفاع الأسعار، مؤكدًا أن التغلب على التحديات الستة يساهم في سرعة توطين صناعة الدواء في مصر.
أزمة مستمرة
وأكد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أن نقص الأدوية وارتفاع أسعارها أزمة مستمرة منذ فترة؛ لأننا نتعامل مع الدواء في مصر من خلال طريقتين:
التأمين الصحي، حيث يقوم الأطباء بكتابة الاسم العلمي للدواء، ونفس الطبيب يكتب الاسم التجاري للدواء عندما يكون في عيادته الخارجية. ومع أن المادة الفعالة واحدة، وقد تكون أرخص، إلا أن المريض يرفض أدوية التأمين الصحي.
وكشف «عوف» في تصريحات صحفية أن الأدوية الناقصة التي ليس لها بديل موجودة في صيدلية الإسعاف، وتؤخذ بروشتة ورقم قومي وتقرير طبي، وشدد على ضرورة التكاتف من أجل الأفضل للبلد، مؤكدًا أن التكاتف سيحل الكثير من المشكلات ويوفر الكثير من الدولارات للبلد.
9 مراحل
في المقابل، زعم الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، أن تسعير الدواء يتم بطريقة عادلة، ويخضع لـ9 مراحل قبل إقرار أي زيادات، موضحًا أن نقص الأدوية ليس ظاهرة محلية أو عالمية؛ لكنه حالة مؤقتة تحدث أحيانًا بسبب عدم توافر المادة الخام، بالإضافة لتأخر وصول شحنات المواد الخام.
وقال «الغمراوي» في تصريحات صحفية إن عدم ضمان مخزون استراتيجي من المستحضرات المهمة والمنقذة للحياة قد يؤدي إلى نقصها في السوق خلال فترات الطلب المرتفع.
وأشار إلى أن النقص العالمي للأدوية أو المواد الخام أحد أهم أسباب النقص الدوائي، كما أن غلق أو تطوير بعض خطوط الإنتاج قد يكون سببًا في حدوث نقص في الدواء وفق تعبيره.
وحول إعادة تسعير بعض الأصناف الدوائية، قال «الغمراوي»: بعد تحرير سعر الصرف بدأت الشركات تطالب بمراجعة أسعار مستحضراتها في ضوء المتغيرات الاقتصادية الحالية؛ حتى يتسنى انتظام العملية الإنتاجية، وبالتالي توافر المنتجات ومثائلها وبدائلها.
وزعم أنه في حالة رصد نقص بعض الأدوية يتم التواصل مع الشركات ومراجعة الأرصدة والضخ، والتأكد من استمرار العملية الإنتاجية.
وادعى «الغمراوي» أن الهيئة تتبع سياسة عدم تصدير أي من الأدوية التي بها نقص في السوق إلا بعد التنسيق لضمان توافر كمية كافية تلبي احتياجات السوق لفترة تتراوح من شهر إلى 3 أشهر.