من القاهرة إلى غزة.. هل تعلم الطغاة شيئا من انتخابات الإخوان؟

- ‎فيأخبار

كتب: سيد توكل

يتعجب كثير من المراقبين من موقف العسكر وذيولهم الذين يرفضون الديمقراطية إذا جاءت بالإخوان المسلمين بينما يتغزلون بها إذا لم تأت بهم، ويزداد هيامهم بها إذا هي نجحت في إفقادهم مواقع أو إقصائهم عن مقاعد كانت بحوزتهم من انتخابات سابقة، لكن الشعوب التي أنضجها الوعي بدأت تتململ من الحالة الأبوية التي يمارسها وكلاء الاحتلال القديم، وأصبح الانقلاب في مصر على صفيح ساخن، ويعاني من فقد الاستقرار الذي تمتع به طوال 60 عاماً أو تزيد، بل ولم يمنع الظرف القمعي والانتهاكات المستمرة جماعة الإخوان في القاهرة من أن تصف صفوفها وتجري انتخاباتها في أجواء عاصفة، ومثل قيام مصارع سقط على حلبة الغدر والخيانة في 30 يونيو، تمسكت الجماعة بحبال الأمل وتحاملت وقامت من جديد.

ومن القاهرة إلى غزة التي انتهت بها انتخابات مماثلة أسفرت عن انتخاب القيادي إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في مشهد أربك المحتل الصهيوني الذي لا يقل فعله القمعي وانتهاكاته شيئا عن العسكر في مصر، وقد أصبح موقف المناوئين لجماعة الإخوان متناقض من كثرة تكراره هنا وهناك بمثابة "عادة متعودة " تكاد ترقى لصورة الحقيقة الثابتة لولا أن الحقائق بطبعها المنطقي والفلسفي لا ترحب بـ"اندراج" الافتراءات معها، وإنما تفرد لها فضاء خاصا تحت مسمى "الممارسات السائدة"، وهو مسمى مختلف بالطبع عن مسمى "الأكاذيب الثابتة".

درْس الأستاذ عاكف
في انتخابات ديمقراطية فاز فيها الأستاذ محمد مهدي عاكف (88 عاما) بمنصب المرشد السابع للإخوان المسلمين، وعدها المراقبون جزءا مهما من تاريخ مصر، فهو أحد قادة الحركة الطلابية المناهضة للاحتلال الإنجليزي، شارك في الإعداد للجهاد على أرض فلسطين ومن أبرز قادة مقاومة الاحتلال على ضفاف قناة السويس، وتشهد له مدن القناة ومعسكرات الجامعات المصرية بتاريخ ناصع وسجل حافل في سبيل تحرير بلاده.
ابن الباشا… ذلك المعدن الفريد من الرجال الذي قضى في مدرسة الإخوان المسلمين 76 عاما من حياته (1940- 2016م)، قرر منذ صباه تقديم حياته فداء لتحرير بلاده من الاستعمار وأذنابه، ولم يتوقف عن الكفاح حتى بلغ من الكبر عتيا خلف قضبان الطغاة.

76 عاما قضاها مع الإخوان ظل خلالها في مقدمة الصفوف قريبا من مؤسسها الإمام البنا ثم المرشدين الخمسة الذين سبقوه، ثم جرت انتخابات ديمقراطية غادر على أثرها منصبه مفسحاً مجال للمرشد الثامن الدكتور محمد بديع، فك الله أسرهم أجمعين.
هذا العملاق الوطني واجه مع جماعته حربا من كل نظم الحكم التي حكمت مصر منذ فاروق حتى اليوم، انتقاما لدوره الوطني، فبدلا من تكريمه زُج به في سجون مصر عبر كل العصور، من حكومة إبراهيم عبد الهادي في العهد الملكي مرورا بحكم عبد الناصر والسادات ثم مبارك والسيسي، إنه بحق سجين كل عصور الطغاة.
هو اليوم يصارع الموت في سجون الانقلاب، فقد تكالبت عليه الأمراض وتركوه في زنزانة انفرادية بعد إجراء عملية جراحية ثم تدهورت صحته، وأعلن محاميه أنه أصيب بأورام في القناة المرارية، ويتعرض لإهمال طبي. والهدف كسر عزيمته والحصول منه على كلمة اعتراف بالانقلاب، وكسر صمود أكثر من 60 ألف مختطف يرقبونه ويستمدون صمودهم منه وهو صاحب ملاحم الصمود عبر التاريخ.

درس هنية ومشعل
اختارت حركة حماس السبت الماضي٬ إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي للحركة خلفا لخالد مشعل٬ الذي تولى رئاسة المكتب دورتين، وفاز هنية على المرشحين، موسى أبو مرزوق ومحمد نزال، ويأتي انتخاب هنية بعد أيام من صدور وثيقة سياسية جديدة لحماس غيرت فيها تكتيكاتها حيال كيان العدو الصهيوني٬ وأعلنت قبولها قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في 1967، ويرى خبراء أن الهدف من التحول في موقف حماس هو إفشال المؤامرة الدولية المتعلقة بإجهاض القضية الفلسطينية، وعلى رأسها ما يخطط له ترامب ونتنياهو والسيسي من توطين الفلسطينيين في سيناء.
وشغل هنية٬ المولود في غزة والبالغ من العمر 54 عاما منصب رئيس الوزراء٬ بعد فوز الحركة في انتخابات 2006 واحتفظ بالمنصب على الرغم من الانقلاب الذي قام به رئيس سلطة رام الله محمود عباس قائد حركة فتح.

وفيما يتعلق بمنصبه الجديد في الحركة قال مشعل: "إخواني في مجلس شورى الحركة عرضوا علي الكثير من المهام واعتذرت٬ وأنا فقط عضو مجلس الشورى العام للحركة٬ لأني أريد أن أخدم حركتي بصرف النظر عن المواقع".

إن ما تسبب في الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي – كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية- حرصه الشديد على تطبيق الديمقراطية، وتوفير الكرامة والعدالة لشعب حرم منها لعقود طويلة بل ربما لم يذقها طوال الـ 7000 سنة إلا مرات قليلة، وعناده في منع التدخل الأمريكي في شئون مصر، حتى أن الإعلان الدستوري الذي لاموا مرسي عليه، كان وسيلة لمنع قضاة مبارك من تقويض تلك الديمقراطية في الأيام الأخيرة السابقة على الانتهاء من الدستور، حتى جاء الانقلاب وهدم كل شئ، فهل تعلم الطغاة في القاهرة وتل أبيب شيئا من انتخابات الإخوان، فأمامهم تجارب ناطقة بأن معاداة الإسلام والنهج الإسلامي ليست إلا حرثا في البحر.