بقلم: وليد التليلي
المتأمل في فيديوهات زيارة وزيري خارجية فرنسا جان نويل بارو وألمانيا أنالينا بيربوك في دمشق ولقاء اثنيهما قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، وتصريحاتهما وما تكشفه من تعالٍ وفوقية وعنجهية، تُبيّن محاولات التأثير على القرار السوري، والقفز فوق الواقع الحالي ومصادرة المستقبل، الذي لا يزال غامضاً وتُطرح بشأنه أسئلة عديدة مشروعة ومخاوف موضوعية.
غير أن صور الوزيرة الألمانية بالذات وتحليل الخطوات والمواقف والتصريحات توحي بشيء من العنجهية والتعالي الألماني المفرط، كأنها صاحبة مزرعة جاءت تعطي تعليمات للعمال، تقول: “أوروبا لن تموّل إنشاء هياكل إسلامية جديدة في سورية” وتضيف أن “رفع العقوبات سيعتمد على المضي قدما في العملية السياسية” أما فرنسا فوعدت بـ”تقديم دعم تقني وقانوني للحكومة السورية المؤقتة في إطار عملية صياغة الدستور السوري” ما يعني بلغة واضحة التدخل في صياغة الدستور وكأن السوريين عاجزون عن ذلك.
ويعلق المبعوث الألماني الخاص إلى سورية ستيفان شليك على ما شاهده بعد زيارته سجن صيدنايا مع وزيرة خارجيته قائلاً: “تعجز الكلمات عن وصف أهوال صيدنايا” كأن هاتين الحساسية والإنسانية الفياضة لا تليقان بالشعب الفلسطيني الذي يُباد بأموال وأسلحة ودعم ألماني، لم يسمع المبعوث ولا وزيرته بما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن أن أعضاء في الكنيست قالوا: إن “استراتيجية الجيش الإسرائيلي غير فعالة في إلحاق الهزيمة بحركة حماس، مطالبين الجيش بتطهير شمال غزة باستخدام الحصار وتدمير البنية التحتية وقتل أي شخص لا يرفع الراية البيضاء، وطالبوا بتدمير مصادر المياه والغذاء والطاقة في شمال غزة”.
لم يسمع المسؤولون الأوروبيون بهذه المواقف الرسمية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين، ثم يتباكون على مستقبل سورية، تحت عناوين بينها “الخوف على الأقليات” وقد أجرى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، في نهاية الأسبوع، مكالمة مع الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية والخارجية جان نويل بارو “ناقش الوزيران آخر التطورات في سورية وسبل مساعدة الشعب السوري” وشدّد بلينكن على ضرورة احترام حقوق الإنسان من كل المجموعات في سورية، وتطبيقها القانون الإنساني الدولي” لكل حريص على مستقبل سورية إذاً، ومتخوف على الأقليات، وربما يكون هذا صحيحاً لدى بعضهم، الحقيقة أيضاً أن هناك أوراقاً سياسية مهمة، الوجود الروسي والنفوذ الإيراني، والأهم الذي يمثل خلاصة الطموحات تحييد سورية نهائياً لإنهاء أي تهديد لإسرائيل، بما يشمله ذلك من وأد المقاومة وخنقها في كل أرجاء المنطقة.
وهذه الملفات مواضيع سياسية تمكن مناقشتها، وهي أوراق أيضاً بيد الإدارة السورية نفسها لتفاوض عليها، ولكن ليس بهذا التعالي الألماني، لقد سقطت ألمانيا منذ حرب غزة سقوطاً لا حد له.