تسليم المعارض والشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي لدولة الإمارات خلق رعبًا لدى الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان بشأن المعارضين العرب الذين يعيشون في مدن عربية، من احتمالية أن يتم تسليمهم إلى السلطات التي يعارضونها في أي لحظة.
وضربت دولة لبنان التحذيرات الدولية المتكررة لترحيل نجل القرضاوي عرض الحائط، ورحلته الحكومة اللبنانية إلى الإمارات. وجاءت عملية التسليم بعد أيام قليلة من اعتقاله وظهوره في مقطع فيديو من داخل الجامع الأموي بدمشق، حيث انتقد التعامل القمعي لعدة دول مع شعوبها، من بينها الإمارات.
ورغم أن القاصي والداني يرون أن هناك صفقة جرت وراء الكواليس بين الإمارات ولبنان، إلا أن الأخيرة عزت قرار ترحيل نجل الداعية الإسلامي الراحل يوسف القرضاوي إلى مذكرة توقيف صادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب.
وبعد ترحيل القرضاوي إلى الإمارات، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: “إنه يواجه بشكل شبه مؤكد محاكمة جائرة وخطرًا حقيقيًا بالتعرض لانتهاكات أخرى، بما في ذلك التعذيب”.
الدول العربية لم تعد آمنة
حذر العديد من الحقوقيين المعارضين المقيمين بالدول العربية، مؤكدين أن الدول العربية لم تعد آمنة، ولا حتى المرور عبرها أثناء السفر، مطالبين بتوخي الحذر. جاء ذلك وفقًا لتصريحات سعيد عباسي، المتحدث باسم الجمعية المصرية الأميركية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويقول عباسي، الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1995، إنه لا يستطيع زيارة مصر منذ عام 2013، وحُرم من رؤية والدته لمدة تسع سنوات حتى وافتها المنية منذ سنتين، بسبب معارضته انقلاب الجيش على الرئيس الشهيد المنتخب محمد مرسي.
وقال عباسي خلال مداخلة تلفزيونية: “وجدت نفسي لاحقًا في قضية أُتهم فيها بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، رغم أنني لم أكن عضوًا فيها”.
وأضاف: “كل ما فعلته هو المشاركة في مظاهرات ضد الانقلاب العسكري أثناء وجودي في بلادي عام 2013”.
ويرى طه الحاجي، المدير القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها في برلين: “نعلم منذ زمن طويل أن الدول العربية ليست آمنة للمعارضين، لكن ازداد عددهم مع دخول لبنان والعراق إلى القائمة، مع ازدياد ملحوظ لنشاط الإنتربول العربي”.
وقال عباسي: “الموضوع بالنسبة لنا ليس مجرد قضية فردية، بل هو رسالة مفادها أن الدول العربية لم تعد مكانًا آمنًا للمعارضين أو أصحاب الرأي المخالف”. وأضاف: “الوضع الراهن يبعث برسالة خطيرة للمجتمع الدولي”.
وتابع: “إذا كانت الدول العربية قد وصلت إلى هذه المرحلة من القمع، فإن الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة يصبح كلامًا فارغًا”.
ويخشى رائد العلي من تزايد المخاطر مع وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير الجاري.
وقال: “لا نعلم ماذا قد يحل بنا في المستقبل. ربما يكون أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن نكون رهائن لسياسات قمعية دولية ومحلية تتقاطع كلها في تشويه الحقوق وإسكات الأصوات الحرة”.
نجل القرضاوي ليس الأول ولن يكون الأخير
وأشار عباسي إلى أن عملية تسليم القرضاوي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها حالات أخرى، من بينها تسليم سلمان الخالدي (25 عامًا) من العراق إلى الكويت الخميس الماضي، بناءً على مذكرة صادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب.
ويُعرف الخالدي بنشاطه السياسي وانتقاداته الحادة للعائلة الحاكمة في الكويت وتسليطه الضوء على قضايا الفساد في البلاد.
وفي مايو 2023، احتجزت السلطات الأردنية مواطنًا يحمل الجنسيتين الإماراتية والتركية، وهو خلف عبد الرحمن الرميثي، وأعادته إلى الإمارات، حيث أُخفي قسرًا، حسب تقارير حقوقية. لاحقًا، أُلحق الرميثي بمحاكمة جماعية “شابها انتهاك للإجراءات الواجبة وسوء المعاملة والتعذيب”.
وفي خطة ممنهجة لإسكات المعارضة خارج مصر، اعتقلت السلطات المغربية الطبيب المصري عبد الباسط الإمام، الذي يحمل الجنسية التركية، في مطار الدار البيضاء في الثالث من نوفمبر الماضي. وصدر بحق الإمام حكم غيابي بالسجن عام 2017 في إحدى القضايا السياسية، بعد أن غادر البلاد بشكل قانوني في 2016، وفقًا للمنظمة.
وفي أغسطس 2023، رحلت السلطات البحرينية رجل الأعمال محمد محمود عاجز، المقيم في البحرين بصفة شرعية منذ عام 2015 ويحمل الجنسيتين المصرية والتركية.
اعتُقل عاجز في الثاني من الشهر نفسه إثر مطالبة مصر بتسليمه على خلفية صدور أحكام ضده في قضايا ذات طابع سياسي، بحسب الشبكة.
ولم يقتصر تسليم المعارضين السياسيين على الدول العربية فقط، إذ سجلت حالات مماثلة في دول أخرى.
فبينما قامت دول مثل الكويت، الإمارات، السعودية، البحرين، لبنان، الأردن، والسودان بتسليم معارضين إلى مصر، أقدمت دول غير عربية مثل ماليزيا، تركيا، إسبانيا، والسويد على اتخاذ إجراءات مماثلة، رغم حالة الخطر المحققة، وفقًا للشبكة المصرية.
وفي مارس 2017، بعد أن فر الناشط السعودي البارز محمد العتيبي إلى قطر، أعادته الدوحة قسرًا إلى بلاده في 25 مايو من العام ذاته، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وفي أبريل 2021، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات إضافية، ليصل مجموع أحكامه إلى 17 عامًا، وفقًا لمؤسسة القسط لحقوق الإنسان.
وفي 13 نوفمبر الماضي، وقع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي ووزير الداخلية السعودي عبد العزيز بن سعود بن نايف آل سعود ثلاث اتفاقيات، من بينها تسهيل ترحيل السجناء وتسليم المطلوبين بين البلدين، وفقًا لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية.
وكانت محكمة النقض في المغرب قد رفضت في الأول من فبراير 2023 الإفراج عن الناشط السعودي حسن آل ربيع وقررت تسليمه إلى السعودية.
واعتقلت السلطات المغربية آل ربيع في 14 يناير 2023 خلال محاولته السفر إلى تركيا.
وتحظر المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب تسليم أي شخص إلى دولة يُعتقد أنه قد يتعرض فيها للتعذيب.