في كل دول العالم، تضطلع المؤسسات التشريعية والبرلمانات بالدفاع عن حقوق الشعب وتحقيق مطالبه وحماية حقوقه ومحاسبة السلطة التنفيذية على أفعالها وسياساتها، إلا في مصر، حيث يصوغ الجهاز الأمني بتشكيلاته المختلفة البرلمان، عبر الفساد المالي والإداري والأمني وتصعيد ثلة من أتباع السلطة التنفيذية، الذين ينجزون كل شاردة وواردة تريدها السلطة.
وفي هذا الإطار، جاءت فضائح برلمان العسكر مجلجلة خلال عملية سلق قانون الإجراءات الجنائية المرفوض مجتمعيًا وسياسيًا.
حيث وافق مجلس النواب، خلال جلسة أمس، على 41 مادة جديدة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، ليبلغ إجمالي ما أقره المجلس من مواد 102 مادة حتى الآن، من أصل 540 مادة تمثل إجمالي مواد المشروع.
ومرر المجلس خلال جلسة الأحد نص المادة 79 من مشروع القانون، التي تتيح للقاضي أن يمكّن النيابة العامة، بإذن مسبب منه وبعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، من مراقبة المراسلات الخاصة بالمتهمين. كما يجيز النص له تجديد الإذن لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، رافضًا مقترحين تقدم بهما النائبان فريدي البياضي ومحمد عبد العليم داود لتقييد تلك المدد، بما لا يزيد عن مدتين.
قال البياضي إن فتح المدد على هذا النحو يتعارض مع الدستور، الذي يكفل حرمة الحياة الخاصة ويمنع المراقبة والاطلاع على المراسلات والاتصالات إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.
فيما طالب داود بإعلاء المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان والحريات، قائلًا: “لما أفتح الباب لزيادة المدد، يبقى خلصت المسألة، لازم يكون فيه ضابط”.
وبناء عليه، استمرت المادة 79 تنص على أنه “يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد، والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أي وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات الأحاديث التي جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر”.
تُلزم المادة النيابة العامة بأن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا، ويصدر القاضي الإذن المشار إليه مسببًا بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.
تكرر الجدل ذاته بشأن المادة 80، التي تجيز للنيابة العامة أن تأمر بمراقبة المكالمات الهاتفية للمتهمين، بناءً على إذن مسبب من القاضي ولمدة 30 يومًا قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة. إذ طالب داود أيضًا بتقييد تلك المدد، مستنكرًا: “هتراقبوا التليفون طول العمر؟”، لكن طلبه قوبل بالرفض وأُقر نص المادة كما هو.
رفض تصوير التحقيقات
واصل مجلس النواب، أمس، رفض التعديلات المقترحة من نواب المعارضة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ومنها مقترح النائب محمد عبد العليم داود الخاص بتصوير تحقيقات النيابة العامة في القضايا المختلفة بالفيديو.
مرر المجلس المادة 66 من مشروع القانون كما هي، دون أن يستجيب لإدخال ذلك المقترح عليها. وتنص المادة على أن “يصطحب عضو النيابة العامة في التحقيق أحد كتّاب النيابة العامة لكتابة أو تحرير المحاضر اللازمة، ويجوز له عند الضرورة أن يكلف غيره بذلك بعد تحليفه اليمين، ويوقع عضو النيابة والكاتب كل صفحة من هذه المحاضر، وتحفظ النيابة العامة المحاضر مع باقي الأوراق”.
أيّد وزير العدل عدنان فنجري رفض مقترح التصوير بالفيديو، لكنه أكد أن هذا النص لا يمنع مستقبلًا من اتخاذ إجراءات التدرج التقني، بحيث تكون الفيديوهات آلية مكملة للتحقيقات المدونة ورقيًا.
وفي الجلسة ذاتها، مرر المجلس نص المادة 63 من مشروع القانون، التي تنص على أنه “يجوز تكليف أحد معاوني النيابة العامة بتحقيق قضية بأكملها، كما يجوز لعضو النيابة العامة من درجة مساعد نيابة عامة على الأقل أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم”.
“ويكون لمأمور الضبط القضائي المندوب، في حدود ندبه، كل السلطات المخولة لمن ندبه، وله أن يجري أي عمل آخر من أعمال التحقيق، وأن يستجوب المتهم في الأحوال التي يُخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلًا بالعمل المندوب له ولازمًا لكشف الحقيقة”، حسب نص المادة.
ولم يستجب المجلس لاقتراحات رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع النائب عاطف مغاوري الخاصة بعدم استجواب مأمور الضبط القضائي للمتهمين، خاصة بعد التوسع في مفهوم مأموري الضبط الذي امتد ليشمل الخفراء.
توسيع سلطة الضبط القضائي
وافق مجلس النواب الشهر الماضي على المادة 25، التي تحدد من لديهم سلطة الضبط القضائي، وتضم العمد، مشايخ البلاد، مشايخ الخفراء، مندوب الشرطة، وضباط الصف. وشهدت المناقشات وقتها خلافات أدت إلى الحذف من المضبطة بعد هجوم على المعارضة.
في الوقت نفسه، رفض مجلس النواب حذف المادة 67، التي تنص على أن “في غير الأحوال التي تصدر فيها النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بيانات رسمية، تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها، والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار. ويجب على أعضاء النيابة العامة وأعوانهم من كتّاب، وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ويُعاقب من يخالف ذلك منهم بالعقوبة المقررة في المادة 310 من قانون العقوبات”.
وطالب مغاوري بحذف هذه المادة، وأيده النائب محمد عبد العليم داود، الذي ربط بين هذا النص وحق الصحفيين في الوصول للمعلومات، مشيرًا إلى أن النائب العام صاحب اختصاص حظر النشر.
وقبل نهاية العام الماضي، عقد مجلس النواب جلستين لمناقشة مشروع القانون، وافق خلالهما على 61 مادة وأقر ضوابط حالات التلبس والقبض على المتهمين والتفتيش، ورفض كل التعديلات التي تقدم بها نواب المعارضة.
وخلال الجلستين، تقدم النواب أشرف أبو الفضل وسناء السعيد وأيمن أبو العلا ونادر مصطفى باقتراح حذف عبارة “متى اقتضى الأمر ذلك”، من المادة 33 التي تنص على التزام مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة “أن ينتقل فورًا إلى محل الواقعة، ويعاين الآثار المادية للجريمة، ويحافظ عليها، ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فورًا بانتقاله، وعليها بمجرد إخطارها الانتقال فورًا إلى محل الواقعة، متى اقتضى الأمر ذلك”.
ورفض اقتراحات النائبين عاطف مغاوري والمستقل رضا غازي بتعديل المادة 36، كما رفض المجلس اقتراحًا بشأن التصوير خلال الضبط والمعاينة، ورفض إجراء تعديلات على المادة 46 من مشروع القانون ترتب البطلان على انتهاك ضوابط تفتيش المنازل أو مراقبتها.
وخلال الشهر الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون الإجراءات الجنائية من حيث المبدأ، الذي سبق أن تعرض لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقةً وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.
ومع تواصل نفس النمسار في سلق القانون لصالح السلط القمعية، يقف الشعب المصري كله عريانا أما سلطة السيسي، بلا أية حقوق أو ضمانات، في مواجهة بطش سلطوي غير مسبوق، يقود إلى العنف والانفجار والفوضى التي تعد النتيجة الحتمية لاغلاق كل منافذ الحرية والضمانات ومُراعاة حقوق الإنسان.