عندما اندلعت الثورة في مصر يوم 25 يناير 2011، كانت نتاج أوضاع بعينها وعلى رأسها “زاوج” السلطة السياسية بالمال الذي كان سمة مميزة لفساد عصر الرئيس الراحل، حسني مبارك.
تلك العلاقات الملتبسة بين رجال السلطة السياسية وعائلاتهم وبين رجال الأعمال، خلفت حالة معقدة أسهمت في اندلاع ثورة الغضب.
في هذا الصدد سدد رجل الأعمال مجدي راسخ، صهر الرئيس الراحل حسني مبارك، ورجلا أعمال آخران، مبلغاً يقدّر بنحو 700 مليون جنيه مصري ونحو 2.5 مليون دولار، أي ما يوازي 125 مليون جنيه مصري بسعر الصرف الرسمي الحالي 50.55 جنيهاً للدولار، وذلك مقابل التصالح في إتهامهم بقضية “فساد الغاز” والمقدر قيمتها بأكثر من مليار جنيه، حيث تقرر انقضاء الدعوى الجنائية قبلهم بالتصالح.
واليوم يكرر التاريخ نفسه وتصبح عائلة رئيس الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، أحد أسباب الترقي المالي والسياسي لكبار رجال الأعمال، ومن أبرزهم صاحب مجموعة “الصافي الاستثمارية”، صافي وهبة.
صهر مبارك دفع 825 مليون جنيه
وكانت لجنة فنية من الخبراء، جرى تشكيلها من قبل المحكمة، قد أودعت تقريرها في وقت سابق، والذي جاء ليؤكد إدانة المتهمين بشأن الإتهامات الموجهة إليهم وعدم وجود مغالطات في الأرقام، وفقاً لما ادعاه دفاع المتهمين، وهو ما دفعهم إلى تقديم طلبات للتصالح في القضية مقابل السداد. وخُفّض المبلغ إلى الرقم المسدد، رغم تجاوز قيمة الفساد مليار و200 مليون جنيه.
والمتهمون في القضية هم محمد مجدي حسين راسخ، 76 سنة، رئيس مجلس إدارة شركة ناشيونال جاس الأسبق، ومحمد هاني فريد، 59 سنة، رئيس مجلس إدارة شركة ناشيونال جاس الأسبق والرئيس التنفيذي الحالي للشركة، وحسام رضا جنينة، 40 سنة، رئيس مجلس إدارة شركة ناشيونال جاس السابق”.
ووجهت جهات التحقيق إلى المتهمين في القضية تهماً بأنهم، خلال الفترة من 1 يوليو/تموز 2010 وحتى 29 يناير/كانون الثاني 2019، وبصفتهم رؤساء مجلس إدارة شركة ناشيونال جاز والممثلين القانونيين لها، أخَلوا عمداً، مع آخر متوفى، بتنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها عليهم عقد المقاولة المبرم بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1999 بين الشركة التي ترأسوها والهيئة العامة للبترول، والمتمثلة في التزامهم بتحصيل قيمة الغاز المباع للعملاء والمستهلكين بمحافظة الشرقية وتوريدها للهيئة، كما جرى النص عليه بالفقرة الخامسة من البند السابع بالعقد.
وذلك بأن امتنعوا عمداً عن توريد المبالغ المحصلة لصالح الهيئة خلال الفترة، بإجمالي مبلغ قدره 969 مليوناً و669 ألفاً و636 جنيهاً، ومبلغ مليون و725 ألفاً و986 دولاراً، أي ما يعادل نحو 38 مليون جنيه مصري بسعر الصرف الرسمي الحالي. وامتنع الأول خلال فترة رئاسته للشركة من 1 يوليو/تموز 2010 وحتى 5 يناير/كانون الثاني 2011 عن توريد مبلغ يتجاوز 73 مليون جنيه، ومبلغ آخر يتجاوز 633 ألف دولار.
وامتنع المتوفى خلال فترة رئاسته للشركة من 6 يناير/كانون الثاني 2011 حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 عن توريد مبلغ يتجاوز 18 مليون جنيه ومبلغ يتجاوز 944 ألف دولار، كما امتنع المتهم الثاني خلال فترة رئاسته للشركة من 28 يناير/كانون الثاني 2015 وحتى 30 سبتمبر/أيلول 2015 عن توريد مبلغ يتجاوز 74 مليون جنيه، ومبلغ يتجاوز 21 ألف دولار، وامتنع المتهم الثالث خلال فترة رئاسته للشركة من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وحتى 29 يناير/كانون الثاني 2019 عن توريد مبلغ 641 مليون جنيه ومبلغ 125 ألف دولار.
وبلغ إجمالي المبلغ الدولاري المستحق نحو 2.5 مليون دولار أي ما يوازي نحو 125 مليون جنيه مصري بسعر الصرف الرسمي الحالي، مما ألحق ضرراً جسيماً بأموال الهيئة العامة للبترول، متمثلاً في قيمة المبالغ المالية الممتنع عن توريدها، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
صافى وهبة والتحول الكبير بعد مصاهرة عائلة السيسى
وكان النسب بعائلة المنقلب السفيه السيسي بمثابة التحول الأكبر في مسيرة صافي وهبة ومجموعته، فبعدها مباشرة أصبحت “الصافي جروب” هي المورد الحصري لصفقة “التابلت” للمدراس في مشروع وزير التربية والتعليم السابق، طارق شوقي.
لم يعلم حينها كيف استقرت الصفقة على مجموعة “الصافي” خاصة مع عدم الإعلان عن مناقصة، وكانت تكلفة المشروع بحسب شوقي 500 مليون دولار.
في أغسطس 2019، تم تعيين صافي وهبة بقرار من وزير الصناعة رئيسا للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي.
وفي 2020 ظهر اسم وهبة كرئيس لمجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان، والتي كانت شركة حكومية تم خصخصتها قبل ثورة 25 يناير 2011، ولكن صدر حكم من الإدارية العليا ببطلان عقد الخصخصة بعد الثورة خلال عام 2012.
وبالفعل أصبح وهبة رئيسا لمجلس إدارة “النيل لحلج الأقطان” عام 2020 بعد انتهاء الاستحواذ على كامل الشركة تقريبا بنسبة 93 بالمئة من خلال عرض شراء إجباري للأسهم من البورصة بقيمة 50 جنيها للسهم (1.6 دولار)، رغم أنه في 2016 أثناء المفاوضات على حل أزمة الخصخصة كان تقييم السهم حوالي 100 جنيه (3.25 دولارات).
حوت السوق
الصعود السريع لوهبة وصل به إلى أن أصبح واحدا من كبار “حيتان” الاقتصاد في مصر.
وفي عام 2022، استطاعت “الصافي جروب” بالإضافة للعرجاني جروب المملوكة لإبراهيم العرجاني، مشاركة مجموعة الغانم الكويتية، وهي الوكيل الحصري لسيارات “بي إم دبليو” الألمانية في مصر، وتم إعادة افتتاح مصنع التجميع الخاص بالسيارات بعد توقف نحو 5 سنوات.
لكن شراكة وهبة بالعرجاني كانت مثيرة للجدل، لأن الأخير أحد أشهر المقاولين العاملين في سيناء، وسبق أن اتهم في قضية خطف عناصر من الشرطة قبل “ثورة يناير” وتحديدا عام 2008، عندما احتجز عناصر من الأمن احتجاجا على قتل شقيقه الذي كان مطاردا بتهمة تهريب المال والسلاح، وقد قبض على العرجاني لكن أفرج عنه لاحقا.
نفوذ وهبة المتصاعد أدخله في صفقات أخرى متعددة ومثيرة، وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، نشرت صحيفة “الشروق” المحلية، أن مجموعة الصافي استحوذت على 53 بالمئة من الشركة العربية للفنادق المالكة لفندق هيلتون رمسيس.
وذكرت أن الصفقة قدرت بحوالي 4 مليارات جنيه (نحو 130 مليون دولار)، حيث اشترت الصافي حصة صناديق سيادية عربية، تحديدا الصندوق الكويتي، وحصة هيئة الاستثمار الليبية.
وسبب الجدل في هذه الصفقة أن الحكومة بقيادة رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، كانت تعمل على جذب الصناديق الخليجية للاستثمار وشراء الأصول في مصر، لكن العكس الذي حدث مع دخول الصافي إلى هذه المساحة.
كانت آخر صفقات الصافي وأكبرها تلك التي تمت في 11 يوليو 2023، عندما وقعت شركة “سوديك” المملوكة لمجموعة “الدار” العقارية الإماراتية عقد شراكة مع شركة الصافي لتطوير 440 فدانا بالساحل الشمالي.
وأوردت صحيفة “المال” المصرية أن توقعات إيرادات المشروع حوالي 80 مليار جنيه (2.6 مليار دولار) على 11 عاما، وبموجب الشراكة ستعطي “سوديك” 27 بالمئة من الإيرادات للصافي، ليكون ربح الأخير نحو 21.6 مليار جنيه (682 مليون دولار).
شراكة المخابرات
النسب بين صافي وهبة وعائلة السيسي، فتح له بابا آخر للتعاون، حيث الشراكة مع جهاز المخابرات العامة تحت قيادة اللواء عباس كامل الذراع اليمنى لرئيس النظام.
وفي 15 أغسطس/ آب 2022، نشر مركز “إنسان للدراسات الإعلامية” ورقة بحثية عن النشاط الاقتصادي للمخابرات العامة، وأورد أن “المجموعة الاقتصادية التابعة لجهاز المخابرات العامة، تقوم بإنشاء شركات عبر استخدام أسماء مستعارة لضباط الجهاز للتحايل على القانون”.
واستدرك المركز: “لكن مع صدور التعديلات الجديدة على قانون الجهاز والقانون الخاص بأفراده، ستكون العملية أسهل بكثير”.
يذكر أن تعديل قانون المخابرات العامة في 20 فبراير، منح الجهاز من خلاله امتيازات واسعة، على رأسها الامتيازات المالية والاقتصادية.
وذكر المركز أن “جهاز المخابرات كان يقوم باستخدام شخصيات مدنية من خارج الجهاز في تأسيس شركات، مثل رجل الأعمال صافي وهبة، رئيس مجموعة وهبة للاستثمار”.
وتسببت الشراكة في الكثير من الجدل، لا سيما مع احتكارها الكثير من الأعمال، وتم الهجوم عليها من قبل بعض السياسيين مثل النائب محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب “الإصلاح والتنمية”.
وفى الختام يبقى السؤال كم يدفع “صافى وهبة ” من المليارات بعد الإطاحة بالسيسى؟