وسط الضغوطات الشعبية التي يتعرض لها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والذي يصر على التعامل معها بكل قمع وعنف عبر الاعتقالات، ومصادرة الأموال، ظهر في الأفق تسريبات من دوائر أمنية مقربة له تفيد بضرورة إعطاء مساحة للرأي والمعارضة عبر بعض الشخصيات الوطنية التي من الممكن أن تتعاون مع نظامه، ومن ضمنهم عمار علي حسن، والاقتصادي والقانوني زياد بهاء الدين.
ويواجه السيسي ضغوطات للاستجابة لمطالب المعارضة، وتخفيف القبضة الأمنية، وفتح المجال العام، والإفراج عن المعتقلين، حتى لا تصل القاهرة إلى السيناريو السوري.
تأتي تلك النصائح والضغوطات في وقت بات التغيير يهدد ويفزع السيسي، ويضطره للانحناء ولو قليلاً، بسبب تزايد الضغط الخارجي ممن أتوا به حيث يشعر أن دوره اقترب على النهاية، ولا مكان له بعد الآن؛ كما بان خلال تصريحاته الأخيرة من انزعاجه الشديد مما يحدث في سوريا وخوفه من أن ينقلب عليه الجيش لأسباب، إما بتوجيه من الخارج أو خوفاً من فقدان كل شيء، فيتم التضحية به بدلاً من التضحية بمكانة الجيش نفسه.
حيث يعلم السيسي أن التغيير لن يأتي بطلب من الشعب أو المعارضة الوهمية له، فالمعارضة لا قيمة لها طالما سيقومون بدور الديكور المسموح به من إدارة السامسونج.
السيسي بدأ في الانحناء
ويرى الصحفي والإعلامي قطب العربي أن “نظام السيسي يسير حتى الآن عكس اتجاه رياح التغيير في المنطقة، ففي الوقت الذي توقع فيه الكثيرون خلال الشهور الماضية، سواء قبل انتصار الثورة السورية وبالأخص بعدها، أن يقدم النظام على إجراءات إصلاح وانفتاح سياسي”.
مؤكداً أن السيسي يفعل الأمر وعكسه، قائلاً: “تلك الإجراءات مثل الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين، خاصة النساء وكبار السن والمرضى، ومثل فتح المجال الإعلامي، والسماح بتعدد الآراء، والسماح بحرية التعبير، إلا أنه ذهب في الاتجاه المعاكس بفرض تشريعات جديدة تتضمن المزيد من القيود على الحريات مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون المسؤولية الطبية”.
وأشار إلى تناقض النظام المصري بقوله: “لقد وجه وزير خارجية السيسي النظام السوري الجديد إلى عملية سياسية شاملة لا تُقصي أحداً من مكونات المجتمع السوري، في الوقت الذي لا يزال فيه النظام المصري نفسه يمارس الإقصاء والتهميش لقوى سياسية عديدة، وحين يدعو إلى حوار فإنه يقصره على جزء من فريق (30 يونيو)، وليس كل المنتمين لها، ناهيك عن رافضي 30 يونيو وما أنتجته من انقلاب عسكري”.
ومضى يؤكد أن “النظام المصري يخالف السنن الكونية في ضرورة التغيير، والشعب المصري وقواه السياسية تريده تغييراً سياسياً سلمياً، لكن النظام يرفض هذا التغيير السلمي، وهو بذلك يغذي لدى البعض فكرة التغيير المسلح، لأنه يدرك أنها طريقة مرفوضة من الشعب المصري، وبالتالي فهو يغري بها البعض حتى يقعوا في الفخ، ويصبحوا في مواجهة مع الشعب، وساعتها يجد النظام فرصته لتجديد سنوات حكمه”.
وخلص إلى القول: “إذا كان هناك من لا يزال يؤمن بحق الشعب في العيش والحرية والعدالة والكرامة، ومن لا يزال يؤمن بضرورة تجنيب الوطن فوضى لا يعرف أحد مداها، فعليه أن يتحرك لتحقيق مطالب الشعب بشكل آمن”.
خطة انحناء السيسي
وفي مقابل تلك الدعوات والنصائح، يواصل السيسي قراراته المثيرة للجدل والخانقة للمجال العام، مع استمرار حبس المعارضين والتضييق على المعتقلين والتعامل الأمني الغليظ مع كل صاحب رأي.
وفي سياق التضييق، وافق مجلس النواب على منح النيابة العامة سلطة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل الاتصال، ومنها الحسابات على السوشيال ميديا أو الإيميلات أو الهواتف المحمولة.
ذلك الجدل يأتي في الوقت الذي يتوجس فيه السيسي وأجهزته الأمنية من نتائج الغضب الشعبي المتفاقم مع اقتصاد البلاد المتردي، ومعاناة أكثر من 107 ملايين مصري في الداخل من الفقر والتضخم، مع أزمات دين خارجي تفوق الـ155 مليار دولار، وتراجع دراماتيكي لقيمة العملة المحلية، بجانب حملات القمع الأمني واستمرار اعتقال أكثر من 60 ألف معارض.