يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، ولليوم الثاني على التوالي، عمليته العسكرية وعدوانه الضخم في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية.
وتوسعت حملة جيش الاحتلال وشملت أحياء عدة في جنين، فيما وصلت حصيلة الشهداء إلى 10 إضافة إلى 40 جريحا.
وواصلت فصائل المقاومة في المخيم التصدي لقوات الاحتلال، وقال شهود عيان لوكالة الأناضول، إن أصوات الاشتباكات تسمع على مدار الساعة.
وشرعت جرافات عسكرية بتدمير البنى التحتية وممتلكات ومحال تجارية.
والثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه وجهاز “الشاباك” وحرس الحدود، باشروا حملة عسكرية لإحباط الأنشطة الإرهابية في جنين، وفق زعمه، وأطلق عليها اسم “السور الحديدي”.
وقالت هيئة البث العبرية (رسمية): “بدأ الجيش الإسرائيلي عملية في جنين بغارة جوية بطائرة بدون طيار استهدفت بنى تحتية”.
واللافت أن الحملة تزامنت مع بدء انسحاب أجهزة أمن السلطة الفلسطينية من المخيم، ما دفع فلسطينيين إلى اتهامها بـ”تسليم المخيم للاحتلال”.
وجاءت عملية جنين في اليوم الثالث من تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس.
وتمثل العملية -وفق إعلام عبري- محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاسترضاء وزير المالية اليمني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الغاضب من وقف إطلاق النار في غزة.
والثلاثاء، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن نتنياهو وعد سموتريتش بشن هجوم على مخيم جنين، مقابل عدم استقالته من الحكومة ما قد يؤدي إلى انهيارها.
تمهيد من سلطة عباس
ويأتي العدوان الصهيوني على جنين والضفة، بعد أكثر من شهر من استنزاف أجهزة أمن السلطة لكتائب المقاومة داخل المخيم، بحجة الحرب على الخارجين عن القانون.
ووثقت كاميرات مواطنين في جنين لحظة خروج أجهزة أمن السلطة من محيط المخيم، تزامنا مع دخول آليات الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد وصفه ناشطون بأنه تنسيق وتبادل أدوار واضح، قبل أن يعلن جيش الاحتلال إطلاق اسم “السيف الحديدي” على العملية.
وبرر الناطق باسم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، الانسحاب المتزامن مع اقتحام جيش الاحتلال، بأنه يهدف إلى تجنب مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.
فيما نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مصادر قولها، إن مسؤولين فلسطينيين كبارا بُلغوا من قبل الجانب الإسرائيلي بضرورة الانسحاب، قبيل بدء الاجتياح.
ولمدة 47 يوما، نفذت أجهزة أمن السلطة حملة ضد المقاومة في جنين، بزعم وجود خارجين عن القانون، وحاولت “كتيبة جنين” وغيرها من فصائل المقاومة تجنب المواجهة المباشرة عدة مرات.
ومنذ أيام، انهارت جهود لجنة إصلاح ووساطة بين الأجهزة الأمنية والمقاومين، وذلك بعد الانتهاكات العديدة التي سجلها أهالي المخيم ضد الأجهزة الأمنية، واستمرار الحصار الخانق، ومنع حركة المواطنين بشكل سلس.
واللافت أن فصائل المقاومة في مخيم جنين أكدت مرارا أنها لا ترفض تواجد السلطة، لكنها لا تريد تسليم سلاحها الموجه ضد الاحتلال فقط.
وقال الكاتب الفلسطيني ياسين عز الدين: إن “الاجتياح الوحشي لمخيم جنين هو نتيجة حملة ’حماية وطن’، التي شنتها السلطة في المخيم، مضيفا: “تركت الطريق ممهدة أمام جيش الاحتلال، يجب أن لا تمر جريمة السلطة مرور الكرام”.
فيما قال الخبير العسكري الأردني اللواء فايز الدويري: إن “من سخريات الأفعال أن تنسحب أجهزة أمن السلطة من محيط مخيم جنين بعد اقتحامه من قبل جيش الاحتلال”.
وتساءل الدويري “هل ذلك تكامل أدوار، أم تبادل أم ماذا؟”.
بدوره، قال الصحفي في قناة “الجزيرة” صهيب العصا: إنه “وبعد ساعات قليلة من إعلان الناطق باسم أجهزة أمن السلطة اعتقال 40 فلسطينيا من جنين، ومصادرة أسلحة وعبوات ممن وصفهم بالخارجين عن القانون، ضمن عملية “حماية وطن”، قامت قوات الاحتلال بشن عملية “السيف الحديدي” على المخيم”.
وقال الخبير في الشؤون المقدسية زياد ابحيص: إن “مشاهد انسحاب أجهزة أمن السلطة مقابل دخول آليات إسرائيلية لمخيم جنين، هي تسليم واستلام مرتب”.
وأضاف أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية أكملت فصلا من مهمتها في “تسليم الوطن”، على حد وصفه.
وكانت حركة “حماس” أدانت بشدة العدوان على جنين، وقالت: إن “ما يثير الاستغراب سلوك أجهزة السلطة التي انسحبت من محيط مخيم جنين بالتزامن مع بدء العملية العسكرية للاحتلال”.
وقالت القناة “12” الإسرائيلية، إن إخفاق أجهزة أمن السلطة في حملتها ضد المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، سرّعت من اجتياح المخيم من قبل جيش الاحتلال.
ولفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الاجتياح اليوم هو بمثابة الهدية المقدمة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير المالية المتطرف بتسئيل سموتريتش، مقابل عدم استقالته من الحكومة.
واتفق الجانبان على إنشاء قوة شرطة فلسطينية؛ لحفظ النظام العام والأمن الداخلي في الضفة وغزة.
وإثر الاتفاق، تم تأسيس لجنة مشتركة للتنسيق من ممثلين من الأجهزة المختلفة، بقيادة ضابط إسرائيلي برتبة عميد وآخر فلسطيني برتبة لواء.
وطيلة السنوات الماضية، قامت السلطة بتسليم جيش الاحتلال مئات الفلسطينيين الذين يتهمهم الاحتلال بتنفيذ عمليات.
ومطلع يناير الجاري، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن السلطة الفلسطينية طلبت من الولايات المتحدة الموافقة على خطة أمنية لمساعدتها، بقيمة 680 مليون دولار لمدة 4 سنوات، مقابل القضاء على المقاومة في مخيم جنين.
ونقل الموقع عن مصدر أمريكي وآخر مقرب من السلطة قولهما، إن الخطة الأمنية تتضمن تدريب القوات الخاصة للسلطة، وتعزيز إمداداتها من الذخيرة والمركبات المدرعة.
ولفت الموقع إلى أن السلطة قدمت طلبها في منتصف ديسمبر الماضي، وذلك خلال اجتماع مع مسؤولين أمنيين أمريكيين في وزارة الداخلية الفلسطينية برام الله، أي بعد أيام من بدء حملتها على جنين.
وقال مصدر لـ”ميدل إيست آي”: إن “مسؤولي السلطة طلبوا خلال الاجتماع تلبية احتياجاتهم من المركبات المدرعة والذخيرة بشكل عاجل في ظل صعوبة الاشتباكات وعدم قدرتهم على حل الوضع في مخيم جنين”.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق لـ”ميدل إيست آي”: إن طلب السلطة الفلسطينية للحصول على تمويل وأسلحة إضافية كان منطقيا، لأن الولايات المتحدة كانت تضغط على السلطة منذ أشهر لتكثيف العمليات الأمنية في الضفة الغربية المحتلة”.
صعود ترامب
ومع صعود دونالد ترامب للواجهة مجدداً، تبدو ملامح فترة رئاسية ثانية مسكونة بزيادة الدعم لإسرائيل. ترامب، الذي أعلن عن “اتفاق بشأن الرهائن” عبر منصة “تروث سوشيال”، أثبت خلال ولايته الأولى انحيازه الكامل لإسرائيل بنقل السفارة إلى القدس، دعم المستوطنات، والاعتراف بالجولان المحتل، الآن، يضاعف رهاناته بتعيينات مؤيدة للصهيونية المتطرفة، مث ترشيح مايك هاكابي، الذي ينكر وجود الفلسطينيين أصلاً، سفيراً لدى إسرائيل.
لوبي بالكونغرس
وقبل تنصيبه بأيام، شهد الكونغرس الأميركي تأسيس لوبي صهيوني جديد بقيادة يوسي دغان وبعض النواب الجمهوريين، يهدف إلى تعزيز هيمنة الاستيطان في الضفة الغربية.
وفي خطوة غير مسبوقة، تم إطلاق لوبي “الضفة الغربية” في الكونغرس الأميركي بمبادرة من يوسي دغان، رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية، وعضوة الكونغرس كلوديا تيني، هدف اللوبي المعلن هو توثيق العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي ومؤيديه في الكونغرس، ودفع أجندات تشريعية تدعم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.
وفقاً لتقارير إسرائيلية، يسعى اللوبي إلى الترويج لقوانين تكرّس الرواية الصهيونية، بما في ذلك استبدال مصطلح “الضفة الغربية” في الوثائق الأميركية بمصطلح توراتي “يهودا والسامرة”، كما يعمل على رفع العقوبات عن المستوطنات الإسرائيلية، إلى جانب تعزيز الدعم الدولي لتوسيعها.
يروج دغان لفكرة أن استيطان الضفة الغربية يمثل “حزام أمان” ليس فقط لإسرائيل، بل للولايات المتحدة وللغرب بأكمله، مستخدماً خطابات مشابهة لتلك التي يكررها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، المطلوب دولياً بمذكرات اعتقال صادرة بحقه بسبب جرائم الحرب المرتكبة في غزة. فبعد زعمه أن الضفة الغربية تعد جزءاً من “الحق التاريخي” للاحتلال، روج دغان في كلمته في حفل افتتاح اللوبي في واشنطن أن “نقاتل ليس فقط من أجل أمن إسرائيل، بل من أجل مستقبل الحضارة الغربية”.
وشهد حفل إطلاق اللوبي حضور أكثر من 20 عضواً من الكونغرس، إضافة إلى مسؤولين مقربين من إدارة ترامب وزعماء إنجيليين ويهود أميركيين، جاء هذا الحدث بعد جهود مكثفة قادها دغان للتأثير على الجمهوريين في الكونغرس، بهدف استثمار عودة ترامب لدعم مشروع فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية.
وأُقيم حفل الافتتاح في واشنطن يوم 16 يناير قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس دونالد ترامب، بعد عام كامل من الجهود التي بذلها رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لوضع خطة لاستثمار عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتضمنت هذه مساعٍ دبلوماسية مكثفة قادها يوسي دغان، شملت لقاءات مع شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري، إلى جانب اجتماعات وزيارات متبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف ضمان دعم قوي لتطبيق سيادة الاحتلال الإسرائيلي على “الضفة الغربية”.
وقد أثمرت جهود رئيس المستوطنات بإطلاق اللوبي، حيث باركت عضوة الكونغرس الجمهورية ورئيسة اللوبي كلوديا تيني في حفل الافتتاح قائلة: “بطريقة ملهمة، اقترح يوسي داغان، رئيس المجلس الإقليمي السامرة، أن أقوم بتشكيل فصيل يركز على يهودا والسامرة، لقد أصبحت فكرته حقيقة، ونحن الآن نعمل على رفع مستوى الوعي والأهمية التاريخية ليهودا والسامرة في الكونغرس الأمريكي، بهدف توحيد الأصوات في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم حول دعم المنطقة”.
واكتمل حفل افتتاح اللوبي بكلمة ألقاها عضو الكونغرس توم مكلينتوك، مكرراً فيها الروايات الصهيونية حول “تاريخية” الضفة الغربية وملكية الاحتلال لها، مهاجماً فكرة حل الدولتين، مع تصوير الاستيطان كجزء من “معركة حضارية” مشتركة، إذ قال: “إن يهودا والسامرة جزء لا يتجزأ من الأرض التاريخية للشعب اليهودي، ولها جذور تعود إلى آلاف السنين. وبالإضافة إلى أهميتها التاريخية، فإن لها أيضًا أهمية أمنية حاسمة. وقد أوضحت أحداث 7 أكتوبر أنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون آمنة دون السيادة الكاملة على أراضيها، لقد أثبتت تجربة حل الدولتين في غزة فشلها، وفوق كل شيء، فإن إسرائيل، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، لا تحمي فقط بل تسهم أيضاً في بقاء الحضارة ككل، إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في كل ما ترمز إليه بالنسبة لمستقبل العالم المتحضر.”.
ويُذكر أن توم مكلينتوك، خلال حرب الإبادة في غزة، قدم مشروع قانون يهدف إلى توسيع حظر دخول مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى أعضاء حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وقد أقر مجلس النواب الأمريكي المشروع في يناير من العام الماضي.
يشمل مشروع القانون أيضًا حظر دخول أي مواطن غير أمريكي شارك في هجمات 7 أكتوبر أو ساهم فيها بأي شكل، ومنعه من طلب أي نوع من الإغاثة أو الحماية المتعلقة بالهجرة، بما في ذلك الحماية من الترحيل إلى بلد قد يكون فيه عرضة للخطر، أو التقدم بطلب لجوء في الولايات المتحدة.