حذر خبراء تربية واقتصاد من أن نظام البكالوريا الذى أعلن محمد عبد اللطيف وزير تعليم الانقلاب، عن تطبيقه بدلًا عن الثانوية العامة خطوة لإلغاء مجانية التعليم وحرمان أبناء الغلابة من دخول المدارس والجامعات وجعلهم مجرد عمالة وخدم لأبناء الذوات.
واعتبر الخبراء أن هذا النظام بمثابة عودة إلى الوراء، وسيزيد من الأعباء المادية على الأسر المصرية، مؤكدين أن الهدف من البكالورويا هو خصخصة التعليم وخفض معدلات الإنفاق عليه، في وقتٍ تعاني فيه قطاعات كبيرة من المجتمع المصري من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على جودة التعليم وقدرة أبناء الأسر الأكثر فقرًا والواقعة تحت خطر الفقر، على الوصول إلى مقاعد الدراسة.
وأكدوا أن نظام البكالوريا ليس وليد تجارب أو أبحاث وإنما يهدف إلى خفض الإنفاق الحكومي على التعليم لإرضاء صندوق النقد الدولي، وهو ما يمثل اعتداءً على الدستور الذي ينص على أن التعليم مجاني في مؤسسات الدولة.
يشار إلى أن نظام البكالوريا الجديد يتكون من مرحلتين: المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، والمرحلة الرئيسية (الصفين الثاني والثالث الثانوي)، ويعتمد على دمج المواد العلمية، والأدبية والفنية، ويتضمن تدريس 14 مادة منهم سبع مواد بالصف الأول الثانوي العام وسبع مواد بالصفين الثاني والثالث الثانوي العام، ويتم تقسيم المواد على مدار عامين على الأقل، مع توفير فرص امتحانية مرتين سنويًا، تكون الأولي مجانية والثانية بمقابل قدره 500 جنيه لكل امتحان، ويكون الحد الأقصى لعدد سنوات الدراسة للمرحلة الرئيسية أربع سنوات بخلاف الصف الأول الثانوي.
الإنفاق الحكومي
من جانبه اعتبر الدكتور كمال مغيث الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية أن توجهات حكومة الانقلاب المتعلقة بالتعليم، تتسق مع نظام سياسي يتماهى نحو الرأسمالية المتوحشة، ويخضع لشروط وروشتة البنك الدولي المطالبة بخفض نفقات الحكومة وتقليص الدعم وتقليل عدد موظفي الدولة، دون إصلاحات اجتماعية.
وأشار مغيث فى تصريحات صحفية إلى ما أعلنه السيسي حين قال إنه لا يوجد شيء مجاني، وماذا يفعل التعليم في وطن ضائع؟
وإشارته إلى إمكانية تعليم أقلية تعليمًا جيدًا بدلًا عن تعليم الأغلبية، مؤكدًا أن نظام البكالوريا ليس وليد تجارب أو أبحاث، إنما يهدف إلى خفض الإنفاق الحكومي على التعليم لإرضاء صندوق النقد الدولي، وهو ما يمثل اعتداءً على الدستور الذي ينص على أن التعليم مجاني في مؤسسات الدولة.
وقال: يبدو أن هناك حزمة سياسات، تبدأ بتوجيه انتقادات لتزايد أعداد خريجي الكليات النظرية، والتوجيه بدراسة البرمجة والتي لن تستطيع دراستها سوى أعداد محدودة، بالتزامن مع ارتفاع الرسوم الدراسية، وفي ظل ارتفاع معدلات الفقر، يؤدى ذلك لخفض نسبة الملتحقين بالتعليم الإلزامي لعدم قدرة أسرهم على الإنفاق على تعليمهم، ثم تظهر فكرة إعادة الكتاتيب، متسائلاً هل يريدون الوصول إلى رفع دولة العسكر يدها عن التعليم، وأن تكون الأغلبية تجيد فقط مهارات القراءة والكتابة وتعمل كخدم لدى الأغنياء المتعلمين؟
الأسمنت والحجارة
وأكد الدكتور عمار علي حسن الباحث في العلوم السياسية أن هناك اتجاه حكومي لتقليص الإنفاق على التعليم، تمثل في زيادة الرسوم الدراسية من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية وتوقف نظام السيسي عن إنشاء جامعات حكومية وترك الأمر لرجال الأعمال والجامعات الأجنبية، وفتح باب التطوع دون أجر للتدريس في المدارس الحكومية.
واعتبر“حسن” فى تصريحات صحفية أن ذلك هو قمة الاستهانة بالتعليم، وأن مسابقة توظيف الـ30 ألف معلم كانت قمة الهزلية بشروطها العبثية، مطالبًا بعدم بقاء وزير تعليم الانقلاب في منصبه بعد ثبوت تزوير شهادته.
وتوقع أن تتجه سلطات الانقلاب إلى انتقائية التعليم، وفي ظل ثورة الاتصالات وارتباطها بالديمقراطية من العبث التفكير في قصر التعليم على فئات معينة وتعليم البقية في الكتاتيب أو ربط التعليم بالعمل فقط وتوظيف فئة معينة في دواليب السلطة، وهو توجه تبناه الخديو عباس والذي كان يرى تعليم الأتراك فقط وترك المصريين جهلاء ليبقوا أيدي عاملة رخيصة، لكن اتضح لاحقًا ارتباط التعليم ببناء الأمة وارتباطه بالحرية والديمقراطية.
وأشار “حسن” إلى أن سلطات الانقلاب لا تريد للشعب أن يكون متعلمًا حتى لا ينادي بحقوقه وواجباته، مشددًا على أنه لا ينبغى التذرع بقلة الموارد المالية لأن الأموال تنفق على الأسمنت والحجارة والطرق بدلاً عن بناء المدارس.
وكشف أن الإنفاق على التعليم يأتي بالأساس من جيوب دافعي الضرائب، ولا يحظى بالميزانيات الضخمة المرصودة لقطاعات أخرى، ولا يمكن ربط ذلك بمطالب صندوق النقد الدولي.
اقتصاد المول والكمبوند
وأكد الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني أن هناك توجه انقلابى نحو خصخصة التعليم، بدليل عدم الالتزام بالنسب الدستورية ومشكلة كثافة الفصول والتسرب من التعليم وإطلاق يد القطاع الخاص وتقديم خدمة مدفوعة الثمن في مدارس حكومية ووجود عجز 250 ألف فصل دراسي و650 ألف معلم.
واعتبر الميرغنى فى تصريجات صحفية أن تلك مؤشرات على خصخصة التعليم وتخلي دولة العسكر عن مسئوليتها، إذ عمدت حكومة الانقلاب منذ سنوات إلى خفض الإنفاق على التعليم من 12% من مصروفات الموازنة العامة في 2014/2015 إلى 7.6% في 2024/2025، وخفض الإنفاق على التعليم من 3.9% إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك يتم تقليص الانفاق الحكومي وتسليع التعليم وتحويله من خدمة عامة إلي سلعة يحصل عليها من يملك تكلفتها.
وقال ان مصر فى زمن الانقلاب تعيش اقتصاد المول والكمبوند، والذي يحتاج إلى بائعين وعمال نظافة وعمال صيانة وعمال أمن، ويتم تعليم النخبة في مدارس دولية أو خارج مصر، أما تعليم الفقراء فهو طارد رغم مساعدات تكافل التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وشدد الميرغنى على أنه منذ تحول التعليم إلى بيزنس جاذب لرجال الأعمال ومنذ التحول من الجامعات الأهلية إلى الجامعات الخاصة والدولية بل وإنشاء تعليم مواز داخل الجامعات الحكومية بمصروفات ولغات أجنبية، ارتفعت وتيرة الخصخصة في قطاع التعليم العالي.