رفع الباحث عبده فايد الحرج عن السنوار وهنية وقيادات حركة حماس في إجابة على أغلب الجدليات التي انطلقت منذ اليوم لطوفان الأقصى وأهميته، مؤكدا أن حركة حماس قبلت أن تفنى هي وقيادتها وألوف مؤلفة من مقاتليها في سبيل ألا تكون فلسطين مرحلة هامشية، ألا يتحول الفلسطيني ‘‘لهندي أحمر‘‘ جديد.
وعبر @Abdo_Fayed89 أكد عبده فايد أن حماس وقياداتها كانوا في مقدمة الصفوف، وأنهم لم يجهلوا تقدير الاصطفاف الاستعماري أو تقدير فارق القوة العسكرية الذي كان وما يزال لصالح الكيان الصهيوني.
وموضحا أن المشكل الأكبر هي أن المقاومة في غزة رفضت أن تكون غزة على نسق الضفة الغربية مدجنة إلى درجة الاستئناس لتكون غزة حسب وجهتهم على نسق التطبيع والهمود من ثورة تطيح بالمحتل ولا تفكر بفلسطين من النهر إلى البحر أن تكون شبه دولة تفتتها مئات الحواجز الأمنية للاحتلال.
وطرح الباحث المصري عبده فايد مرات سؤال عن استعادة فلسطين بين المقاومة والسلطة، وكرر الإجابة على سؤال حجم التضحيات التي دفعها أهل غزة والثمن المرجوّ من المقاومة ومن الفلسطينيين.
حجم التضحية
وقال: “هل كان طوفان الأقصى فعلًا يستحق هذا الثمن؟ خمسون ألف شهيد ومليوني مشرّد ومدينة بالكامل مُحيت عن بكرة أبيها، هل غامر السنوار بالشعب الفلسطيني واتخذّ قرارًا مجنونًا؟ والآن تقبل حماس الصفقة بعد 500 يوم من المأساة، مقابل ماذا؟ أسرى مُحررون بالمئات، بينما اعتقل من سكان غزة قرابة 17 ألفا بعد السابع من أكتوبر؟ كلها أسئلة منطقية ومشروع أن تُثار في عقل أي غيور على غزّة، لكن الإجابة أعقد من الظاهر بكثير ” بحسب الباحث
استعادة فلسطين بين المقاومة والسلطة
وأوضح أن غزة كانت مدينة جميلة قبل الحرب .. بيوت وشوارع وشواطيء ومدارس ومشافي، صحيح كانت فعلًا مدينة بهيّة، لكن السنوار ورفاقه لم يريدوا هذا الأمر تحديدًا ، الجمال والهدوء، لا .. المقايضة هدف الفلسطيني منذ انطلاق العمل الفدائي في منتصف ستينات القرن العشرين هو تحرير الأرض، دولة من النهر إلى البحر عاصمتها القدس، تولّت حركة فتح زمام المقاومة ونجحت في إحياء القضية في نفوس الناس، حتى انقلبت على أعقابها، وسلّمت سلاحها مقابل كرسي في رام الله، مقابل أن يعمل الفلسطيني المقاوم سابقًا كمخبر للإسرائيلي على أبناء شعبه”.
شبه دولة
وأبان أن الشعب الفلسطيني في الضفة نال ما يشبه دولة، علم ومقر حكومي وموظفين وبنوك، لكن لا حدود ولا شعب يعود ولا جيش يسود، المواطن في الضفة ارتبط بمكاسب اللحظة الراهنة ، لماذا أحمل السلاح وأنا بإمكاني الانتفاع من الإتجار مع الإسرائيلي ؟ ولماذا أجازف بحياتي وأنا في رقبتي أسرة وأقساط ثلاجة حديثة أرغب في شرائها؟ توزيع مكاسب الهزيمة هو ما أجاد الإسرائيليون فعله بطريقة مدهشة استغلت الاحتياج الإنساني الطبيعي للاستقرار، لا قضية ولا وطن في مقابل أن تحظى من تحت الضرس وعبر ألف معبر بشيء يشبه حياة البشر خارج الضفة، وبمقدار ما تتخابر بمقدار ما أفرج عن ضرائبك من البنوك الصهيونية، والنتيجة استئناس الشعب في الضفة، وتحت شعار العقلانية ومصلحة القضية مُررت أقصى أنواع الخيانات، من أوسلو إلى قضية جولدستون.
غزة على نسق الضفة
وأكد على واقع الرغبة الصهيونية هو: تحويل غزّة لضفّة أخرى كان هو غاية المراد الإسرائيلي، ويُمكن ملاحظة النمط بوضوح .. حماس تحكم؟ .. لا بأس .. تنتج قدرات عسكرية؟ .. حسنًا كل بضع سنوات حرب خاطفة لإعادتها للمربع الأول ، مع السماح بتدفق المساعدات وإعادة الإعمار وتوفير مظاهر الحياة التي تبدو للوهلة الأولى آدمية، وفي الخارج تقف ترسانة عسكرية صهيونية هائلة تفصل القطاع عن العالم وتستغل احتياج الناس للتفاوض على عقيدة الحكم ، الخروج للعلاج من السرطان في المشافي الصهيونية مقابل التجسس، السماح بدخول مواد البناء مقابل وقف إطلاق الصواريخ ، كانت الصفقة واضحة تحكم حماس غزّة، تتوافر المنتجات، يمرح السكان في بعض مظاهر الاستهلاك السلعي والتي هي أقل مما يُتاح لأقل مواطن في أحراش الأمازون، والنتيجة؟ تضعف همّة الناس، تحسب حماس ألف حساب لكرسيها، ترضى بالحكم مقابل تقليم السلاح، ويرضى الناس بالفتات في سجن مفتوح بدلًا من الحرية في وطن كامل.
رفض المقاومة
وضمن مناقشة ما يراه البعض مشكلات أو أسئلة، اعتبر أن المشكلة الكبرى (وفق ما يرون) أن حماس رفضت في غزة ما قبلته السلطة في الضفة، رفضت أن تحتفظ بالكرسي للأبد مقابل أن تتحول لآلة قمع لشعبها، رفضت أن تتخلى عن مشروع الوطن الحُر مقابل الحكم في مساحة مائتي كيلو متر مُقتطعة منه ، حماس تمسكّت بالرومانسية الفلسطينية الكلاسيكية بأن شرف المواطن في سلاحه، وعقيدة الفلسطيني هي أرضه ، ولم تُدرك حتى حدود السابع من أكتوبر، أن الفلسطينيين ليسوا سواء، منهم من باع شرفه وأرضه ودينه للإسرائيلي، ومنهم من رضي وخنع وسلم وآثر السكوت، والفئة القليلة الموجودة في غزة هي شبح فلسطيني من زمان قد ولى، وذلك كان خطأ التقدير الأولي من السنوار وأبو خالد الضيف حينما توجه الأخير بنداء لأبناء الضفة والداخل المحتّل للخروج والفداء، والنتيجة صمت الحملان المستأنسة، في تلك اللحظة تحديدًا تجلّى معنى الانقسام الفلسطيني، ليس انقسام أحزاب وتيارات وحركات .. لا .. بل انقسام حول القضية نفسها .. بين مقاوم مؤمن بالحريّة، ومنتفع رضي بالدنيّة.
تقدير فارق القوة العسكرية
السؤال الثاني الذي طرحه، هو: وماذا عن فارق القوة العسكرية بين القسام وإسرائيل، هل أخطأت المقاومة في تقديرها؟ .. لا .. بالتأكيد .. أي حركة مقاومة تعلم بالضرورة أن فارق القوة بينها وبين المُحتّل هو بالضرورة عملاق، وإلا ما كان الاحتلال قد نشأ بالأساس، والقسّام أعدّت ما يكفي من القوة التي تضمن ليس فقط تحقيق نصر ساحق في السابع من أكتوبر، بل والصمود تحت الأرض وإيلام العدو فوقها لشهور طويلة .. وبالفعل .. الثلث الأول من الحرب كان كابوسيًا على الإسرائيليين، صمود أسطوري وقدرة مدهشة على إخفاء الأسرى، لكن ما فاجأ المقاومة، فاجأ العالم كلّه هو الترسانة الغربية المتاحة أمام “إسرائيل” لم يسبق في تاريخ الاستعمار أن حظيت قوة بهذا الدعم كما حاز نتنياهو، في حرب الهند-الصينية عام 1956 سئمت أميركا من دعم فرنسا بحريًا وجويًا في فيتنام، وتركتها لهزيمة مذلّة في ديان بيان فو، حيث قُتل 16 ألف جندي فرنسي، الأوروبيون نفضوا أيديهم عن الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا عام 1904 بعد جرائمه في حق الشعب الكونجولي وأجبروه على التخلي عن الكونغو كملكية شخصية، والأمثال كثيرة.
تقدير الاصطفاف الاستعماري
وعن السؤال الثالث ويتعلق برأي البعض ب”سوء التقدير” للاصطفاف الاستعماري وراء “إسرائيل” كان أمثولة شارحة لطبيعة المعركة التي تخوضها الحضارة الغربية بأكملها في وجه البؤر المتمردة من أوكرانيا لبحر الصين الشرقي وحتى قطاع غزة، حماس لم تكن تقاتل “إسرائيل” وحدها، كانت الحرب لتنتهي في أيام وليس شهورا ، حماس كانت تحارب منظومة قيمية تعلم أن هزيمتها في غزة سوف تلحق ضررا بالغا بالنموذج الغربي بالكامل، وتكثيفه هنا “إسرائيل” للغرب في المنطقة ليست وكيلًا استعماريًا قائم على إدارة شئونها فحسب، بل نقطة التقاء خيوط شبكة العنكبوت التي أسّستها الآلة الاستعمارية – الرأسمالية الغربية، السيادة الصهيونية تضمن بقاء الأنظمة الرجعية، الملكية منها والعسكرية، تضمن استمرار شبكات الاستغلال تحت حجة الحماية، تضمن تأخير مطالب الشعوب بحريتها الأساسية، وتضمن استنزاف الموارد للحرب وليس للتنمية الوطنية ، لا نتحدث عنها عن زوال “إسرائيل” بل عن ضعفها أو اضمحلال سيادتها الذي قد يقود لتأليب واسع للمنطقة وخروجها من تحت العباءة الأميركية، هذا ما تحدّته حماس، لم تكن المعركة غزّة أبدًا، بل عالم عربي حرّ لأول مرة في تاريخه.
سؤال التضحيات والثمن
السؤال المتجدد لعبده فايد كان؛ “وماذا عن مئات ألوف الشهداء والجرحي، أليست دماؤهم في رقبة السنوار وحماس؟ هذه هي المغالطة التي يروج لها أنصار معسكر التطبيع العربي، بل دماؤهم في رقبة العربي الذي حاصر جيرانه، في رقبة الإسرائيلي الذي قصف، وفي رقبة الغربي الذي دعم بالسلاح ، في رقبة سلطة ‘‘وطنية‘‘ متعاونة ذهبت لتقمع جنين في عز سحق غزة، كل ما أرادت حماس فعله من المعركة هو تنبيه العالم إلى أن هناك شعبا لا يقبل نسيان حقه، ولا تمييع قضيته، وكان الثمن مريرًا، والآن يسهل ادعاء الحكمة بأثر رجعي، الندم على معركة كانت هي الأنبل في تاريخ العرب، هذا أصلًا هو هدف الآلة الإبادية الأميركية-الصهيونية أن تجعلك تندم على الطوفان، أن تتعلّم أن ثمن مواجهة “إسرائيل” هو السحق المطلق، وأن تذهب إلى التطبيع هرولة لا طمعًا في المنافع بل خوفًا من المدافع، قالها الإسرائيلي في بداية الحرب بأنه، ولثمانين عاما قادمة، لن يجرؤ عربي على تحدّي “إسرائيل” ومن هنا كانت المقتلة، وما يُروج له كخيار العقل، هو أصلًا ترويج للسردية الصهيونية، المقاومة ثمنها الإفناء.
تقديرات مناظرة
وخلص على ما يبدو أنه “لم يكن السنوار رجلًا مجنونًا ليشعل المنطقة، في كتب التاريخ هناك الكثيرون من أمثاله ممن نعتوهم بالجنون والخبل، كان هناك ثورة الملاكمين في الصين وحينما سقط مليون قتيل صيني ضد جيوش 8 دول غربية عام 1901 نعت الكل المقاومة الصينية بالخبل، لأنها تجرأت على المساس بالمبشرين الألمان، العالم كله وسم ‘‘هو تشي منه‘‘ بالجنون لأنه تجرأ وخاض في عشرين عامًا حربين ضد قوتين نوويتين وراح ضحيتها أزيد من خمس ملايين فيتنامي، الكل يصم أبطال الحرية بالجنون ، لكن ما جعل الصين وفيتنام تلقى بعد ذلك تقديرًا عابرًا للحرية والفداء مقابل أثمان باهظة، أنها انتصرت في النهاية ولم تنتصر إلا بالدعم الخارجي بمليارات الدولارات التي ضًخت في أيدي مقاتليهم لا لموازنة الكفة مع الاستعمار بل لإتاحة مجال للتنفس، أما السنوار فقد خنقه الكل، كبلوا أقدامه ويديه وغطّوا عينيه، واذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون، ثم يستنكرون لمذا لم تأت بالنصر المطلق؟ .
في مقدمة الصفوف
وأشار إلى أنه “وحتى بعد كل ذلك وقفت حماس في شمال غزة لتفسد مخطط الجنرالات، مقاوم بأدوات بدائية منع تقسيم القطاع وتهجير أهله وإقناء القضية مرة واحدة وللأبد، المدهش أن حماس رغم كل ما أنفق على إفنائها لم تمت، وفي الوقت الذي انهارت فيه قوى إقليمية أشد تجهيزًا منها ألفي مليون مرة، جلست هي حتى اللحظة الأخيرة على قدم المساواة مع الإسرائيلي لتنتزع اتفاق هدنة، ربما تتراجع في قادم الأيام خطوتين للوراء وتفسح المجال -برضاها المطلق- لبديل فلسطيني يتولى تسيير أوضاع القطاع، لكنها لم تفنَ لا الحركة ولا الفكرة التي تمثلها المقاومة، هذا بلا شك وقت لملمة الجراح الفلسطينية الهائلة، وقت استيعاب الصدمة وإعادة بناء المجتمع من تحت الصفر بألف درجة، لا شك هذا حتى ربما هو وقت الغضب المكتوم ، لكن وأنت تفعل، تذكّر جيدًا أن حماس كانت بمقدورها أن تجعل غزّة نسخة من الضفة، بل ويجلس السنوار ملكًا متوجًا مع فصيله لألف سنة قادمة، لكن الحركة قبلت أن تفنى هي وقيادتها وألوف مؤلفة من مقاتليها في سبيل ألا تكون فلسطين مرحلة هامشية، ألا يتحول الفلسطيني ‘‘لهندي أحمر‘‘ جديد نقرأ عنه في كتب التاريخ ونرى نماذج منه باقية كأحفوريات، وآخر ما يناله منّا هو مصمصة الشفاه”.
خلاصة البحث أو الخاطرة “هل ترغب حقًا في معرفة خطيئة السنوار؟ إنه كان حرًا في زمن اخفاض الرؤوس وإحناء الهامات، إنه كان بطلًا في زمان عربي لا يُمجد فيه إلا الخونة، كان فلسطينيًا أكثر من المطلوب”.