تشهد عقارات الأسكندرية سلسلة غير مسبوقة من الانهيارات فى زمن الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي، وذلك بسبب الإهمال وفساد المحليات وعدم اتخاذ اجراءات حاسمة للتعامل مع العقارات القديمة والمتصدعة ومخالفات المبانى بجانب انتشار المحسوبية والرشاوى دون اعتبار للضحايا الذين تضيع حياتهم والثروات التى تتبدد نتيجة هذه الأجواء الخانقة فى زمن الانقلاب .
فى هذا السياق كشفت تقارير المتابعة خلال الفترة من يناير 2023 حتى إبريل 2025عن 43 حالة انهيار لعقارات سكنية في محافظة الإسكندرية، تنوعت بين انهيار جزئي: 20 حالة (46.5%)، وانهيار كامل: 18 حالة (41.9%) وسقوط شرفة عقار: 5 حالات (11.6%)، وبلغ إجمالي عدد وفيات ضحايا تلك الحوادث 32 حالة وفاة، في حين بلغ عدد المصابين في تلك الحوادث 37 مصابًا.
وأكدت التقارير أن حي الجمرك هو أكثر الأحياء تعرضًا للانهيارات، إذ سجّل 15 حادثًا وفي المرتبة الثانية جاء حي كرموز 5 حوادث ، وحلّ حي الورديان ثالثًا، 4 حوادث وجاء رابعًا وسط الإسكندرية، 4 حوادث ، ثم حي شرق الإسكندرية 3 حوادث وكان كلٍ من حي سيدي بشر وحي باكوس، في المركز السادس، إذ سجل كل منهما حادثي انهيار في حين وقعت حوادث متفرقة في أحياء الإبراهيمية، السيوف، بحري، العصافرة، المنتزه ثان.
7 آلاف مبنى
وكشفت دراسة حديثة، أجراها فريق من علماء المناخ والبحار والفضاء بقيادة المهندسة المعمارية ، سارة فؤاد، أن الإسكندرية شهدت أكثر من 280 حالة انهيار مبانٍ على سواحلها خلال العقدين الماضيين، مؤكدة ارتفاع حالات انهيار المباني الساحلية إلى عشرة أضعاف خلال العشرين عامًا الماضية .
وحذرت الدراسة من تنامي الخطر على سواحل الإسكندرية حيث يجعل نحو 7 آلاف مبنى بها، عرضة للانهيار، في ظل ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات المناخية، مؤكدة وجود علاقة بين تراجع خط الساحل وهبوط التربة وانهيار المباني.
وأشارت إلى ان التوسع العمراني، أدى إلى زيادة تسرب مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية، وارتفاع منسوب تلك المياه وتآكل أسس المباني، وهو ما يُعجل بانهيارها.
تراخيص جديدة
فى هذا السياق حذر المحامي أحمد الصعيدي، رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية للحقوق البيئية، من أن هناك كارثة تحدث في محافظة الإسكندرية، تعكس عدم الاهتمام الرسمي بالتقارير العلمية التي تحذر من الكوارث البيئية التي تهدد المدينة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر بسبب الاحتباس الحراري، الذي يهدد البنية التحتية وسيؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري .
وقال الصعيدى فى تصريحات صحفية أن هناك مباني جديدة ومنشآت حكومية تمنح تراخيص بالإضافة إلى مطاعم وكافيتريات مطلة على البحر، دون مراعاة أهمية التكيف مع التغيرات البيئية، بالتزامن مع تداعي الحالة الإنشائية لكثير من المباني القديمة في الإسكندرية.
وأكد أن هناك نقاط تآكل للسواحل عند أبو قير والساحل الشمالي، لافتًا إلى أنه سبق صدور استراتيجية للتكيف مع التغيرات المناخية عام 2011، دعت إلى تضمين التكيف مع التغيرات المناخية في دراسات الأثر البيئي للمشروعات التي تقام في الساحل الشمالي، إلا أنه لم يتم الالتزام بذلك.
فساد المحليات
وكشفت المهندسة المعمارية إنجي الحسيني، أن السبب الرئيسي في تهديد عقارات الأسكندرية يرجع إلى البناء المخالف والعشوائي الذي يمثل ضغطًا على مرافق المدينة والبنية التحتية، إضافة إلى وجود حالة من تكدس المنشآت وتكثيف المباني بالقرب من الشواطئ الساحلية التى تفتقد لمعايير الجودة والسلامة العالية حيث تقل مساحة الشاطئ، بسبب تعدي المباني على خط الساحل مثل: بناء المطاعم و”الكافيهات” والفنادق حيث مثلت تحميلا آخر على أساسات المدينة وشواطئها ومبانيها.
وقالت انجى الحسينى فى تصريحات صحفية : كل تلك الأسباب مجتمعة تؤثر على التربة وعلى أساسات العقارات خاصة تلك التي لم تراعِ مواصفات البناء من الناحية الإنشائية نتيجة للغش في الحديد والأسمنت.
وحملت فساد المحليات المسئولية عن حوادث انهيار العقارات متسائلة كيف لمبنى مكون من ثمانية أدوار يحصل على تسهيلات في البناء ليصل عدد الأدوار لـ 17 وأحيانًا 20 طابقا، مما يمثل تحميلًا على التربة، التي لم تكن مجهزة لتلك الأحمال، نظرًا للضغط على أنظمة المياه والصرف الصحي للمباني وشبكات الصرف العمومية .
وأكدت انجى الحسينى أن التحذيرات من تسارع تآكل سواحل الإسكندرية وزيادة النحر البحري، بسبب ارتفاع منسوب ماء البحر وتسرب الماء المالح للأساسات نتيجة التغيرات المناخية؛ تمثل تحديًا آخر قد يهدد الأبنية والمنشآت والطرق، موضحة أنه يمكن تدارك ذلك بإقامة حواجز وسواتر مصنوعة من مواد مستدامة صديقة للبيئة تقلل من حجم الفيضانات، مع توظيف الوسائل الذكية لتخزين ماء المطر وإعادة تدويره، وكذلك توفير أنظمة صرف للتخلص من البرك التي تخلفها مياه الأمطار الغزيرة والتي لا تستوعبها بلاعات الصرف الصحي مما يؤثر على أساسات الأبنية والعقارات .
عشوائية
وأكد المهندس المعماري، محمد عيسى، أن التغيرات المناخية تؤثر على المباني لا سيما في البيئات الساحلية، نظرًا لارتفاع نسبة الملوحة والرطوبة، مشددا على ضرورة عمل حماية للمباني منها كي لا تصل الرطوبة والأملاح للهيكل الخرساني وتؤدي إلى صدأ الحديد، وإصابة المبنى بالشيخوخة ، وقد يسقط بعد ذلك نتيجة حفر أو بناء قريب منه .
وقال عيسى فى تصريحات صحفية : هناك كود للتصميم الإنشائي للمباني السكنية وتسليحها، ويكون لها عمر افتراضي وبعده يجب عمل تجديد وترميم للمبانى لأن كفاءتها تقل تدريجيًا، أو يتم إصدار قرار إزالة، حسب حالة المبنى.
وأرجع انهيارات عقارات الإسكندرية إلى العشوائية وغياب دراسات البناء ومعايير وكود السلامة، مُعتبرًا أن المباني المبنية منذ الثمانينات والتسعينيات والألفية الثالثة هي الأكثر عرضة للضرر، لا سيما تلك المبنية خلال فترة ثورة يناير ٢٠١١.
وأوضح عيسى أنه كان من المفترض قبل عملية البناء أن يتم فحص التربة ونوعها، بالاستعانة بمختبرات متخصصة، وقياس منسوب المياه ومعرفة نوعها سواء مالحة أو عذبة، وهل تحتاج إلى عمليات شفط دائم للمياه؟، مشيرا إلى أن هذا الفحص يحدد طبيعة مواد البناء التي يستخدمها المعماريون، والحفر المناسب، اللازم للتأسيس، فقد يلجأون إلى وضع خوازيق بعمق معين ووفق اشتراطات معينة وإجراء تجارب عليها.