في خطوة أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا، أعلنت حكومة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي نيتها إخلاء نحو 2.5 مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون الإيجارات القديمة خلال خمس سنوات، في واحدة من أكبر عمليات إعادة توزيع سكاني في تاريخ مصر الحديث، ما اعتبره مراقبون تمهيدًا لبيع عقارات وسط القاهرة والمناطق الراقية، لإنقاذ النظام من الإفلاس بعد أن أغرق البلاد في الديون. مشروع القانون الجديد الذي ناقشه البرلمان الانقلابي، يقضي بزيادة الإيجارات القديمة عشرين ضعفًا على الأقل، مع إنهاء العلاقة الإيجارية نهائيًا في منتصف عام 2030، وإجبار السكان على الإخلاء، في ما وصفه برلمانيون بأنه "كرة لهب أُلقيت في حجر المجتمع"، نظراً لما تحمله من تهديد مباشر للسلم المجتمعي. ورغم مزاعم حكومة الانقلاب بشأن توفير "سكن بديل"، فإن مراقبين يرون أن الهدف الحقيقي هو إخلاء مناطق استراتيجية كوسط البلد والزمالك والمهندسين، لبيعها لاحقًا إلى مستثمرين محليين وأجانب، في إطار خطة موسعة لبيع أصول الدولة لسد فجوة التمويل المتضخمة. نقل الوزارات تمهيدًا للبيع التحركات الحكومية الأخيرة لا تقتصر على الإيجارات، فبعد نقل مقرات 13 وزارة وجهة سيادية من وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، جرى نقل ملكية تلك العقارات إلى "صندوق مصر السيادي"، ما يفتح الباب واسعًا لطرحها في مشروعات استثمارية متعددة الاستخدامات، وسط غياب تام للشفافية أو رقابة شعبية أو برلمانية. ورغم نفي الحكومة نيتها "بيع وسط البلد"، تشير تقارير رسمية وتصريحات لمسؤولين إلى وجود خطة لإعادة تطوير هذه المناطق بالشراكة مع مستثمرين، ما يعزز مخاوف بيع قلب العاصمة، خاصة بعد عرض الدولة لمشروعات عقارية بمليارات الدولارات في منطقة رأس الحكمة لصالح مستثمرين خليجيين. خبراء: بيع الأصول جريمة اقتصادية الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي حذر من أن بيع أصول الدولة لن يحل الأزمة الاقتصادية، بل قد يزيدها تعقيدًا، مشددًا على أن تخارج الدولة من العقارات والأصول الإنتاجية ينقل السيطرة الفعلية على الاقتصاد لقوى خارجية، كما وصف الدكتور حسام الشاذلي، أستاذ التخطيط الاستراتيجي بجامعة كامبردج، هذه السياسات بأنها "كارثة اقتصادية وسياسية تهدد الأمن القومي وتفقد مصر قرارها السيادي". ومن جانبه، اعتبر ممدوح المُنيّر، رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، أن النظام المصري يرهن ما تبقى من مقدرات البلاد لصالح مستثمرين يسعون للربح السريع، مؤكدًا أن أزمة الديون لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة سياسات إهدار ممنهجة لموارد الدولة في مشاريع لا مردود لها مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة. وثيقة التفريط في هذا السياق، تبرز "وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي أعلنتها الحكومة عام 2022 كإطار رسمي لخطط التخارج من الأصول العامة، حيث تستهدف جذب 40 مليار دولار على مدى أربع سنوات من خلال بيع حصص في الشركات والعقارات والبنية التحتية، وبحسب خبراء، فإن هذه الوثيقة تؤسس قانونيًا للتفريط في الأصول الاستراتيجية، وتفتح الباب لتملك أجنبي واسع النطاق. بين التهجير والبيع بين مشروع قانون الإيجارات القديمة ونقل ملكيات وسط البلد، يجد المواطن المصري البسيط نفسه مهددًا بالطرد من مسكنه، لصالح صفقات لا يعرف عنها شيئًا، تبرمها السلطة مع مستثمرين في الغرف المغلقة. وفيما تنهمك الحكومة في تسويق الأراضي والعقارات للمستثمرين، يغيب أي حديث عن التنمية الحقيقية أو تحسين أحوال المواطنين الذين يسحقهم الغلاء والفقر وسوء الخدمات. في النهاية، تبدو خطة السيسي لبيع قلب القاهرة محاولة يائسة لتأجيل السقوط المالي، لكنها قد تؤدي إلى ما هو أخطر، تفكيك النسيج الاجتماعي، وتدمير الهوية المعمارية والتاريخية للبلاد، وتحويل المصريين إلى غرباء في وطنهم.